كأنَّ الحكومةَ نصرٌ إلهي

كتب جوزف الهاشم في الجمهورية: 

الشعبُ العظيمُ الذي كان يمتَطي الريحَ صعوداً إلى القِمَم... أصبح يتلاطمُ محطَّماً مع الريح...

والوطنُ العظيمُ الذي كان يتسلَّقُ مناكبَ التاريخ... أصبح يتدحرج نحو الزوال، وباتَ جديراً بالرثاء.

ومع هذا، ما زالوا يتقاتلون على شبح الحكومة كأنها انتصارٌ إلهيّ، ويجلسون على الكراسي المحنَّطة كمثل مَـنْ يجلس على قرن الثور، ومن أفواههم تتدفَّـقُ سفاهات البغايا كما تتدفَّـق المياه من أفواه التماثيل.

يقول مثلٌ إلماني في إشارةٍ إلى هتلر: «تدْفـعُ أمَّةٌ بكاملها ثمنَ عملٍ مجنون يقوم به رجلٌ واحد ...»

مثلما نحنُ... أمّةٌ تدفع بكاملها ثمنَ سلوكٍ مجنون كُرمى لشياطين وزارة الداخلية، والثلث المعطّل، والصلاحيات الدستورية والحقوق، وتسميّة الوزيرين المسيحيّين.

فيما، لو بقيَ هناك قانون ودستور، لمَا كان الذين يتحمَّلون المسؤوليات خارج الزنزانات، ولو بَقيتْ هناك حقوقٌ مسيحية لمَا كان المسيحيون يلجأون إلى مغارة اللصوص.

مَنْ يقصد رئيس المجلس النيابي نبيه بـري، عندما يقول في خطبة عيد التحرير: «مشكلتنا الحكومية هي مئة في المئة محض داخلية وشخصية...؟»

وهل يكشف نائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي ما هو أوضح، عندما يقول في جريدة «الشرق»: «إنَّ رئيس الجمهورية ميشال عـون ورئيس «التيار الوطني الحر»، هما المسؤولان عن عدم تشكيل الحكومة... ويذهب إلى ما هو أفضح بقوله: إنّ الرئيس عـون كان قد وافق على الإستقالة قبل أشهر من نهاية عهده تمهيداً لخلافة جبران...»

عندما تكون «المشكلة شخصية»، ويكون مصير لبنان معلّقاً على هـوَسٍ غريزيِّ بالسلطة، أو على معركةٍ بين رجلين من أهل الحكم، فالواجب يقضي كما المروءَة، بأنْ تُحسم المعركةُ طوعاً أو قسْراً بالمبارزة، على ما كان قديماً بين فرنسا وإسبانيا، إذْ عندما احتدمتِ الحروب بينهما إقترح شارل ملك إسبانيا على فرنسيس ملك فرنسا أنْ تقوم بينهما مبارزة بالسيف: رجلاً مقابل رجل حتى لا يستمرَّ سفكُ دماء الأبرياء.

حتى لا تكون المبارزة بين الحكم والشعب، لماذا مثلاً: لا يبادر رئيس الحكومة المكلّف إلى رَمْـيِ القفَّازات مبارزاً، بدل الكرِّ والفرِّ، وهو الذي ارتدى ثوب الفروسية في ردّهِ على الرسالة الرئاسية إلى مجلس النواب، وتجرّع قطراتٍ من حليب السباع على رغم من أنه لا يحبّ أسماء الأُسُوْد.

وفي عالم المبارزات، لا يصحّ توريث السيف، فحدُّ السيف مرتبطٌ بصلابة الزند، ولا يمكن جمع سيفين في غِمْدٍ واحد.

لاحظنا في الآونة الأخيرة أنّ هناك تشبّهاً بقولٍ لجبران خليل جبران، مع أنّ جبران «النبيّ» لم تكن تستهويه السلطة بل كان ثائراً عليها، وهو القائل: «أنا أعلم أنَّ شمسي لـنْ تُشرق إلاّ بعد المغيب».

وحتى جبران «المجنون» لم يتهوّر في إطلاق النار على الكواكب والنجوم من أجل كسوف الشمس وخسوف القمر.

ما دامت «مشكلتنا الحكومة محض شخصية»، ومصلحة الشخص المعظّم تتقدّم على مصلحة الوطن المحطّم.

فالحكومة أيُّ حكومة هي مغامرة في مستوى المستحيل.

ولا أمل إلاّ في الرحيل... نعمْ في التغيير...

والذين هوّلوا بالإستقالة، فليستقيلوا...

ولا عوَّضنا اللهُ عن هذه المصيبة الفادحة بأمثالهم.