قواعد الاشتباك توسّعت وتغيّرت أدواتها لكنّها لن تسقط

بقطع النظر عن إطلالة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، التي أعلن فيها موقف حزبه من الهجمات السيبرانية التي استهدفته في مناطق نفوذه وبيئته، بعد يومين من الصمت والذهول والتقييم للاستراتيجية العسكرية الجديدة للجيش الإسرائيلي، التي أدخلت سلاحاً جديداً على أرض المعركة، فإن هذه المواقف أعطت من دون شك إشارات ترسم خيارات الحزب وخريطة الطريق التي سيسلكها في ردّه على تلك الهجمات.

لا يملك نصرالله خيارات كثيرة أمامه، بعدما ضاق هامش المناورة لديه. فبقدر ما سعى إلى تجنب الانزلاق إلى حرب موسعة تستدرجه إليها إسرائيل، حاصراً عملياته ضمن قواعد اشتباك محددة، تحت شعار حرب الإسناد والمشاغلة التي أطلقها غداة اندلاع طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول الماضي، بات الوقت عامل ضغط على الحزب الذي فقد جزءاً مهماً من عناصر قوته السياسية قبل العسكرية، مع استهداف إسرائيل قيادات وكوادر حزبية عالية، ودخول المواجهات في حالة استنزاف طويلة، كما وصفتها أوساط الحزب أساساً.

الأكيد أن العودة إلى الوراء باتت مستحيلة، وأن وقفاً للنار في غزة من شأنه أن يعطي الفرصة للطرفين للنزول عن شجرة الانفجار الأكبر لا يبدو متاحاً الآن أو في وقت قريب، وقد عبّرت واشنطن بوضوح عن ذلك وهي التي تقود في شكل ضاغط وكثيف المفاوضات بين الجانب الإسرائيلي وحركة "حماس"، عندما أعلن وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن من القاهرة أول من أمس أن الجهود المتعثرة لتأمين وقف النار في غزة تحولت إلى مسألة إرادة سياسية، معرباً عن إحباطه من "الطبيعة المتعثرة للمحادثات"، ومستبعداً أن يكون الاتفاق والإفراج عن الأسرى أقرب إلى التنفيذ".

ويؤكد استمرار التصعيد وحدة الاشتباكات على الحدود بين الحزب والجيش الإسرائيلي أن الجانبين ليسا في وارد التوقف أو التقاط الأنفاس، مما يجعل البلاد مفتوحة على كل الاحتمالات، بما فيها الانزلاق إلى توسع الحرب، رغم كل التطمينات والمؤشرات والضغوط الدولية التي تقول عكس ذلك. لكن الأكيد أيضاً وفق المعطيات المتوافرة أن الحزب الذي سيرد حتماً في المقبل من الأيام وسيرفع حدّة خطابه في هذا المعنى، لن يخرج عن السقوف القائمة ولن يرضخ للاستدراج الإسرائيلي نحو توسيع الحرب.

وتعتقد مصادر سياسية أن رد الحزب على اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر قبل شهر تقريباً يعزز هذا المنحى ويؤكد أن لا نيّة لإشعال الحرب، خصوصاً بعدما دخل السلاح السيبراني عاملاً خطيراً في أي حرب مقبلة يحتاج فيها الحزب إلى شبكة اتصالات آمنة ومحميّة. يكفي التذكير بما رتبه قرار حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام ٢٠٠٨ في شأن شبكة اتصالات الحزب من ارتدادات أدّت إلى ضرب الحكومة واندلاع أحداث السابع من أيار التي أدت في ما أدت إليه إلى الذهاب إلى اتفاق الدوحة.

وإن كان رفع حدة الخطاب في الرد على مجازر غير مسبوقة، وضع الحزب على طريق اللاعودة، عاكساً الانطباع بأن المواجهة باتت من دون سقوف ومن دون حدود متجاوزة قواعد الاشتباك، فإن الواقع، على ما تقول المصادر، سيكون مخالفاً لهذا الانطباع، أقله من الجانب اللبناني، الذي سيبقى ملتزماً تلك السقوف، بعدما تجلى بوضوح أن لا مصلحة للحزب في التصعيد. كما أنه لا يمكن إغفال المعطى الفرنسي المستجد الذي عبّر عنه الرئيس إيمانويل ماكرون في اتصاله برئيس الحكومة نجيب ميقاتي، حيث كشفت مصادر ديبلوماسية لـ"النهار" أن ماكرون طلب إلى ميقاتي إبلاغ الحزب ضرورة التزام التهدئة وعدم التصعيد لسحب ورقة الاستغلال من يد إسرائيل العازمة على المضيّ في حربها على الحزب.

على خط موازٍ، كشفت المعلومات أن لبنان سيطلب اليوم خلال جلسة مجلس الأمن التي ستنعقد بعد الظهر بتوقيت بيروت بناءً على طلب الحكومة اللبنانية، إصدار موقف يدين إسرائيل في هجماتها السيبرانية الأخيرة. وكشفت المعلومات أن لبنان لمس تعاطفاً دولياً مع طلبه وأن الجو إيجابي، مشيرة إلى احتمالات كبيرة لصدور موقف الإدانة من دون فيتو أميركي، ولكن مع تسجيل تحفظ.

وتعوّل الحكومة على هذا الموقف وإن لم يكن في إطار قرار، لأنه يؤسس أو يمهّد الطريق أمام قرار بوقف إطلاق نار دائم في إطار التأكيد على تنفيذ القرار ١٧٠١ في فقرته الرابعة.

في الانتظار، يبقى القول إن الأسابيع القليلة المقبلة الفاصلة عن موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية ستكون حاسمة، بعدما منحت فيها واشنطن الضوء الأخير لإسرائيل لإكمال مهمتها!