المصدر: نداء الوطن
الكاتب: حنين دياب
الجمعة 20 كانون الاول 2024 07:14:00
لم يكن في الحسبان أنه بين ليلة وضحاها سيتغير واقع المنظومة المالية في لبنان. تاريخ ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩ كان الحلقة المفصلية لاندلاع الثورة ضد الفساد المستشري بين القطاعات والتي أطاحت بحكومة الرئيس الأسبق سعد الحريري، بعدها انهارت الليرة اللبنانية بشكل كبير أمام الدولار الأميركي، ليستفيق اللبناني على واقع مرير، يوم أسود فقد فيه المواطن جنى عمره .
ودائع اللبنانيين علقت في المصارف، فُقدت السيولة، لكن في المقابل حافظت الليرة على شعارها المعهود "الليرة بألف خير". لا الليرة لم تكن بألف خير، خسر المواطنون "بشطبة قلم" ودائعهم ولم يكن ينوي أحد أن يصارحهم بما يجري و أين تبخرت أموالهم. قلق وإرباك رافق العديد من الموديعين والمدينين عما سيفعلونه بقروضهم وعلى أي سعر صرف ستُستكمل الملفات.
صراع طال بين المصارف من جهة والمودع من جهة أخرى، خصوصاً أنه لم يكن لدى المقترض حرية اختيار عملة الاقتراض لأسباب تتعلق بسياسة التسليف التي كانت تعتمدها المصارف آنذاك. شريحة كبيرة من اللبنانيين كانت تعتمد على القروض المصرفية لتسهيل حياتها، سواء كانت قروض سكنية أو تجارية. لكن المشكلة برزت مع توقف هذه المصارف عن إعطاء القروض للمواطنين نتيجة الفوضى المالية التي مرّ بها القطاع المصرفي الذي شكل على مر السنوات الركيزة الأساسية للإقتصاد بفعل شفافيته وثقة الموديعين كما شكل قطاعاً جاذباً للأجانب قبل العرب بعدما وجدوا فيه ملاذاً آمناً لأموالهم.
تبدل المشهد على وقع الانهيار الاقتصادي وفقدان الودائع بالليرة اللبنانية لقيمتها في السوق السوداء. وبعدما بات تملّك شقة سكنية حلم صعب المنال، لاحت في الأفق بارقة أمل، لا بل فرصة ذهبية من مصرف الإسكان بالحصول على قرض سكني مخصص لذوي الدخل المحدود والمتوسط يشمل جزءاً من سعر الشقة، ترميم منزل، أو حتى لتركيب ألواح شمسية.
هذا القرض بحسب المدير العام لمصرف الإسكان أنطوان حبيب هو ممول من قبل الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، يمتد على خمس سنوات وتبلغ قيمته ١٦٥ مليون دولار أميركي. وأكد حبيب أن الراغبين من ذوي الدخل المتوسط سيحصلون على ٥٠ ألف دولار، فيما ذوي الدخل المحدود سيحصلون على ٤٠ ألف دولار بتقسيط مريح لـ ٢٠ سنة مع فوائد ٦ في المئة. ولفت حبيب إلى ضرورة استيفاء بعض شروط للحصول على القرض أهمها، ألا تتجاوز مساحة الشقة المراد شراؤها ١٥٠ متراً مربعاً، وأن يكون صاحب الطلب لبنانيا وغير مستفيد من قرض مدعوم ولا يملك أرضاً في لبنان، وأن يؤمن نسبة 20 في المئة من قيمة الشراء وأن يتراوح راتبه الشهري بين 1200 و1500 دولار أميركي.
أما عن كيفية الحصول على القرض فأشار حبيب إلى ضرورة تقديم الطلب عبر الموقع الإلكتروني، لتجنب الضغوط السياسية والوساطة. وقد زار الموقع نحو 25 ألف شخص، وتمت تعبئة الطلب من قبل 6000 من دون إكمال المعاملات، أما عدد الذين قدموا طلبات كاملة فبلغ عددهم 3000 موزعين على الفروع الستة للمصرف، وقد تم فرز الطلبات المقدمة بين 2537 طلباً للشراء، 289 طلباً للبناء، 246 طلباً للتجديد بالدولار الأميركي و4 طلبات للتجديد بالليرة اللبنانية، أما العدد النهائي الذي استوفى الشروط كاملة وصل إلى حدود الألف. أضاف حبيب "إن طريقة التسديد ستكون بالدولار الأميركي لأن القرض معطى بالدولار لضمان حقوق المصرف والمودع".
هذه ليست المرة الأولى التي يُقرض فيها الصندوق العربي مصرف الإسكان، إذ لفت حبيب إلى أن المصرف كان قد حصل سابقاً على ثلاثة اعتمادات مدعومة من الصندوق العربي: 51 مليون دولار أميركي عام 1995، و110 ملايين دولار أميركي عام 2012، و165 مليون دولار قيمة القرض الحالي. وأعلن حبيب عن إمكانية لرفع القرض، إذ يُجري المصرف حالياً مناقشات مع "صندوق أبو ظبي للتنمية" و "صندوق الكويت للتنمية" للحصول على قروض أخرى تمكّن الفرد من الحصول على ١٠٠ ألف دولار بدلاً من ٥٠ ألف دولار .
قرض الصندوق سيعطى إلى لبنان على دفعات، الدفعة الأولى منه كانت بقيمة 16 مليون و400 ألف دولار، الدفعة الثانية بقيمة 16 مليون و200 ألف دولار، في انتظار أن تصل الدفعات المتبقية مطلع العام ٢٠٢٥. وكشف حبيب أنه بصدد العمل على إنشاء صندوق مموَّل من شركات التأمين بودائع مع فائدة لمنح القروض السكنية إلى محدودي الدخل. على أمل أن تسير بقية المصارف على خطى مصرف الاسكان، لأن مثل هذه القروض تساعد الشباب على البقاء في وطنهم بدلاً من الهجرة، بعدما يئسوا من أن تعيد الدولة حقوقهم وتفرج عن أموالهم المحتجزة في بلد منهوب وليس مفلساً.