المصدر: وكالة الأنباء المركزية
الكاتب: نجوى ابي حيدر
الأربعاء 31 أيار 2023 16:43:32
في البيان الرئاسي الفرنسي الصادر عن الاليزية في اعقاب استقبال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة الراعي اشارة فرنسية مهمة، تكاد تفوق اهمية الاتفاق على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية من دون تأخير ومطالبة كل القوى بذلك، تتمثل بالتأكيد على "ضرورة بقاء مسيحيّي لبنان في قلب التوازن الطائفي والمؤسّسي للدولة اللبنانية" .
قبل الاليزيه، سمع بطريرك الموارنة كلاما مشابها في الفاتيكان الذي يحركه باستمرار هاجس ثبات المسيحيين في بلد الرسالة، بخاصة في الفترة الاخيرة مع ارتفاع موجات الهجرة بشكل جنوني، لا سيما في الاوساط الشبابية ما يرفع منسوب القلق من تفريغ لبنان من شبابه المسيحي وتغيّر موازين القوى فيه بفعل التغيير الديموغرافي، في ضوء بقاء النازحين من فلسطينيين وسوريين على ارضه. وهو بدوره أبدى تمسكاً بصيغة العيش المشترك بعيدا من منطق الفرض بفائض القوة الذي يدفع البعض الى المطالبة بالفدرلة والتقسيم والانعزال وضرب نموذج التعايش الفريد في المنطقة.
أبعد من رئاسة جمهورية وملء شغور انهى شهره السادس، خطر وجودي على لبنان الصيغة ككل، بحسب ما تقول اوساط سياسية مسيحية لـ"المركزية"، ينطلق من مخطط ممنهج لتفريغ المؤسسات الدستورية تباعا لمحاولة فرض مؤتمر تأسيسي يثّبت المكاسب "المسلوبة" بقوة السلاح دستورياً، ويكرسها في شكل نهائي. وتضيف ان عرقلة الثنائي انتخاب رئيس بتمسكه بمرشحه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، على رغم الاجماع المسيحي على رفضه، خلافا لما كان عليه واقع الحال ابان تبني ترشيح العماد ميشال عون الذي كان يرأس اكبر كتلة برلمانية، يعزز القناعة برغبته ابقاء الشغور الرئاسي ورقة ذهبية في يده يساوم بها على مكاسب سياسية "حرزانة".
من يراقب مواقف وممارسات الثنائي اخيرا، وتحديدا بعد اتفاق بكين الذي تروّج اوساط الحزب انه يصب في خانة مصالحه، مستندة الى مجمل التطورات التي اعقبته وتحديدا عودة سوريا الى الجامعة العربية من دون تقديم تنازلات، يلمس ان ثمة متغيرا طرأ. توتر وتراجع عن وعود ، انزعاج من اتفاق المعارضة والتيار وحملات على مرشحها الذي تصفه بمرشح التقاء المصالح لحرق فرنجية، اقفال ابواب المجلس ومصادرته منعا لعقد جلسة رئاسية، عراضات عسكرية تهويلية وزعت رسائل "مدفعية" في اكثر من اتجاه. مشهد يعكس محاولة دفع في اتجاه فرض امر واقع جديد تمهيدا لانقلاب ممنهج على النموذج اللبناني وفق معادلة مكاسب سياسية مكرّسة دستوريا مقابل انهاء الفراغ.
يخشى الحزب، وفق الاوساط، بنودا سرية ادرجت في اتفاق بكين او غيره من الاتفاقات التي تبرم في العلن او في السر في المنطقة المتجهة تدريجيا نحو تصفير المشاكل وفرض الاستقرار ، ذلك ان تعميم السلام بين دولها لا بدّ سيقطع كل اوراق الميليشيات والتنظيمات المسلحة الخارجة عن الاطر الشرعية بما فيها ، وفي شكل خاص، اذرع ايران العسكرية وحزب الله في صدارة القائمة. واقع يدركه ويتهيأ له الحزب فيصادر اوراق قوة ويجمع ما تيسر منها لتثبيت مكتسباته قبل حلول "اليوم الكبير" حينما تخرج البنود السرية من حبر الاوراق الى الترجمة العملية والتنفيذ الميداني، فإن تمكّن يعوّض خسارته العسكرية في السياسة والحقوق المثبّتة لطائفته بتغيير النظام من باب عقد مؤتمر تأسيسي، الغلبة فيه اليوم للحزب بقوة سلاحه واستضعاف المسيحيين. فهل ينجح مخططه ام يفشله وعي الفاتيكان ويقظة بعض القادة الحريصين على استمرار صيغة لبنان النموذج؟