المصدر: المدن
الكاتب: جنى الدهيبي
الجمعة 16 شباط 2024 12:01:49
على هامش اشتعال جبهة الجنوب مع إسرائيل، ووقوف لبنان على حافة الحرب، تستعر حركة الهجر غير النظامية على متن قوارب الموت، التي تحمل مهاجرين سوريين من شواطئ لبنان نحو أوروبا، ولا سيما قبرص.
وفي مراقبة لحركة القوارب النشطة، والتي تنطلق تحديدًا من شمال لبنان، يبدو أن عوامل الطقس وغرق القوارب وفقدانها، لم تشكل رادعًا لمئات السوريين الذين يقيمون في لبنان أو يتوافدون إليه، بغية الهرب بحرًا، بواسطة سماسرة وشبكات مهربين تستغلهم وتجني منهم عشرات آلاف الدولارات.
الرئيس القبرصي و"سوريا الآمنة"
قبل أيام، أعلنت قبرص أنها تتفاوض مع لبنان لإعادة 116 مهاجرًا سوريًا، جرى إنقاذهم قبالة سواحلها، بعد أن رفضت بيروت استعادتهم. وحسب معلومات "المدن"، فإن هؤلاء انطلقوا من شاطئ طرابلس شمالًا، قبل نحو أسبوع، ثم تعرض لعطل تقني في المحرك، وثمة من يقول بأنه تم إصلاح المركب، أو استدعاء القبطان لمركب آخر انتقل الركاب إليه.
ولكن، سرعان ما علمت السلطات القبرصية أن ثمة قاربًا آتياً من لبنان نحوها، أعلنت رفض استقباله. واستندت -وفق المحامي محمد صبلوح ورئيس مركز سيدار للدراسات القانونية- إلى اتفاقية موقعة بينها وبين لبنان، وتنص على تحمل لبنان مسؤولية إعادة استلام أي مركب لمهاجرين ينطلق من شواطئه. لكن حجة لبنان الرسمية، بأن هذا القارب لا يحمل لبنانيين، وتاليًا هو غير مسؤول عن السوريين الذين تمنحهم الدول الأوروبية حق اللجوء.
ولاحقًا، وبعدما عمل خفر السواحل القبرصي على إعادة المركب إلى لبنان، اضطر إلى استقبال ركابه مجددًا في أحد مخيمات قبرص، بعدما بقي المهاجرون ينتظرون نحو 48 ساعة في المياه.
وفي هذا الإطار، كان لافتًا ما صدر يوم الاثنين عن الرئيس القبرصي، نيكوس خريستودوليدس، الذي دعا لإعادة النقاش والنظر حول الأمن في سوريا، في دفع منه لإعلان سوريا آمنة. وقال الرئيس "إن قبرص تعمل مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لبدء مناقشة حول هذا الهدف، من أجل المساعدة في تخفيف الضغط الذي تتعرض له دول البحر الأبيض المتوسط التي تستقبل أكبر عدد من اللاجئين والمهاجرين".
واعتبر أن الاتحاد الأوروبي لن يخدم مصالحه، إذا لم يفكر في تخصيص بعض أجزاء سوريا كمناطق آمنة حتى يتمكن اللاجئون والمهاجرون من العودة إليها.
القارب المفقود
في هذا الوقت، دخلت قضية فقدان نحو 85 مهاجرًا سوريًا، على متن قارب انطلق يوم 12 كانون الأول 2023، أدراج الإهمال والنسيان، حيث لا تعمل أي جهة مسؤولة في قبرص أو تركيا أو لبنان، بشكل جاد، لحسم مصير هؤلاء.
وبات معلومًا أن هذا الغارق غرق، خصوصاً بعد توافر معطيات حول العثور على نحو 17 جثة بين طرطوس وشمال تركيا، كانت متحللة. في حين، يعيش ذوو هؤلاء المهاجرين المفقودين أيامًا عصيبة، بانتظار تحديد مصيرهم ومعرفة الرواية الكاملة لما حصل معهم. وتتجاهل مختلف السلطات الرسمية والمنظمات الدولية قضيتهم، مقابل تملص المهربين الذين نظموا هذه الرحلة بهم، من أي مسؤولية.
وفي هذا الإطار، يقول صبلوح لـ"المدن" بأنهم حاولوا طلب إجراء فحص DNA للأهالي، ومطابقتها مع الجثث المتحللة، لكن اللجنة الدولية في الصليب الأحمر ليس لديها فرع في تركيا، كما أن مفوضية اللاجئين -وفقه- لا تضغط بهذا الاتجاه.
وكان صبلوح قد لجأ إلى مدعي عام التمييز في لبنان غسان عويدات، الذي تنتهي ولايته بعد نحو أسبوع، وطلب منه السماح بإجراء فحوص "الدي. إن. إي" للأهالي، لكنه رفض، ولا يمكن القيام بهذه الخطوة في تركيا مثلًا، من دون مراسلة النيابة العامة التمييزية للجانب التركي.
وأمام كل هذه المآسي، تواصل شبكات التهريب بين لبنان وسوريا نشاطها من دون حسيب، ويقع آلاف السوريين في مصيدة وعودهم، غير مكترثين لمصير من فقدوا أو تم رفض استقبالهم في قبرص وغيرها، ومن دون أن يتحمل لبنان مسؤوليته الإنسانية والأمنية والدولية أيضًا.