المصدر: نداء الوطن
الاثنين 30 تشرين الأول 2023 08:39:05
كيف تُعِد كليات الأعمال جيل القادة المقبل كي يستخدموا الذكاء الاصطناعي في قطاع الأعمال ويطبقوه بأقصى قدر من الفاعلية؟
احتلت التقنيات الجديدة والناشئة، بما فيها تعلم الآلة، حيزاً أكبر في قائمة مناهج التعليم في كليات الأعمال على مدى العقد الماضي. على سبيل المثال، أضحت تحليلات البيانات من ضمن أشهر الشهادات المتخصصة في كليات الأعمال اليوم.
إن الاهتمام الذي حازه الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهي التقنية التي تتيح للمستخدمين توليد نصوص أشبه بتلك التي يكتبها البشر وصور مقنعة بناءً على تلقين هذه التقنية تعليمات مختصرة، فتح باب المشكلات أمام الشركات، وذلك جزئياً بفضل طرح «تشات جي بي تي» والقلق الذي تبع إصداره بشأن ما يمكن لروبوت الدردشة المدفوع بالذكاء الاصطناعي أن يفعله.
قال كوستيس ماغلاراس، عميد كلية كولومبيا للأعمال: «مثّل (تشات جي بي تي) لحظة رأى الجميع ما يمكن تحقيقه. إن هذا يغير جذرياً ما علينا أن ننجزه في فصولنا».
تضيف كليات الأعمال بشكل متزايد محتوى عن الذكاء الاصطناعي إلى مناهجها لتعليم التقنية واستخداماتها في مجال الأعمال لطلابها. تقدم كلية كيلوغ للإدارة في جامعة نورث ويسترن ما تسميه برنامج ماجستير إدارة الأعمال الذي يركز على الذكاء الاصطناعي (MBAi)، وهو برنامج مشترك مع كلية «ماكورميك» للهندسة في الجامعة. يضم برنامج الماجستير في الإدارة الكمّية في كلية «فوكوا» للأعمال بجامعة «ديوك» مقررات تعليمية جديدة عن الطريقة التي تعمل بها نماذج الذكاء الاصطناعي.
كما يتناول منهج جديد في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، واسمه «الذكاء الاصطناعي في حياتنا: العلم السلوكي للتقنية الذاتية»، طرق تحسين عملية اتخاذ القرار على مستوى الإدارة باستخدام البيانات والخوارزميات. وباشرت كلية ستيرن للأعمال بجامعة نيويورك برنامجاً اسمه «الذكاء الاصطناعي التوليدي في ستيرن» (GenerativeAI@Stern) لتدريب الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والعاملين بالإدارة على أفضل الممارسات.
أهمية تدريس الذكاء الإصطناعي
قال برادلي ستاتس، العميد المشارك الأول للاستراتيجية والشؤون الأكاديمية في كلية كينان - فلاغلر للأعمال بجامعة كارولينا الشمالية: «علينا تدريس الأدوات الجديدة، بقدر ما على الأقل». أوضح ستاتس أن عدم تناول الذكاء الاصطناعي سيكون إخلالاً بالعملية التعليمية، خاصة في ضوء أن نصف أنشطة الأعمال اليوم قد يصبح مؤتمتاً بين 2030 و2060، وفقاً لتقرير حديث من شركة «ماكينزي» (McKinsey).
كان التدريب على الذكاء الاصطناعي التوليدي جزءاً من توجيه طلاب السنة الأولى في برنامج ماجستير إدارة الأعمال في كلية فلاغلر خلال آب. طورت الكلية تدريباً ومجموعة إرشادات للمدرسين، لكن الأساتذة لهم حرية تقدير حجم التقنية الجديدة الذي سيستخدمونه في فصولهم. التزم البعض بنهج أكثر تقليدية فيما تبنّى البعض الآخر التطورات بحماسة، إذ ركزوا بشكل رئيسي على روبوتات الدردشة وأدوات توليد الصور المدفوعة بالذكاء الاصطناعي في التدريس.
قال بول ألميدا، عميد كلية ماكدوناه لإدارة الأعمال في جامعة جورج تاون، إن الذكاء الاصطناعي له أوجه متعددة في سياق كليات الأعمال. وأضاف: «إلى جانب التفكير في طريقة عملنا بشكل أفضل في ضوء وجود الذكاء الاصطناعي، لدينا أيضاً مسؤولية لاكتشاف كيف يمكننا تعليمهم مهارات أفضل في ضوء وجود الذكاء الاصطناعي. إن الذكاء الاصطناعي موجود منذ فترة طويلة، لكن ما يختلف الآن هو مدى قابلية تطبيقه في سياق أنشطة الأعمال ومدى قابلية تطبيقه في سياقات مؤسسية».
محدوديات وفرص التقنية
بيّن دان وانغ، الأستاذ بكلية كولومبيا للأعمال، إن المقررات التعليمية عن الذكاء الاصطناعي اليوم ينبغي أن تتناول محدوديات التقنية وفرصها. قال: «الهدف في الواقع ليس الترويج أو الدعاية لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، بل للطلاب كي يروا ويجربوا ويستوعبوا المنافع والمحدوديات (أيضاً) وهذا مهم أيضاً». يدرّس وانغ منهجاً أساسياً في برنامج ماجستير إدارة الأعمال على صياغة الاستراتيحيات ومنهجاً آخر غير أساسي يستكشف كيف تُشكّل الابتكارات التقنية القرارات. بجانب قراءة دراسات حالة عن الشركات التي حققت نجاحاً في استخدام الذكاء الاصطناعي، على الطلاب أنفسهم استخدامه في بعض واجباتهم. يطلب وانغ من طلابه أن يتحدثوا مع روبوت دردشة يعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي عن دراسة حالة تتعلق بالاستراتيجية. وفي دراسة حالة أخرى، على الطلاب أن يستخدموا الذكاء الاصطناعي لتحليل مجموعة مواد بحثية وبيانات بسرعة بغرض وضع خطة عمل.
تدريس لغة جديدة
تدريس الذكاء الاصطناعي أشبه بتدريس لغة جديدة في بعض النواحي. سينبغي عل خريجي برامج ماجستير إدارة الأعمال أن يكيفوا التقنية مع عالم الأعمال فعلياً، وسيتطلب ذلك قدراً أكبر من الاطلاع على عمل مهندسي البرمجة وتطوير بعض القدرات في البرمجة وتحليل البيانات.
في كلية كولومبيا للأعمال، كان أكثر من ثلث الطلاب في برامج ماجستير إدارة الأعمال الذين يحضرون بدوام كامل قد درسوا منهجاً عن لغة «بايثون» للبرمجة (طُرح للمرة الأولى في 2016) بحلول فصل ربيع 2023 الدراسي، وذلك لتعليم قادة قطاع الأعمال المستقبليين هؤلاء مفردات البرمجة وآلياتها.
قالت إميلي ديجو، الأستاذة بكلية تيبر للأعمال في جامعة كارنيغي ميلون: «هناك حالياً عديد من الرؤساء التنفيذيين الأكبر سناً ممن يعتقدون أن هذا الأمر جديد ومخيف... بل إنهم ليسوا متأكدين حقاً بشأن طريقة استخدامه. التوقعات مبهمة إلى حد ما على أفضل تقدير بين العاملين في مراكز أدنى. سيكون هناك قادة ينقلون التوقعات والمستهدفات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي مثلما ينقلون التوقعات والمستهدفات المتعلقة بأي أمر آخر، وهذا ما سيميزهم عن سواهم».
هيكلة أنشطة الأعمال
سيكون الذكاء الاصطناعي أيضاً عنصراً في كيفية هيكلة أنشطة الأعمال وفي طريقة عملها. مؤسسياً، سينمو الذكاء الاصطناعي ليصبح جزءاً من التواصل اليومي، من رسائل البريد الإلكتروني والمذكرات والتقارير والنسخ التسويقية إلى تطوير المنتج وحتى التصميم وهندسة البرمجيات وعمليات أخرى. سيكون استيعاب هذا الأمر أيضاً في أهمية إتقان مخاطبة الجمهور وتعلّم كيفية قيادة فريق بالنسبة للمسؤولين التنفيذيين المستقبليين.
تساءل إيثان موليك، الأستاذ بكلية وارتون للأعمال: «كيف تؤسس ثقافة شركة تتعايش مع ذلك؟»، موضحاً أن هذا سؤال رئيسي لدى القياديين.
عامل الثقة
وفقاً لموليك، فإن الثقة عامل رئيسي في الطريقة التي سيُستخدم بها الذكاء الاصطناعي التوليدي والطريقة التي سيقبله بها الناس. أوضح موليك أن التقنية ستؤدي لتحسين الأداء في بعض الوظائف، لكن إذا شعر الموظفون بالقلق من أنهم سيُنظر إليهم على أنهم أقل أهمية إن استطاعوا أن يجدوا طرقاً للتخلص من بعض المهام، مثل كتابة التقارير أو تحضير العروض التقديمية، فلن يميلوا بالقدر نفسه لأن يُبرزوا بصدق الطرق التي تكون بها التقنية أشد منفعةً.
خطر الأتمتة
المخاطر كبيرة بالنسبة لقادة المستقبل، إذ يواجه أصحاب الوظائف المكتبية خطر الأتمتة للمرة الأولى، وتواجه الجهات التنظيمية الحكومية حول العالم مشكلات في مجاراة الوضع. يتوقع ما يقرب من 75% من كبار مسؤولي الموارد البشرية في شركات «فورتشن 500» أن الذكاء الاصطناعي سيحل محل بعض الوظائف في شركاتهم على مدى السنوات الثلاث المقبلة، وفقاً لاستطلاع حديث أجرته شركة «غالوب» (Gallup) للاستبيانات.
قال آرفيند كريشنا، الرئيس التنفيذي لـ»إنترناشونال بيزنس ماشينز»، في مايو إن الشركة تتوقع أن تجمد إشغال نحو ثمانية آلاف وظيفة يمكن إحلال الذكاء الاصطناعي محلها خلال السنوات المقبلة. سواء إذا كان مسؤولون تنفيذيون آخرون سيتجهون لتقليل أعداد الموظفين أو إعادة تدريبهم على أعمال جديدة، فتلك مسألة سيكون لها تداعيات واسعة النطاق.
على خلفية ذلك، قد تلعب كليات الأعمال دوراً متزايد الأهمية في تفكير المسؤولين التنفيذيين المستقبليين بشأن تداعيات تبنّي الذكاء الاصطناعي.
قال وانغ، الذي يدرّس بكلية كولومبيا للأعمال: «لا أعتقد أنني أثير الجدل فعلاً إن قلت إن كليات الأعمال تلعب دوراً ضخماً في تشكيل تفكير ومنطق الطلاب، وفي مساعدتهم على التفكير في أي من الأطراف لهم أهمية... لأن هذه هي طريقة تفكيرهم في الأمر أيضاً. إنهم يتوقون للحصول على مساحة تتيح لهم خوض هذه النقاشات، وذلك لأنهم يعلمون أن بمجرد انضمامهم إلى قوة العمل وتوليهم مناصب قيادية في الإدارة العليا، فلن يكون ذلك المكان المناسب لذلك».