قرصنة المطار... أداة خطيرة في الحرب الاسرائيلية على لبنان؟

كتبت سابين عويس في "النهار":


في انتظار ان تكشف الأجهزة الامنية الجهة المسؤولة عن القرصنة الإلكترونية التي شهدها مطار رفيق الحريريّ الدولي عبر تعطيل شاشات الرحلات وما تبعها من تعطيل لأحزمة الحقائب، وتحديد الأهداف من ورائها، وما إذا كانت عملية داخلية أم خارجية، فإن ما حصل في المطار والرسائل التي ظهرت على الشاشات وجرى التداول بها عبر مواقع التواصل والإعلام المحلي والخارجي، لا يمكن فصله في أي شكل عن مجرى المواجهة الحاصلة بين "حزب الله" وإسرائيل، بعدما بدا واضحاً من مضمون تلك الكتابات تحميل الحزب وايران مسؤولية الحرب، ومطالبتهما بعدم إقحام لبنان فيها، فضلاً عن توجيه الاتهام بإدخال السلاح عبر المطار.

لا يمكن الاستخفاف أبداً بما تعرّض له المطار، ولا يمكن التقليل من اهميته، عبر اعتباره عملية قرصنة بسيطة، أو عبر التخفيف من حجمه على الحرب الدائرة بين الحزب وإسرائيل، نظراً إلى المخاطر التي تنطوي عليها مثل هذه العملية والرسائل الفعلية التي وجّهتها. وهي لا تقتصر على الأبعاد الخارجية أو ما ترغب إسرائيل في إيصاله إلى اللبنانيين من خلال مطارهم الدولي، الموجود جغرافياً وسياسياً ضمن نطاق نفوذ الحزب، بل ايضاً وربما بدرجة لا تقل اهمية، الأبعاد الداخلية التي تعكس حجم الفجوة كما الاهمال الرسمي المتعمَّد في التعامل مع مصالح اللبنانيين وسلامتهم وسلامة المسافرين.

فالعملية أثارت مجموعة من الملاحظات التي تجدر الاشارة اليها والتعامل معها بجدية تامة منعاً لانزلاق المطار، ومعه لبنان واللبنانيون، إلى مطارح خطيرة جداً تهدد الامن والاستقرار وحتى السلم الأهلي.

فالخرق الإلكتروني الذي تعرضت له شاشات الرحلات لا يمكن وضعه إلا في اطار رسالة تحذير وجّهها المقرصنون إلى الدولة، كما إلى الحزب، حيال القدرة على الاختراق والوصول إلى كل شيء. كان جزء من هذه الرسالة وصل في شكل امني عبر الاستهداف المركزي في عملية اغتيال القيادي في حركة "حماس" صالح العاروري في عقر دار الحزب، وبعملية اتسمت بتقنية عالية. لا تختلف عملية استهداف المطار الكترونياً عن تلك العملية من حيث التقنية، علماً ان الخرق السيبراني كما حصل، وفي ظل عدم وجود اي حماية للنظام العامل في المطار، كما في أي مؤسسة أو ادارة رسمية اخرى، يشكل مزحة امام عملية اغتيال العاروري، ويمكن أي هاوٍ ان يقوم بها. ليست المرة الاولى التي يشهد فيها لبنان عملية قرصنة. ويجدر التذكير هنا بقضية الرئيسة السابقة لمكتب مكافحة جرائم المعلوماتية في قوى الامن الداخلي المقدم سوزان الحاج والمقرصن إيلي غبش، أو بالمقرصن خليل صحناوي الذي نجح عام 2018 في اختراق اكثر من مؤسسة مصرفية ورسمية حيث سجلت سرقة "داتا" الأحوال الشخصية في وزارة الداخلية، ما أتاح الوصول إلى الأجهزة الأمنية التابعة للوزارة، إضافة إلى قرصنة حركة المطار بعدما تم سحب "داتا" مديرية الطيران المدني فيه.

هذا التحذير يمكن اعتباره إنذارا مبكرا لما يمكن ان تذهب اليه أعمال القرصنة. فبالأمس كانت الشاشات وأحزمة الحقائب، ماذا لو استُهدفت اجهزة الطيران المدني مثلاً؟

لقد عرض وزير الاشغال العامة والنقل علي حمية في مؤتمر صحافي عقده امس ما يملك من معطيات، لم تكن مطمئنة وياللأسف، خصوصاً بعدما كشف ان استراتيجية الامن الإلكتروني التي اقرت عام 2018 لم تُستكمل بمراسيم تطبيقية، ما يعني ان لبنان مكشوف امنياً، وبمعرفة الاجهزة والسلطات السياسية والامنية. ولا يمكن موافقة حمية على ان الخرق لا علاقة له بالإهمال الإداري لأن الواقع يجافي هذا الكلام.

من الملاحظات التي يمكن تسجيلها ايضاً ان التعامل مع المطار لم يكن على اساس انه مؤسسة رسمية، بل باعتباره نقطة نفوذ لـ "حزب الله" ووسيلة آمنة لوصول السلاح اليه. وهذا الواقع من شأنه ان يهدد أمن المسافرين وربما يدفع شركات الطيران أو التأمين لاعادة النظر في تعاملها مع لبنان. ذلك ان العملية أظهرت من دون اي لبس عجز الدولة عن بسط سيطرتها على المطار، وحماية المسافرين. وقد يدفع هذا الوضع المطالبين بإنشاء مطار ثانٍ إلى رفع الصوت مجدداً والدفع نحو تحقيق هذا المطلب.

في انتظار كشف المقرصنين، ورغم النفي الذي اصدرته ما يسمى جماعة "جنود الرب"، فإن ذكر هذه المجموعة في الكتابات يعزز الاعتقاد ان من يقف وراءها يهدف في شكل واضح إلى تحميل جهة داخلية مسؤولية العملية، والدفع نحو مواجهة داخلية وربما فتنة بين الافرقاء اللبنانيين، سيما وانه ترددت معلومات غير مؤكدة عن اجهزة امنية تشير إلى تقنيات عالية جداً في الخرق، من الصعب توافرها ربما في أيدي جهات لبنانية
في أي حال، وأياً تكن الخلفيات لعملية القرصنة، فإنه لا يمكن استبعاد فرضية تورط إسرائيل فيها، وهذا يؤكد ضرورة ان تكون الدولة بكل اجهزتها مدعوة إلى تحرك جدي، لكشف من يقف وراءها واهدافها، والتعامل معها بجدية عبر تعزيز امكانات الأجهزة في مكافحة القرصنة وضمان الامن الإلكتروني، من دون ان يعني ذلك في الموازاة، الاخذ في الاعتبار الرسالة الاسرائيلية بأن لبنان مكشوف امنياً، والحرب ليست بالضرورة حربا عسكرية إذ يمكن خوضها الكترونياً، خصوصاً ان حربا كهذه ليست متكافئة في ظل ضعف الدولة وضعف إمكاناتها في المواجهة والحماية.