"كاسحة ألغام" دبلوماسية أنقذت الهدنة "الملغومة" من الانهيار

... إلى «تنظيم» وَقْفِ النار دُر. هكذا بدا المشهدُ في لبنان أمس، غداة الاهتزازِ الخطير للاتفاق الذي يَدخل اليوم أسبوعه الثاني واضطرار «دول الرعاية» له إلى اعتمادِ «دبلوماسية الهاتف الأحمر» لإخماد التوتر الأعلى الذي أوشك أن يعيد الوضعَ إلى ما قبل 27 نوفمبر أو أقلّه إلى «أيام قتالية» مدجَّجة بكل فتائل «الحرب الشاملة».

ورغم أن لبنان «أَفْلت» ليل الاثنين من الاختبار الأقسى لوقف النار الذي تَرَنَّحَ بعد ردِّ «حزب الله» بقذيفتين داخل مزارع شبعا المحتلة على عشرات الخروق الاسرائيلية واندفاعِ تل أبيب نحو موجةِ غارات تركّزتْ في شكل أساسي على الجنوب وأدّت إلى 10 ضحايا وأوشكتْ أن تعود إلى بيروت لولا كبْح واشنطن وباريس لبنيامين نتنياهو، فإنّ ما حصل عَكَسَ أن «تعليقَ» الحرب على شروطٍ تَضَمَّنها الاتفاق وتتمحور حول وضعية «حزب الله» خارج الشرعية وتفكيكها «بدءاً من جنوب الليطاني» يؤشر إلى أن الأيام الـ 53 المتبقية من مهلة الـ 60 يوماً لإبعاد الحزب إلى شمال النهر وإطلاق مَسارٍ شاملٍ موازٍ يمْنعه من ترميم قدراته وبنيته العسكرية ستكون محكومةً بالكثير من الألغام، المزروعة أصلاً في الاتفاق و«ملحقه السري» (بين واشنطن وتل ابيب)، والتي من شأن «الدوس» على أحدها بخطأ كبير أو قرار كبير أن يعيد الأمور إلى ما قبل النقطة صفر.
ولم يكن عابراً أمس، أن يَخرج نتنياهو مكرّساً أنه يطبّق وقف النار مِن موقع «شرطي» الاتفاق و«الناظر» في مدى التزام الحزب ولبنان بمندرجاته، وكأنه يَسْري في اتجاهٍ واحدٍ، وسط رسْمه ووزير دفاعه يسرائيل كاتس خطّ هجومٍ يُنْذر بالأسوأ وحُمِّل رسالة مفادها «ولّى زمن» عودة تل ابيب الى «لعبة المعادلات» مع «حزب الله».

فرئيس الوزراء أكد «اننا ننفّذ وقف النار بقبضة من حديد ونتحرّك ضد أيّ انتهاك سواء كان بسيطاً أو جسيماً»، معلناً «نحن في حالة وقف نار مع حزب الله وليس نهاية الحرب، وملتزمون بإعادة سكان الشمال بأمان إلى بيوتهم».

في موازاة ذلك، هدّد كاتس بأنه «إذا انهارَ هذا الاتفاق برمّته وعدنا إلى الحرب فسنتحرك بقوة، وسنتعمّق أكثر، وأهمّ شيء يجب أن يعرفوه: أنه لن يكون هناك مزيد من الإعفاء لدولة لبنان. وإذا كنا فصلنا حتى الآن بين دولة لبنان وحزب الله، وبين بيروت وضاحيتها الجنوبية التي تلقّت ضربات قاسية جداً، فلن يبقى الوضع كذلك»، معتبراً «ان الاثنين كان الاختبار الأول لوقف النار (عندما أعلن»حزب الله«إطلاق قذيفتين صاروخيتين على مزارع شبعا) وكان رد فعلنا قوياً، وهذا بالضبط ما سنفعله، ولن نسمح لحزب الله بالعودة إلى الأساليب القديمة التي كان يستخدمها».

وحذّر الحكومة اللبنانية بالقول إن «عليها اتخاذ قرار يوعز للجيش اللبناني بفرض دوره، وإبعاد حزب الله عن الليطاني، وتفكيك كل بنيته التحتية والأسلحة... تحت الإشراف الأميركي».

ولم يكن مُمْكِناً فصْلُ هذا المنحى الاسرائيلي، الذي يُراد منه تظهير صورة «المنتصر»، عن التعاطي مع ردّ «حزب الله» الذي أسماه «أولياً ودفاعياً» - واتكأ فيه على «اعتراف» واشنطن وباريس بأن تل ابيب أمعنتْ في خرق الاتفاق - على أنه محاولة لـ«تفعيل» بند «الدفاع عن النفس» في الاتفاق، والذي تَعتبر اسرائيل أنه «مكرَّس لها وللدولة اللبنانية» وليس إلى الحزب، باعتبار أن وقف النار في كلّيته ومندرجاته يتمحور حول انتفاء دوره العسكري «بدءاً من جنوب الليطاني».

ولم تكتفِ اسرائيل أمس بالمضيّ في خروقَها على شكل غارات في أكثر من منطقة جنوباً (أدت الى سقوط شخص في شبعا)، وصولاً إلى استهداف أحد المعابر مع سورية المعروف باسم «جسر القصير» من اتجاه بلدة زيتا الحدودية، بل ذهبتْ إلى مطاردة «حزب الله» في دمشق عبر غارة أفيد بأنها أدت الى اغتيال سلمان جمعة، مسؤول ملف الحزب في الجيش السوري، مروراً بالسعي الى المزيد من تكريس وقائع على الأرض في الحافة الأمامية (في جنوب لبنان) حيث تتوغّل دباباتها في بعض البلدات، كما لم تتمكّن خلال الحرب.

وبإزاء ارتفاع مَخاطر انهيار وَقْفِ النار، بفعل ما اعتبره مسؤولون أميركيون «لعبة خطيرة يلعبها الاسرائيليون في الأيام الأخيرة»، وما عبّر عنه ردّ «حزب الله» من خشيةٍ من أن يكون لبنان الرسمي يَرْكن الى «تذاكٍ أو تَحايُل» باعتبار أن إشراك الحزب في «معادلة دفاعية - هجومية» وبمعزل عن الدولة يؤشر إلى أن «الأهداف العميقة» للاتفاق ما زالت بعيدة المنال وربما لم تدخل بعد «الوعي» اللبناني، لاحتْ إشاراتُ استعجالِ إكمال عقد لجنة الرقابة والإشرافِ على وقف النار تمهيداً لعقد أول اجتماعتها اليوم مبدئياً أو غداً، وسط رصدِ إذا كان عملها سيحتاج لِما يشبه «النظام الداخلي» لتحديد آلية التعاطي مع الشكاوى والمهلة الزمنية لمعالجتها (عبر الجيش اللبناني و«اليونيفيل»)، إلى جانب هل ستلتزم تل ابيب بهذا الإطار أم توغل في أخذ الأمور «بيدها» جنوب الليطاني وشماله تحت عنوان «التهديد الوشيك» أو في طور التشكُّل.

وفي وقت نقلت القناة 12 عن مسؤولين اسرائيليين «ان الضغوط الأميركية منعت إسرائيل من مهاجمة بيروت الاثنين»، وسط معلوماتٍ عن اتصالات أجريت من الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي بواشنطن وباريس لمحاولة احتواء الموقف والتحذير من تداعياتِ خروج الأمور عن السيطرة، تقاطعت المعلومات أمس عند أن فرنسا سمّت الجنرال غيوم بونشان عضواً في لجنة المراقبة، وأن الجيش اللبناني اختار قائد قطاع جنوب الليطاني العميد ادغار لاوندس، لتمثيل لبنان في اللجنة التي تضمّ أيضاً ضابطيْن من اسرائيل و«اليونيفيل» والجنرال الأميركي جاسبر جيفرز الذي يترأس «الخماسية» بالتشارك مع «رأسها المدني» الموفد آموس هوكشتاين.

وفيما برزت أمس مؤشراتٌ الى تكثيف الجيش اللبناني استعداداته لنشر 6 الاف جندي دفعة واحدة على امتداد الحدود، فينطلق بذلك مسار خروج «حزب الله» من جنوب الليطاني وانسحاب اسرائيل من المناطق التي تحتلها - عبر قوات على الأرض أو «بالنار» - أكد ميقاتي أمام زواره «أن الاتصالات الدبلوماسية مستمرة وتكثفت الاثنين لوقف الخروق الاسرائيلية لوقف النار والانسحاب من البلدات اللبنانية الحدودية».

وقال: «شددنا خلال هذه الاتصالات على اولوية استتباب الأوضاع لعودة النازحين الى بلداتهم وتوسعة انتشار الجيش في الجنوب».