المصدر: وكالة الأنباء المركزية
السبت 19 آب 2023 12:37:08
"هذا شأن داخلي" بهذه العبارة تجيب المرجعيات الدينية داخل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى عند سؤالها عن القرار الذي أصدرته هيئة التبليغ الديني وقضى بنزع الأهلية عن 15 من مشايخ الطائفة الشيعية، مما أثار جدلاً واسعاً، كونه يطاول بعض المشايخ الذين يتميزون بمواقف سياسية متباينة مع مواقف ثنائي حزب الله وحركة أمل، وأبرزهم الشيخ ياسر عودة.
عودة نزع عمامته في الأمس أمام عدسات الكاميرا مع تأكيده بأنه لن "يشلحها" بهذه البساطة لكنه أراد أن يؤكد لمن "أبلغ القرار " بأن لا شيء سيتغير فمواقفه ستبقى ذاتها . وعلى رغم المحاولات التي قام بها رئيس مجلس النواب نبيه بري لاحتواء أزمة "نزع الأهلية" بإبلاغه الشيخ عودة بأنه غير راضٍ عن القرار الصادر بحقه واتصاله بالمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى لإصلاح ما قاموا به إلا أن عودة رفض أن تكون التسوية على طريقة"أبو ملحم" وهو يطالب باعتذار علني من هيئة التبليغ وعلى هواء الشاشات وعبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي، ما يؤكد ان فتيل الإنفجار داخل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى لم ينطفئ ومرجح أن يشتعل كاشفا معه المستور مما يدور داخل هذا المجلس المرتهن لحزب الله بحسب الشيوخ الذين وردت أسماؤهم وعدد كبير من ابناء الطائفة المعتدلين.
في مضمون القرار الصادر عن هيئة التبليغ اتهامات صادمة. وبحسب البيان هم "غير مؤهلين للقيام بالإرشاد والتوجيه الديني والتصدي لسائر الشؤون الدينية والأحوال الشخصية المتعلقة بأبناء الطائفة الإسلامية الشيعية، إما للانحراف العقائدي وإما للانحراف السلوكي وإما للجهل بالمعارف الدينية وادعاء الانتماء للحوزة العلمية". لكن وبعد أقل من ساعة، أشار المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، في بيان، إلى أن "البيان الصادر عن هيئة التبليغ الديني لا يعبّر عن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ولم يطّلع عليه رئيس الهيئة العليا للتبليغ الديني نائب رئيس المجلس سماحة العلامة الشيخ علي الخطيب، بغض النظر عن مضمونه، واعتباره كأنه لم يصدر، وينبغي التذكير بعدم نشر أي بيان باسم المجلس الشيعي ما لم يكن موقعاً من رئاسة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى حصراً". فهل وقع الشرخ داخل المجلس وما هي خلفياته في هذه اللحظة الوطنية المثيرية؟
أول رد صادم جاء على لسان الشيخ محمد الحاج حسن المدرج بدوره على لائحة التبليغ ومما جاء فيه" من الواضح أن العلماء الأفاضل لهم موقف واضح من الأحداث قد لا يتناسب مع الموقف الذي يريده حزب الله لأنه يريد للشيعة كلهم أن يكونوا مطواعين في خندقه يؤيدون قراره. إذا الموضوع سياسي والتوقيت جاء في مرحلة حساسة ودقيقة وخطيرة جدا تستدعي موقفاً شيعياً وطنياً عربياً لا لبس فيه".
"روحوا لاحقونا وبلطوا البحر" قالها الشيخ حسن يقينا منه بأن البيان جاء"لإيهام الرأي العام بأنهم ليسوا مشايخ ولا معممين. ويضيف" لن نغير من موقفنا لا من خلال بيان وحتى لو ساقونا إلى السجن. لكن هذه المرة سنرد عليهم لا ببيان مقابل بيان ولا بكلمة مقابل كلمة بل بفضح مشاريعهم وما يخططون له وكل ما يستثمرونه بإسم الشيعة في لبنان ويستخدمون المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى مطية لتأمين موارد مالية استراتيجية لهذا الحزب الذي يسخركم لتنقضوا على العلماء ورجال الدين الذين يرفضونكم ويرفضون سمسراتكم. فسادكم وملفاتكم كبيرة وقد فتحتم النار على أنفسكم فتلقوا النتائج" يختم الحاج حسن.
سواء كان قرار التبليغ يحمل توقيع نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى أم لا إلا أنه بحسب الشيخ ياسر عودة يؤكد "أن الإقطاع الديني أسوأ بكثير من الإقطاع السياسي لأنه يحكم بإسم الدين". والمؤكد أيضا أن بيان التبليغ غير المسبوق يسري كالنار في الهشيم داخل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الذي كان حتى لحظة صدور البيان تحت الضوء وهذا طبيعي.
فالغرض من إنشائه كان وضع إطار لتنظيم شؤون الطائفة الشيعية من الناحية الدينية. وكان الغرض بأن يحظى باستقلالية عن الواقع السياسي وقد عمل الشيخ الراحل محمد مهدي شمس الدين على ترسيخ هذه الإستقلالية بحيث تكون هذه المؤسسة مالكة قرارها وسيادتها الذاتية في تدبير شؤون الطائفة.
بعد وفاة شمس الدين انقشعت حقائق بحسب ما تقول مصادر شيعية معتدلة لـ"المركزية" وبات المجلس مرتهنا أو أسيراً للقوى السياسية النافذة في الطائفة الشيعية بدليل أن بعد وفاة رئيس المجلس الشيخ عبد الأمير قبلان لم يُصر إلى انتخاب رئيس جديد مما يؤكد على عدم استقلاليته . وتختم المصادر" هناك معضلة حقيقية في أداء هذا المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وهذا يجعلنا نشكك دائما بأن أكثر القرارات ذات الصلة بالواقع العام قد لا تكون نابعة من المجلس إنما بإيحاءات سياسية من خارجه. أكثر من ذلك فإن قراراته مرتهنة لقوى سياسية، مما يدل على وجود تيارات واتجاهات متعددة داخل المجلس وكل تيار أو اتجاه محسوب على طرف سياسي معين".
قد تشرق الشمس غدا على تسوية ما لاحتواء ازمة التبليغ لـ 15 شخصا والمطالبة بنزع عمائمهم. لكن ثمة حقيقة لن تغيب عنها أية تسويات وإيحاءات خارجية وهي أن حزب الله يريد أن يسكت أي صوت يعلو على صوته حتى داخل طائفته. وإذا كان صوت الشيخ عودة قد أزعجهم هذه المرة وأرادوا إسكاته لكن الرد كان صادما بحجم قرار التبليغ إذ علت أصوات لم يدرك الحزب يوما أنها تصدح!.