كلود حنا غريب كذَّب شهادة وفاته.. وعاد حراً

"صدرت له شهادة وفاة، لكن عائلته لم تُصدّق أنّه مات، ظلّت أمّه مؤمنة أنّه على قيد الحياة، ولم نقم له جنازًا، وكنا عند الصلاة ندعو لفرجه، ولا نترحم عليه. ماتت أمّه على أمل لقائه وكذلك أباه وإخوته، وبلحظةٍ من لحظات التحرير، تبيّن أنّه قد يكون حيًّا، ولم يكن إيمان عائلته بحياته، إلّا إيماناً صادقاً قد تحقّق". بهذه الكلمات يختصر فادي خوري، ابن عمّ السّجين المُحرّر كلود حنا خوري، أربعون عامًا من الانتظار، أربعون عامًا من الإيمان الوجّل والمتذبذب بين الشكّ والأمل. أربعون عامًا من إجرام نظام الأسد الموغّل بالتعسف، أربعون عامًا من تخاذل السّلطات اللّبنانيّة الّتي صدّقت دعاية هذا النظام البائد، الذي ظلّ ينفي لسنوات أن بحوزته مئات المعتقلين والمُغيبين قسرًا من اللّبنانيين.

كلود حنا خوري، الجنديّ في الجيش اللّبنانيّ، الذي اختفى منذ أربعين عامًا، وظلّت صورته، هو الجندي الشاب مُعلّقة في البيت، وعالقةً في ذاكرة ذويه، عاد اليوم وهو كهلٌ نحيل سقيم، إلى من تبقى من عائلته، الذين يرجحون أنّه كلود نفسه بناءً على ما تبقى من ملامحه.

تحرير سجناء لبنانيين
الصور ومقاطع الفيديو والتسجيلات الصوتيّة الّتي يتمّ تناقلها عبر وسائل الإعلام والوسائط الاجتماعيّة، لمشهديّة تحرير آلاف المعتقلين السّوريين واللّبنانيين والفلسطينين من سجون نظام الأسد، البائد، عدا عن كونها مشهديةً ملحميّة لتجلي العدالة بصورتها الفاقعة، لم يكن أيٌّ من السّوريين أو اللّبنانيين أو حتّى الفلسطينين، يتخيل أن تتحقّق أمامه. فهي تكشف في المقابل أمرًا يتجاوز الغبطة بسقوط أعتى الديكتاتوريات وتحرّر الشعوب الّتي ترزح تحت وطأتها: تكشف تهشم الدعاية وانفراطها لدى تحرّر السّجناء، الّتي ما هي إلّا صفعة بوجه كل من صدّق الدعاية وروجّها.

ما بين يومي الجمعة والأحد (6 و8 من كانون الأوّل)، والشارع اللّبنانيّ، يترقب لما ستؤول إليه أحداث المشهد السّوريّ، وتحت حالة الترقب، تعيش مئات الأسر اللّبنانيّة بأملٍ حذر، لمعرفة مصير أبنائها المُشتبه بتغييبهم في السّجون السّوريّة منذ أربعين عامًا حتّى اللحظة، والذين جرى اختطافهم من مناطق لبنانيّة متفرقة وتحديدًا في الشمال والبقاع الشماليّ.

في بلدة دير الأحمر البقاعيّة، قُرعت أجراس الكنائس، بشارةً وفرحًا بإمكانيّة عودة أبنائها المُغيبين منذ عشرات السّنوات، وهم عشرة وقد حصلت "المدن" على أسمائهم من مصادرها في حزب القوّات اللّبنانيّة، الّتي تتابع اليوم ملف المعتقلين المُحرّرين وعن كثب، وهم كما يلي: حنا كيروز، مفيد حبشي، طوني القزح، توفيق سعادة، نبيه اسحاق، رياض جعجع، مسعود رحمة، إلياس خطار رحمة، جان كلود الخوري، طانوس شحادي رحمه.

من جهته، يقول رئيس اتحاد بلديات دير الأحمر، جان فخري، في حديثه إلى "المدن"، إنّه "حتى الآن، لا توجد أي معلومات مؤكدة. القائمة الحالية غير دقيقة، وهناك أسماء لأشخاص أعمارهم تتجاوز 120 عامًا، مما يشير إلى وجود أخطاء كبيرة فيها. حاليًا، لدينا اسم واحد فقط، وهو كلود حنا الخوري. ومع ذلك، حتى اسمه لم يتم تأكيده رسميًّا بعد".

أما في بلدة عرسال البقاعيّة، فتُشير نائب رئيس البلديّة السّابقة، ريما كرنبي، لـ"المدن" أنّه تأكد وصول شخصين وهما مروان نوح والذي كان معتقلًا لمدّة خمس سنوات في سجن عدرا، ومعه محمد عمر الفليطي الذي كان معتقلًا لأربع سنوات في نفس السّجن. وتقول كرنبي: "تمّ إلقاء القبض عليهم في المنطقة الحدوديّة المشتركة بين لبنان وسوريا، وتحديدًا في البساتين الّتي كانوا يعملون بها، تحت ذريعة التهريب"، وتُضيف: "لكن مروان ومحمد، ليسا وحدهما، بل كان هناك معتقلين منذ الثمانينيات، وهم أحد عشر شخصًا". مع الإشارة لتعذّر التواصل مع السجينين المُحرّرين، بناءً على رغبة أسرهم بالتكتم حاليًّا.

أما أبناء عرسال، والمُشتبه بتحريرهم من السّجون السّوريّة مؤخرًا، هم: محمد محمود السلطان، أيمن أحمد الاطرش، مأمون محمد الدده، محمد حسن الفليطي، محمد حسين بو فارس ديب الفليطي، عبد العلي محمد ديب الاطرش، عبد السلام هلال عزالدين، عبد الرحمن هلال عزالدين، خالد حسين، خليل عودة، شحادة ديب الفليطي. أما في وادي خالد، شمالي لبنان، فأُفيد عن تحرير السّجين، سامر دندل، بعد 12 عامًا من الاعتقال في سجن صيدنايا.

مصير السّجناء
في المقابل، تشرح مصادر "المدن" في هيئة تحرير الشام، ولدى سؤالها عن مصير المعتقلين المُحرّرين وعددهم بالمئات (راجع "المدن")، قالت "إنّ فصائل المعارضة حاليًّا تسعى لتنظيم أوضاع المساجين المُحرّرين، وتقوم عبر أشخاص بجدولة الأسماء، وإبلاغ ذويهم وتسيير عودتهم إلى لبنان، لكن هذا الأمر يتطلب تأنٍ خصوصًا أنّ هناك بعض المعتقلات السّريّة لم يتمّ فتحها بعد، وتسعى الفصائل لفتحها والإفراج عن المعتقلين فيها.

وتُضيف المصادر، أنّ الأشخاص الذين تمّ تسيير عودتهم إلى لبنان، فهم أولئك الذين لا يزالون بعافيتهم، خصوصًا أنّه جرى اعتقالهم في السّنوات القليلة الماضيّة، لكن هناك محررون في أوضاعٍ صحيّة متدهورة، وجرى نقلهم إلى المشافي القريبة من السّجون للعلاج، وسيتمّ التواصل مع ذويهم فور التأكد من هوياتهم. وسألت "المدن" مصادرها في الهئية، عن مصير أولئك الذين توفوا أثناء الاعتقال ومصير رفاتهم، فأكدّت أن هذه الأمور سيتمّ معالجتها تباعًا، خصوصًا أنّ الوضع لا يزال غير منضبط بالمطلق. وقالت المصادر، أن هناك المئات من اللّبنانيين والفلسطينين والجنسيات الأخرى، الّتي تمّ تحريرها، وسيتمّ تنظيم أوضاعهم، في الأيام القليلة المقبلة.