المصدر: Kataeb.org
الاثنين 18 كانون الثاني 2021 10:11:12
عشية يوم الجمعة في 15 كانون الثاني 2021 ، تقرأ كعادتك الحصيلة الإجمالية التي تعمّمها وزارة الصحة الفرنسية عن المصابين الجدد بكورونا والضحايا الذين فارقوا الحياة خلال 24 ساعة الأخيرة نتيجة تعرضهم للوباء الملعون وعددها في ذلك اليوم بلغ 636 شخصاً.
صحيح ان كل غائب عزيز على أحبائه وعليه الرحمة والاسى، الا ان لرقم ذلك المساء وقع شخصي أليم فيه حرقة وغصة لأنه يضم اسماً تعرفه ووجهاً بشوشاً وقريباً اعتدت على رؤيته لنحو اربعين عاماً وواكبته في حضوره المميز في غير مكان ورافقته في غير مناسبة.
كيف لا، وهو رفيق الغربة الأوروبية المتنقلة من ايطاليا الى المانيا وصولا الى محطته الثالثة والاخيرة في فرنسا، وهي معرفة سرعان ما تحولت الى صداقة فأخوة وعلاقة عائلية وطيدة.
ولكن بمعزل عن هذا الشعور الشخصي والعاطفي العميق، لا بد من التوقف عند السيرة المميزة للدكتور كميل طويل، وهو “المكتمل الصفات والكريم والواسع الخلق”.
تلك السيرة تختصر بـ”قصة حب ومسيرة عطاء” تجسدت في أوجه عدة:
الوجه الأول، الناشط السياسي: عاش الدكتور طويل قصة حب الى حد العشق بالحبيب الأول وبذل الكثير من أجله الا وهو الوطن الذي وصفه في قصيدة له “لبنان غرامي”، والتزم النضال والدفاع عن ديمومة كيانه والتشبث بمقوماته.
انخرط الدكتور طويل في صفوف “المقاومة اللبنانية” منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، وعمل من موقعه الاغترابي لارساء علاقاتها الخارجية وتوطيدها. وهو ينتمي الى ذلك الجيل الذي تمسكً بأسس المقاومة الحقيقية “وثالوثها المقدس: سيادة، حرية واستقلال”، ومبادئها الاصيلة وما فيها من “نقاوة وطنية وشفافية خلقية وقيم ايمانية، لا تزمت فيها ولا انغلاق بل انفتاح وتواصل وتشارك”.
حبه للبنان جعله يطلق اسمه على “المعهد” الذي اسسه في باريس ومن خلاله (معهد لبنان) نظم النشاطات الفكرية واجرى الاتصالات وأرسى العلاقات مع المراجع الرسمية والجهات الحزبية والجمعيات الأهلية من اجل خدمة “القضية اللبنانية” بكل ابعادها والصداقة الفرنسية – اللبنانية بكل جوانبها.
الوجه الثاني، الناشط الحزبي: مع وصول الشيخ سامي الجميل الى رئاسة حزب الكتائب اللبنانية وتقربه منه واقتناعه بخياراته، نفض الدكتور طويل الغبار عن بطاقته الحزبية واعاد احياء نشاطه الحزبي مشاركا في المؤتمرات والاتصالات، الى ان اقترح الجميل وباجماع اعضاء المكتب السياسي تعيين طويل نائبا ثالثا له في نهاية شهر تشرين الاول/ اكتوبر من العام الماضي. ولم ير كميل في هذه البادرة سوى دافعاً اضافياً نحو المزيد من تفعيل التزامه الوطني والمشاركة في العمل لتحقيق الطموحات التي كرس حياته لأجلها.
الوجه الثالث، الناشط الوطني: جاء تحرك 17 تشرين الاول/ أكتوبر 2019 فرأى فيه مناسبة وطنية لا تفوت من اجل وضع خبرته وعلاقاته واتصالاته في خدمة مسار التغيير الذي لطالما حلم به. فكان من مؤسسي واركان “التجمع اللبناني في فرنسا” منخرطاً في اطار “التحالف لدعم ثورة 17 تشرين” انطلاقا من قناعاته الوطنية الراسخة بان “لبنان وطن لجميع أبنائه على اختلاف انتماءاتهم الدينية والمناطقية وتوجهاتهم الفكرية والحزبية”.
خاطب الدكتور طويل اللبنانيين قائلاً بأنهم أمام خيارين لا ثالث لهما “لا بديل عن الثورة الا الثورة”، من أجل سلوك طريق الانتفاضة الشعبية السلمية الديمقراطية على الواقع الاليم والمأساوي وانقاذ البلاد من حال الانهيار وبناء لبنان الجديد الأصيل الذي حلم به منذ شبابه.
الوجه الرابع، الناشط الانساني: في المجال الطبي، فقد كان الدكتور طويل من ابرز اطباء الجالية اللبنانية في باريس، جاهزاً في الليل كما في النهار لتلبية كل نداء والاستجابة لكل طلب مساعدة او تقديم استشارة. والطابع الانساني هو الغالب بتحسسه مع شؤون كل محتاج وبمعالجته كل مريض بتفان وكتمان وبعيداً عن أي اعتبار.
وعلى خط مواز، نشط في سبيل توطيد جسر التواصل الطبي الفرنسي – اللبناني وتمتين التعاون الثنائي من خلال تفعيل النشاط بين الاطباء المنتشربن وزملائهم المقيمين وتقديم خبراتهم ومساعداتهم، فكان من مؤسسي واركان “الجمعية الطبية الفرنسية – اللبنانية” التي مضى على انشائها اكثر من ثلاثين عاما واصبح مؤتمرها السنوي في بيروت موعداً للتلاقي الفرنسي – اللبناني المميز.
الوجه الخامس، الناشط الاغترابي: منذ اللحظة الاولى لمغادرته لبنان للتحصيل العلمي ومن ثم للعمل المهني الطبي، كان الهم الاول للدكتور كميل المحافظة على الرابط القوي مع الوطن الأم. فنشط في اطار “الجامعة الثقافية في العالم” وكان من بين اركانها وجاهد من اجل تمتين الاواصر بين اللبنانيين المنتشرين وحثهم على تعزيز التواصل مع لبنان والعمل على خدمته في غير مجال واتجاه.
الوجه السادس، الناشط الثقافي والفني: أفرد الدكتور طويل، وهو المثقف المحب للحياة بشغف وصاحب الذوق الفني المرهف والحس الجمالي، مكانا خاصا لاهتماماته الثقافية والفنية. كيف لا، وشريكة عمره وحياته وحبيبته “أموريه” (كما كان يناديها بالايطالية تحبباً) ريما مقدسي التي شاركت الكبار من بلاسيدو دو مينغو الى خوسيه كاريراس في انشطة اوبرالية في مختلف المدن الاوروبية والاميركية وصولا الى بيروت وبيت الدين وبعلبك.
لعب الطبيب طويل دور “المايسترو” في التنظيم والادارة والاتصال من اجل المساهمة في انجاح نشاطاتها، كما كان المشجع الأول لغناء ريما بالعربية ذاهبا الى حد كتابة بعض نصوص أغنياتها باللغة الأم.
كذلك واكب النشاط الفني “لولي عهده” ابنه البير العازف المتمكن والفنان الصاعد الملهم كتابة وتلحينا واداء. وشاء القدر ان يطلق الشاب الموهوب اسطوانته الاولى “سابيانس” قبل ساعات من رحيل والده كتحية وداع وعرفان لأب حنون ومعطاء.
وما دام الحديث عن العائلة، فلا بد من ذكر الابنة كريس التي أكرمت والدها وافرحته بحفيدتين بدأ بتربيتهما الوطنية واصطحب احداهما على رغم صغر سنها الى تظاهرة لبنانية في العاصمة الفرنسية.
هكذا تعددت وجوه هذه الشخصية المميزة وطنياً وسياسياً وحزبياً وطبياً وفنياً وعائلياً وانسانياً، الا ان الطابع الجامع هو العطاء بمحبة لا محدودة والخدمة بحيوية لا تتعب وحركة لا تهدأ جعلته لا يتوقف عند اي تضحية ان في الوقت او الجهد او المال وصولا الى التضحية بصحته وذاته.
تبقى الكلمات الاخيرة للدكتور كميل طويل – المناضل اللبناني الوطني الحالم والانساني الأصيل – والتي كتبها (بعد انفجار مرفأ بيروت)، ايماناً بالمدينة التي احب وحيث نشأ وترعرع وهو ابن منطقة الرميل: “بيروت ستعودين الينا كما دوما.. فلا عاصمة تنير سواك.. انا منك بيروت ولك ولن اهوى سواك”.