المصدر: المدن
الكاتب: حسن فقيه
الثلاثاء 7 تشرين الأول 2025 01:04:33
عاد الزخم من جديد إلى جلسات الحكومة، التي ربما تكون واحدة من أكثر الحكومات تحمّلاً للملفات الحساسة في تاريخ البلاد، علماً أن عمرها قصير بسبب الانتخابات النيابية المرتقبة في أيار المقبل. فبعد مرور شهر على عرض الجيش اللبناني أمام الحكومة خطة حصرية للسلاح، وما رافق ذلك من جدل وأخذ ورد وانتصارات هنا وهناك، تمّت صياغة التقرير الأول الذي سلّط الضوء على سير العمل الميداني بالأرقام، مستعرضاً الصعوبات وما أنجزه الجيش حتى الآن.
هذا التقرير لم يكن الأول على جدول بنود الجلسة، ولكن بُدئ به مباشرة، بدلاً من البندين المتعلقين بصخرة الروشة وجمعية رسالات، واللذين أرجئا إلى الجلسة المقبلة تفادياً لأي توتر قبل الاستماع إلى تقرير قائد الجيش، العماد رودولف هيكل. وقد حملت الجلسة في طياتها عدداً من الملفات الحساسة، لكنها مرّت بسلاسة وبإخراج جيد. فما الذي كان وراء هذه التخريجة التي أفضت إلى تعليق عمل جمعية رسالات، والتأني في قرار حلها وسحب العلم والخبر منها؟ وماذا فصّل العماد هيكل في تقريره؟ وما هي الاتصالات السابقة للجلسة لتفادي التوتر المتصاعد بين رئيس الحكومة نواف سلام وحزب الله؟
اتصالات ومشاورات لتخفيف حدة الأزمة
كانت "المدن" قد تحدثت عن اتصالات ومشاورات أجراها وزيرا حزب الله في الحكومة، راكان ناصر الدين ومحمد حيدر، مع الرئيس نواف سلام، في محاولة للتخفيف من حدية الأزمة المتعلقة بإضاءة صخرة الروشة وما أعقبها من مواقف. واستمرت هذه الاتصالات بالرغم من غياب حيدر عن الجلسة بسبب السفر، إلا أن بطل التخريجة كان رئيس الجمهورية جوزاف عون.
فحسبما علمت "المدن"، طلب الرئيس عون من رئيس الحكومة التريث في قرار حل الجمعية وسحب العلم والخبر منها، واتخاذ قرار أقل حدّة منعاً لتعقيد الأجواء بشكل أكبر، من دون أن يكون ذلك انتقاصاً من قيمة قرارات رئيس الحكومة أو من القانون المرعي الإجراء. كما أخبر الرئيس عون الرئيس سلام عن نيته البدء بملف تقرير الجيش اللبناني المتعلق بحصر السلاح، إذ أن هذا الموضوع هو الأساس في البلاد ويفوق أهميةً المواضيع الأخرى. فما كان من سلام إلا أن أبدى تفهماً في الأمرين، فالهدف الأساس كان استمرار العمل الحكومي وعدم شل الحكومة أو اتخاذ أي قرار قد يؤدي على الأقل إلى انسحاب وزير الحزب من الجلسة. ويبدو أن سلام اقتنع حسب معلومات "المدن" بضرورة ألا يطغى أي أمر على ملف حصرية السلاح، وهو الامتحان الأكبر لحكومته.
وعليه بدأت الجلسة بخطابي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، تلاهما طلب الرئيس عون البدء بالاستماع إلى تقرير الجيش، وأبدى سلام أمام الوزراء ليونةً في الأمر. وبالفعل، بدأ العماد هيكل بالحديث عن مجريات الشهر الفائت وما حققه الجيش، خصوصاً في منطقة جنوب الليطاني.
تقرير الجيش: الإنجازات والتحديات الميدانية
بحسب معلومات "المدن"، تحدث هيكل عن الاستيلاء على عدد من أنفاق حزب الله في المنطقة والتعامل معها ومع الأسلحة بداخلها، مشيراً إلى تعاون كبير من قبل الحزب، وعدم تعرض الجيش لأي حادث يذكر، سواء من فئات تنظيمية أو شعبية. كما بيّن قائد الجيش صعوبة العمل في الأرض الوعرة في منطقة ما وراء الليطاني ، إضافة إلى العراقيل التي يتسبب بها العدو الإسرائيلي، والذي استهدف مرتين أماكن يعمل بها الجيش، مبيناً مدى خطورة هذا الأمر ودوره في عرقلة العمل. كما لفت إلى الحاجة الضرورية للعتيد والعتاد، لأن الجيش بات ينفذ في شهر واحد مهمات أكثر بضعفين مما كان ينفذه سابقاً. ولكن، بحسب هيكل، بدا أن من الممكن الانتهاء من العمل في المنطقة الأولى، أي جنوب النهر، بحلول نهاية العام كما رسمت الخطة. ومن الجنوب إلى الشمال، شرح هيكل كيف تسير العملية، خصوصاً فيما يتعلق بسلاح المنظمات الفلسطينية التي سيطر عليها الجيش اللبناني في المخيمات، من دون أن يتطرق إلى مسألة سلاح الحزب شمال النهر. وكما علمت "المدن"، إن قيادة الجيش لن تبدأ بنقاش هذه المرحلة إلا بعد التخلص من المرحلة الأولى، وذلك منعاً لاحتقان الأجواء وتوفيراً للهدوء داخل مجلس الوزراء، وهو ما حدث.
مرّ التقرير بسلام وسط تفهم وإشادة من الوزراء بالمهمات التي يقوم بها الجيش في أحلك الظروف وأكثرها حساسية. وبحسب ما علمت "المدن"، فإن تقرير الجيش اللبناني تطرق أيضاً إلى ما تم إنجازه على الحدود الشرقية بين لبنان وسوريا، من حيث انتشار الجيش والمراقبة على المعابر غير الشرعية.
ملف صخرة الروشة: الحل الوسط والحسم الحكومي
من ملف حصرية السلاح، انتقل النقاش إلى بنود جدول الأعمال، وأهمها بندا أحداث صخرة الروشة، التي وصل إليها النقاش أخيراً. وبدأ الحديث بشرح المخالفات التي وقعت والاستماع إلى الرأي القانوني بشأنها، والذي كان واضحاً لجهة إمكانية سحب العلم والخبر من الجمعية اللبنانية للفنون.
وبدا نتيجة التصويت القانوني أن الأكثرية تؤيد هذا الأمر، إلا أن رئيس الحكومة توصل إلى استنتاج آخر مفاده تعليق عمل الجمعية لحين انتهاء التحقيقات، وهو حل وسط وافق عليه جميع الوزراء باستثناء تحفظ الوزير راكان ناصر الدين، الذي قال: "فلننتظر نهاية التحقيقات، وبعدها يتم اتخاذ القرار"، لكن رئيس الحكومة كان واضحاً ومصراً على السير بالقرار، وهو ما حصل.
وكان وزير الداخلية قد أعلن أنه تم استدعاء الجمعية في مناسبتين لإعطائها حق الدفاع عن النفس، لكنها تغيبت، مما يعطي أحقية لأي إجراء قانوني بحقها، مؤكداً أن التحقيقات ستستمر في هذه المسألة للوصول إلى خواتيمها وفق ما تقتضيه القوانين والأنظمة. وفي هذا الإطار، تؤكد مصادر سياسية لـ"المدن" أن المواقف العالية من الطرفين قبل الجلسة، أي "رئاسة الحكومة وحزب الله"، أفضت لهذه النتيجة في هذه الجلسة، لكن الملف لم يُغلق، وهو رهن الاتصالات في الأيام المقبلة.
منع الالتباس الإعلامي والحفاظ على السرية
وكان لافتاً أيضاً، ومنعاً لأي التباس قد يقع فيه وزير الإعلام جراء أسئلة الصحفيين، عدم سماحه بطرح أي سؤال، متذرعاً بأنه تحدث بوضوح تام وليس هناك ما يمكن إضافته، فأنهى تلاوة المقررات وغادر على عجل، ذلك لأن كل الأسئلة كانت ستتركز حول ما ستصل إليه المشاورات بشأن جمعية رسالات، وأيضاً خطة الجيش، والتي تبقيها الحكومة في إطار السرية كما تقول.
ختام الجلسة: تجاوز المعوقات واستشراف المرحلة القادمة
إذاً، مرت جلسة السادس من أكتوبر المليئة بالملفات الحساسة بأمان، وتجاوز الرئيسان عون وسلام المعوقات بغية تأمين سير العمل الحكومي. فالمهمات القادمة صعبة وحساسة، وأبرزها ملف الانتخابات النيابية، الذي حسم أمره الرئيس عون بالقول: "إن كل الكلام عن نية للتأجيل عار من الصحة"، والإنتخابات في موعدها.
إضافة إلى ملف السلاح، الذي ما زال أمامه شهران للانتهاء من مرحلته المتفق عليها مع الحزب أي منطقة جنوب الليطاني، ثمة انتظار لكي تتضح مخططات إسرائيل ونياتها، وما إذا كانت ستستمر في احتلال نقاط في جنوب لبنان.
\وبذلك، تكون الحكومة قد تجاوزت مرة أخرى جلسة في غاية الحساسية بسلام. ولا بديل من ذلك، إذ مَن يتحمل في هذه المرحلة الحساسة أي شلل حكومي أو نزاع يؤدي إلى المقاطعة؟ فالطرفان المعنيان، أي الرئاسة الثالثة وحزب الله، يدركان أن لا مفر من استمرار عمل الحكومة، وضرورة معالجة الملفات وفق ما تقتضيه المرحلة.
وإلى أن يتم الانتهاء من مرحلة جنوب الليطاني، يبدو أن الأمور ستسير على ما يرام. وبعدها، وكما يقول المثل الشائع: "كل عقدة وإلها حلّال". فالأمور ليست سهلة، ولكن لكل مرحلة حساباتها، و"الضرورات تبيح المحظورات".