المصدر: المدن
الكاتب: هاني عضاضة
الأربعاء 4 كانون الاول 2024 14:49:45
هذا في الوقت الذي قدّر فيه وزير الاقتصاد والتجارة، أمين سلام، في اليوم التالي على وقف إطلاق النار، التكلفة الأولية لإعادة الإعمار على أنها تتراوح بين 20 و30 مليار دولار، 6 مليارات منها فقط لترميم وإعادة إعمار الأبنية السكنية والمؤسسات الخاصة. وحدّد سلام أولوية الحكومة اللبنانية باستعادة ثقة المجتمع الدولي، وبالتحديد الجهات القادرة على دعم إعادة الإعمار، من خلال الالتزام الدقيق بتنفيذ القرار 1701، كما أكّد على "تعامل حزب الله الإيجابي" في هذا الشأن.
وأكد وزير الأشغال العامة والنقل، علي حمية، من جهته، يوم إعلان وقف إطلاق النار أن الأولوية الآن هي لـ "تسهيل عودة ناسنا وأهلنا إلى قراهم. ونحن نعمل على فتح كل الطرقات داخل ضاحية بيروت الجنوبية، بالإضافة إلى ورشة لإعادة فتح المعابر الحدودية، وبالأخص معبر المصنع لتسهيل عودة اللبنانيين وتفعيل الحركة الاقتصادية". ثم عاد فصرّح منذ يومين بأن "كل الطرقات في لبنان أصبحت سالكة ونحن انطلقنا في مرحلة إعادة الإعمار منذ شهر وهذا الملف لا يمكن أن يتأخر."
أما رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، فأشار في مؤتمره الصحافي، الأربعاء الماضي، إلى أن الحكومة "ستنفّذ القرار 1701 بمندرجاته كافة"، وبأن "مسيرة الألف ميل لإعادة إعمار ما تهدّم واستكمال تعزيز دور المؤسسات الشرعية" قد بدأت."
لجنة الأشغال العامة النيابية
واقعياً "لم يصدر أي إعلان رسمي بالنسبة إلى إعادة الإعمار، ولا يزال هذا الموضوع مجرد فكرة قيد النقاش فقط" هذا ما أكده عضو لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه النائب ابراهيم منيمنة في حديثٍ خاص لـ"المدن"، وأضاف: "لا يمكن لإعادة الإعمار إلا أن يحصل بتمويل من الخارج لأن البلد منهار اقتصاديًا، ولا تملك الدولة اللبنانية القدرة لتحمّل مثل هذه الأعباء. أما النقاش الذي سيدور فهو يتمحور حول الإطار الذي سيستجلب فيه هذا الصندوق الأموال، وتحديد الآلية لتوزيع حصص الوزارات أو الجهات الأخرى المعنية، وبحسب المسار الحالي فإن الدولة ستكون المرجع الوحيد". وأشار إلى أن عملية تمويل إعادة الإعمار في لبنان، سواء من المؤسسات الدولية أو الدول العربية أو الصديقة أصبحت "مرهونة بتنفيذ القرار 1701 واستكمال تطبيقه".
في ما يتعلق بالحكومة اللبنانية، قال منيمنة: "لم يجر مسح كامل للأضرار لمعرفة حجمها ونوعيتها، ولم يصلنا إلى المجلس النيابي أي خطة حكومية بعد. هناك فقط تقييم أولي لعدد الوحدات السكنية وغير السكنية المدمرة والمتضررة، والحاجة الآن ملحة لتحديد الأولويات في عملية إعادة الإعمار ووضع خطة متكاملة ودراسة تقنية لكيفية التعامل مع المساحات المدمّرة، سواء لناحية إعادة إعمارها أو لناحية التعقيدات القانونية المتصلة بحقوق الملكية، وكيفية إيواء الذين فقدوا منازلهم، لذلك فإننا طلبنا من رئيس لجنة الأشغال العامة النيابية إقامة جلسة طارئة لنقاش هذا الموضوع".
قيودٌ دولية صارمة
تختلف نتائج حرب 2024 عن تلك التي شهدتها حرب 2006، على جميع المستويات، رغم محاولة "حزب الله" الترويج لعكس ذلك منذ اليوم الأول على إعلان الهدنة.
وكان الكاتب والصحافي قاسم قصير قد أشار في حديثٍ له إلى أنه هناك "عملٌ لتشكيل صندوق لبناني عربي إسلامي دولي لإعادة الإعمار". أما النائب حسن فضل الله فقال: "لدينا برنامج له علاقة بإعادة الإعمار، ولكن هذه مسؤولية مشتركة". في حين قال الأمين العام لـ "حزب الله" نعيم قاسم: "سنتابع مع أهلنا عملية الإعمار وإعادة البناء وفي هذه المرحلة الإيواء الكريم".
تشير الوقائع إلى أن القيود الدولية على تمويل لبنان اليوم ستكون قاسية، وفي حال تمكّن لبنان من الحصول على مبالغ مالية من الجهات الدولية والعربية، فإن تلك الأموال سوف تأتي بالقطارة حيث سيتم الإشراف على عملية إعادة الإعمار بشكل مباشر من قبل الجهات الداعمة بسبب الفساد المستشري في الأجهزة الرسمية والحزبية على حد سواء، إضافة إلى اشتراط تلك الجهات عدم صرف الأموال لإعادة ترميم البنية التحتية للحزب بشقيها العسكري والمدني.
وتتضاعف القيود الدولية أيضًا بسبب الانهيار الاقتصادي المستمر منذ عام 2019، وإدراج لبنان على اللائحة الرمادية وتزايد أخطار انتقاله إلى اللائحة السوداء. إضافة إلى استمرار الطبقة الحاكمة في التعامل بعدم جديّة مع الخطوات السياسية الملحة التي ينبغي اتخاذها بشكل فوري تنفيذًا لاتفاق وقف إطلاق النار، بدءًا من الإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية حيث حدّد رئيس المجلس النيابي نبيه بري موعد جلسة الانتخاب في 9 من كانون الثاني 2025، أي قبل حوالي أسبوعين فقط من انتهاء سريان اتفاق وقف إطلاق النار، وصولًا إلى التناقضات التي تشوب الخطاب السياسي لـ "حزب الله" في هذه المرحلة حيث لا يمكن تحديد طبيعة المسار السياسي الذي سيسلكه الحزب بوضوح.
الإيجابيات وانطلاق الورشات الصغيرة
وسط كل المؤشرات السيئة، هناك إيجابيات قليلة بدأت تلوح في الأفق، حيث أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن نيته العمل مع ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان لدعم الجيش اللبناني ماليًا وتجهيزه لوجستيًا، كما قال إن النقاش جارٍ مع بن سلمان حول إعادة الإعمار "لكن الأولوية للاستقرار ووقف إطلاق النار وعودة النازحين إلى قراهم في وضع آمن". في نفس السياق، أعلن السفير القطري الشيخ سعود بن عبد الرحمن آل ثاني في اجتماعه مع وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب عن نية قطر مساعدة لبنان في عملية إعادة الإعمار، من دون ذكر تفاصيل وأرقام. كما أعلن السفير الإيراني مجتبى أماني خلال جولة قام بها في الضاحية الجنوبية عن استمرار إيران في دعم لبنان "من أجل إزالة الدمار". وهذه هي الإعلانات الرسمية الوحيدة حتى الآن، لكن لا شيء ملموس على أرض الواقع بعد.
ومن جهة أخرى، انطلقت الورشات الصغيرة للتعويض على السكان وإعادة إعمار الأضرار الخفيفة، حيث رصد "حزب الله" مبلغًا من المال للانتهاء من ترميم تلك الأضرار في المرحلة الأولى، إضافة إلى صرف مبالغ "بدل إيواء" سنوية تراوحت بين 4000 دولار أميركي خارج بيروت والضاحية و6000 دولار أميركي في بيروت والضاحية، و"بدل فرش" تصل إلى 8000 دولار أميركي للتعويض على من تعرّضت منازلهم للتدمير الكلي. وقد أعلنت مؤسسة "جهاد البناء" عن استمرارها في "مسح وتوثيق الأبنية المدمرة كليًا أو التي تحتاج إلى هدم تمهيدًا لبدء إجراءات الإيواء وفق الآليات التي سيتم نشرها عبر إدارة الطوارئ"، وأن العمل جارٍ لتشكيل "لجان الكشف على الأضرار" حيث سيبدأ عملها ابتداءً من يوم الاثنين في الثاني من كانون الأول 2024 في أحياء الضاحية الجنوبية.
ومع ذلك، يتردد العديد من المتضررين في بدء أعمال الترميم بسبب مخاوف من عدم استرداد تكاليفهم من جهة، ومن انهيار اتفاق وقف إطلاق النار مع تصاعد الخروقات الإسرائيلية من جهة أخرى.