المصدر: إرم نيوز
الاثنين 17 تشرين الثاني 2025 18:55:44
قالت مصادر سياسية وأمنية لبنانية متقاطعة لـ"إرم نيوز" إن النقاش داخل حزب الله بلغ خلال الأسابيع الماضية مرحلة غير مسبوقة من الانقسام حول كيفية التعامل مع الخروقات الإسرائيلية لاتفاق الهدنة، بين جناح يدفع باتجاه الرد المباشر حفاظًا على هيبة الحزب، وجناح آخر يحذر من أن أي مواجهة - ولو محدودة - ستمنح إسرائيل المبرر الذي تنتظره لشن حرب استباقية على لبنان قبل تنفيذ مخططها العسكري ضد إيران.
وأشارت المصادر إلى أن طهران باتت حاضرة يوميًّا في النقاش الداخلي، وأن قرار الرد أو التريث لم يعد محكومًا بميزان الميدان في الجنوب فحسب، بل بميزان الصراع الأكبر الذي تستعد له المنطقة.
صراع أجنحة.. الرد أم ضبط النفس؟
تشير المعلومات التي حصل عليها "إرم نيوز" من مصادر مطلعة على طبيعة النقاشات، إلى وجود تيارين أساسيين داخل الحزب: تيار يدعو للرد السريع والمباشر، يضم قيادات ميدانية بارزة ومسؤولين في الوحدات العسكرية، يؤمن بأن استمرار الهدنة من طرف واحد يضرب صورة الحزب ويُضعف قواعد الردع التي بناها خلال العقد الأخير.
المصادر تقول: إن هذا التيار يرى أن إسرائيل تستغل صمت الحزب لفرض معادلات جديدة: تنشيط الطلعات الجوية، وتوسيع بنك الأهداف، واستهداف مراكز حساسة تعتمد عليها منظومة الصواريخ.
ويجادل هذا الفريق بأن الساحة اللبنانية باتت تعيش ضغطًا مضاعفًا، فثمَّة رأي عام ناقم على الغارات الإسرائيلية من جهة، وضغط خصوم الحزب من جهة أخرى لعدم الذهاب إلى الحرب؛ ما يجعل الحزب في موقف صعب إذا تجاهل الضربات المستمرة دون رد مدروس.
أما التيار الثاني فيدعو إلى "التريث" ويحذر من الحرب الكبرى، ويدعو إلى التزام الهدوء "قدر الإمكان". ويقود هذا التيار عدد من أعضاء المجلس الجهادي وكوادر سياسية مؤثرة، وفقًا للمصادر.
ويجادل أنصار التيار الثاني بأن الوضع الداخلي اللبناني منهك اقتصاديًّا، وبالتالي يبدي رغبة في تجنب منح إسرائيل ذريعة لشن حرب مفاجِئة. وخاصة مع الإدراك أن القرار الإسرائيلي النهائي بشن "أيام قتالية" أو حرب واسعة قد يكون قريبًا جدًّا.
المصادر تؤكد أن قيادات بارزة حذرت من أن الرد في توقيت خاطئ سيسمح لإسرائيل بجر الحزب إلى معركة لم يتم التحضير لها بالشكل الكافي، خاصة في ظل المعلومات الإسرائيلية المتداولة عن الاستعداد لضربة استباقية تستهدف قدرات الحزب الدقيقة قبل أي مواجهة مع إيران.
القرار الحاسم بيد "الحليف"
بالمقابل، تنقل المصادر اللبنانية لـ "إرم نيوز" أن إيران على اطلاع وانخراط كامل بما يدور في أروقة حزب الله، بشأن الرد من عدمه، وهي التي دخلت مرحلة إعادة تقييم شاملة بعد التقارير الإسرائيلية التي تحدثت عن إمكانية توجيه ضربة محتملة لإيران نفسها خلال الفترة المقبلة.
وتكشف هذه المصادر أن الحرس الثوري الإيراني أبلغ قيادة الحزب بضرورة عدم الانجرار إلى مواجهة واسعة الآن، إلا إذا وصلت الاعتداءات الإسرائيلية إلى مستوى يهدد بنية الحزب الإستراتيجية.
القرار الإيراني يستند إلى ثلاثة معطيات، كما تقول المصادر، أولها أن إيران تسابق الوقت لإعادة بناء مخزونها الصاروخي الذي فقدته في جولة الـ12 من حزيران الماضي، وتحتاج إلى أشهر قليلة لاستكماله، وفق ما تسرب استخباريًّا.
وثانيًا، أي حرب على حزب الله الآن ستُضعف الجبهة الشمالية قبل المواجهة الكبرى التي تستعد لها طهران في الإقليم، وثالثًا، ترى إيران أن المرحلة الحالية تتطلب ضبط النفس التكتيكي لتجنب استنزاف قواعدها الإقليمية.
المصدر اللبناني وصف موقف طهران بالقول: إن "إيران لا تريد حربًا الآن، لكنها تريد حزب الله محتفظًا بالقدرة على خوض حرب أكبر لاحقًا". كما أن إيران تعتبر أن "المعركة الكبرى" لن تُحسم في لبنان بل في مسرح المواجهة بينها وبين إسرائيل، وبالتالي يجب الحفاظ على قدرات حزب الله كاملة حتى اللحظة التي يصبح فيها الرد محتومًا.
بين الضغط والمخاوف
رغم الانضباط المعروف لبيئة حزب الله، فإن المصادر التي تحدثت عن وجود توتر داخل القاعدة التنظيمية بسبب استمرار الهدنة من طرف واحد. بعض كوادر الحزب يعبّرون خلف الأبواب المغلقة عن خشيتهم من "تآكل هيبة الردع"، فيما يعتقد آخرون أن الرد المحدود سيريح البيئة المؤيدة للحزب ويخفف الاتهامات بالضعف.
في المقابل، يدرك الجناح السياسي داخل ميليشيا حزب الله أن الشارع اللبناني غير الموالي للحزب يرفض بشدة أي مواجهة عسكرية جديدة، وأن أي عملية رد واسعة قد تُستخدم من خصوم الحزب داخليًّا لاتهامه بجر البلاد إلى حرب كارثية.
مصادر "إرم نيوز" قالت إن الحزب أجرى خلال الشهرين الماضيين تقييمًا دقيقًا لمزاج الشارع اللبناني، وأشارت إلى أن هذا التقييم لعب دورًا محوريًّا في إقناع بعض القيادات بضرورة التروي.
"ما قبل الحرب ليس كما بعدها"
الباحث السياسي مازن بلال قال: إن إسرائيل تعتبر أن "الفرصة الإستراتيجية" لضرب قدرات حزب الله قد لا تتكرر خلال العامين المقبلين، خاصة مع الوتيرة المتسارعة لإعادة بناء المخزون الصاروخي الإيراني.
ومع ذلك، يرجّح بلال أن إسرائيل لا تريد حربًا طويلة الآن، بل تفكر في خيار "جولة قتال قصيرة" تستهدف مراكز القيادة ومنصات الإطلاق، على أن يُترك للحكومة اللبنانية هامش الضغط لتنفيذ خطة نزع السلاح.
ويقول بلال لـ "إرم نيوز" إن إسرائيل تعتقد أن "ضرب حزب الله أولًا سيعزل إيران ويجعلها أقل قدرة على الرد"، وفي ضوء ذلك، يتعامل الحزب مع كل خرق إسرائيلي باعتباره "امتحانًا لنقطة الاشتعال"، فيما تتعامل إيران مع كل رد محتمل باعتباره "امتحانًا للمعركة الكبرى".
نقاش "إستراتيجي"
تصف مصادر "إرم نيوز" المشهد داخل حزب الله اليوم، بأنه ليس صراعًا تقليديًّا بين "صقور" و"حمائم"، بل هو "نقاش إستراتيجي" يتجاوز حدود الجنوب اللبناني، ويرتبط مباشرة بمستقبل المواجهة بين إسرائيل وإيران، وبحسابات دقيقة تتعلق بمستوى الجهوزية، والتوقيت، وإدارة الصراع داخل محور إيران .
ومع أن القرار النهائي لم يُحسم بعد، تؤكد المصادر أن طهران تميل إلى ضبط النفس، وأن الحزب قد يتجه نحو تنفيذ ردود محدودة ومحسوبة جدًّا، لا تؤدي إلى حرب، ولا تترك الهجمات بلا رد. لكن الجميع يعرف أن الهدنة قد لا تصمد طويلًا، وأن الجولة المقبلة قد تبدأ بشرارة صغيرة، لكنها لن تنتهي إلا بشكل كبير.