قوانين حيوية للانقاذ تنتظر اللجان النيابية

من المفترض أن تَنكبّ اللجان النيابية، فور اكتمال عقدها، على أبرز الاستحقاقات المطلوبة منها لانتشال البلاد من حال «السقوط الحرّ» التي تمرّ بها، أوّلها إقرار الاجراءات الاولية التي حددها الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي والتي أصبحت قوانينها في عهدة مجلس النواب وتنتظر إقرارها للتمكن من السير قدماً ببرنامج صندوق النقد.

 

يُداهم الوقت لبنان، ليس من ناحية الانهيار المالي والاقتصادي والاجتماعي فحسب، بل لجهة بدء الإجازة الصيفية للمجلس التنفيذي لصندوق النقد السنوية اوائل شهر آب المقبل، مما يستوجب الحصول على موافقته النهائية على برنامج الإنقاذ مع لبنان قبل هذا الموعد.


وبالتالي، يجب على النواب ان يستأنفوا مناقشة تلك القوانين الشائكة، وهم على دراية واقتناع ان لا خلاص للبنان في المرحلة الحالية إلا عبر صندوق النقد الدولي، وذلك من خلال الاستغناء عن الخطابات الشعبوية والمحاولات السابقة لإطلاق الشعارات بهدف استقطاب المؤيدين، لأنّ الاستحقاقات التي يتعيّن عليهم اقرارها ستكون بلا شكّ «موجعة» في حق المواطنين والمودعين مهما حاولوا تعديلها وتجميلها او اعادة صياغتها. وبالتالي، كلّما سارعَ نواب الامّة الى الاتفاق على خطة النهوض كلّما زادوا فرص التعافي.


وبما ان النظام السياسي بانقساماته الطائفية يشكّل عقبة كبيرة أمام الإصلاحات الاقتصادية، وبما الانتخابات لم تحدث تغييرا هيكليا في هذا النظام، يبقى التعويل على امكانية تغيّر ذهنية الأحزاب السياسية في التعامل مع مستلزمات الاصلاح، لوضع الاقتصاد على طريق الانتعاش المستدام.


أول ملف ستبدأ به اللجان النيابية، خصوصا لجنة المال والموازنة، يتعلّق بالاجراءات الاولية المطلوبة للتوصل الى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، علماً ان تلك القوانين مترابطة ولا يمكن تجزئتها او الاختيار بينها، لأنها ضرورية لاعتماد سياسة ماكرو اقتصادية متناسقة وضَعها الصندوق وخطة الحكومة للنهوض على أساسها، وهي:


- إقرار مشروع قانون موازنة 2022 المُحال من قبل الحكومة منذ شباط الماضي. بعد ان رُفعت الاسعار في كافة القطاعات ولم يعد سعر الصرف الرسمي مُعتمداً سوى في دوائر قليلة من ادارات الدولة، ولم يعد من المحرّمات اعتماد سعر صرف السوق لجباية الضرائب والرسوم او غيرها من البنود التي كان يتخوّف النواب ان تشكل ضغطاً شعبيا او انفجارا اجتماعيا.

- إقرار قانون الكابيتال كونترول الذي لا يزال أمرا ملحّا وضروريا، ليس فقط لمنع خروج رؤوس الاموال من البلاد، بل للحفاظ أيضا على حجم الكتلة النقدية بالليرة والسيطرة عليها بهدف لجم التضخم.


- اقرار قانون إعادة هيكلة المصارف من أجل معالجة معضلة الخسائر داخل القطاع المالي.

- إقرار قانون تعديل السرية المصرفية الذي تقدمت به الحكومة في أواخر نيسان.

في هذا الاطار، اعتبر عضو لجنة المال والموازنة النائب آلان عون ان مجلس النواب لا يملك خيارا سوى استكمال البحث بالقوانين الاربعة المطلوبة كإجراءات اولية من قبل صندوق النقد الدولي وصولاً لإقرارها، مشيرا الى ان الانتخابات النيابية قد تكون محطة أخّرت الحسم بتلك القوانين، من جهة لأنّ الحملات الانتخابية استهلكت بعض النواب، ومن جهة اخرى لأن بعضهم خضع للشعبوية قبل الانتخابات، إلا انّ المطلوب اليوم هو الحسم والسير بخارطة الطريق التي وضعها صندوق النقد مع الاخذ بالاعتبار كيفية المعالجة والتعويض على المودعين ليس بالكلام فقط بل بالاجراءات.


وأوضح عون لـ»الجمهورية» انّ البحث لن يعود الى نقطة الصفر بل سيستكمل من حيث بَلغته الحكومة السابقة على ان يتم تعديل ما يجب تعديله، مع التشديد على ضرورة ان يبتعد النواب عن الشعبوية وان يتحمّلوا مسؤولياتهم تجاه المواطنين، لافتاً الى ان التأخير في المعالجة هو الذي كَبّد البلاد كلفة هائلة وهو الذي حمّل المواطنين الخسائر.


واعتبر أن على مجلس النواب العمل لإقرار تلك القوانين هذا الصيف بمعزل عن الصيغة التي تقرّ بها، لأن الخيار البديل هو كارثي على اللبنانيين والمودعين، خصوصا ان مجلس النواب قد يكون المؤسسة الاخيرة التي تملك القدرة على مواصلة العمل في مقابل عدم اليقين من امكانية سدّ الفراغ في السلطة التنفيذية وحتّى الرئاسية.


وفيما رأى عون انّ «الوقت يداهمنا وساعة الصفر دقّت»، اعتبر انّ «موقف بعض الكتل النيابية تطور واختلف بعد الانتخابات، وبالتالي نأمل ان يُترجم عملياً بعيداً من الشعبوية، لأن البلاد صامدة حاليا على أنابيب العناية الفائقة لما تبقّى من احتياطي في مصرف لبنان. وعندما ينضب هذا الاحتياطي، نكون على شفير الموت»، داعياً من يريد عرقلة اقرار تلك القوانين او عرقلة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، الى تقديم حلّ بديل لاستقطاب الدولارات غير النظريات الفارغة و»بَيع الحكي».


من جهته، اعتبر عضو لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم منيمنة ان الممارسة التي يقوم بها النواب التغييرون تَفرض ايقاعا مختلفا في جلسات المجلس وتحتّم السير في مسار جديد شفاف أكثر ويتمتع بالقدرة على التحكم بالنتائج رغم انه في المحصّلة تبقى الاكثرية للسلطة الحاكمة. وفيما يتعلّق بلجنة المال، اكد منيمنة لـ»الجمهورية» ان وجود نواب المعارضة سيساعد اكثر في نقل الصورة للخارج، خصوصا ان جلسات اللجان سرية ومغلقة. وبالتالي «سنعمل على نقل المعطيات المتداولة في اللجان الى المواطنين، مما سيحمّل النواب المشاركين في تلك الجلسات مسؤولية امام مؤيديهم، خصوصا ان المواضيع المطروحة تتعلّق بملفات مالية وبخطة تعافٍ ستؤثر على الاجيال القادمة».


واشار الى ان مواقف القوى التغييرية واضحة بالنسبة الى ما يتعلّق بخطة النهوض المالي، حيث ان هناك نقاطا ايجابية مرتبطة بتعديل قانون السرية المصرفية وغيرها، في مقابل وجود نقاط اخرى لا نؤيدها وسنقوم بمناقشتها في اللجان، منها كيفية توزيع المسؤوليات والخسائر، معتبراً ان هناك محاولات سياسية لتجنّب خوض النقاش في تراتبية الحقوق والمسؤوليات لتحميل الخسائر الى الجهات الاضعف، «وهو الامر الذي لن نقبل به وسنواجهه».