كم كنّا على حق حين قاتلنا من أجل التحقيق الدولي والمحكمة

كتب علي حمادة في النهار:

على رغم كوننا نعتبر ان خطوة القاضي طارق البيطار محاولة لتحريك العدالة المعطلة في لبنان بفعل التواطؤ المخيف بين اركان الطاقم الحاكم وفروعهم الأمنية والقضائية لإغراق قضية تفجير مرفأ بيروت في رمال متحركة بحيث تضيع فيه المسؤوليات الحقيقية والعميقة، فإن الفوضى القضائية التي كانت في الأصل موجودة، أتت لتتظهر اكثر بجانب سلسلة مظاهر الفوضى الأخرى في البلاد مثل الفوضى المالية والمصرفية، والفوضى السياسية والمؤسساتية.

انها فوضى تتجلى بهذا الاشتباك القضائي الحاصل اليوم، لكنها في العمق جزء من العمل الدؤوب الذي قامت به مختلف قوى الطاقم الحاكم وفروعه في المؤسسات من اجل تذويب القضية، وانهاء الحديث عن تحقيق العدالة للبنان وبيروت ومئات الضحايا لسبب واحد وبسيط، وهو ان الطرف المسؤول قبل غيره عن التفجير معروف ومتحكم بالبلاد، ومعظم المسؤولين من كبيرهم الى صغيرهم من الذين تعاقبوا في المناصب الرسمية، مدنية كانت ام عسكرية ام امنية ام قضائية، كانوا على عِلم او متواطئين إما بسكوتهم وإما بمشاركتهم في التغطية على جريمة تكديس هذه الكمية المهولة من "نيترات الامونيوم" في قلب بيروت لأهداف متصلة بالحرب في سوريا.

لقد شابت محاولة القاضي البيطار تحريك هذه المياه الراكدة نقاط ضعف كثيرة على المستوى القانوني، لكن هذا لا يمنع ان يدرك اللبنانيون ان من يقاتلون اليوم البيطار هم بمعظمهم المسؤولون او مندوبو المسؤولين الحقيقيين عن هذه الجريمة داخل المؤسسات. وبالنسبة الى الرأي العام اللبناني المعني بهذه الجريمة الكبرى ليس مهما ان تكون لحركة البيطار نقاط ضعف او ثغرات يمكن لقاضٍ آخر غاضب منه ان يتسلل عبرها لتوجيه ضربة كبيرة الى مبدأ العدالة نفسها. المهم ان المواطن اللبناني المعني بالجريمة ونتائجها الكارثية يعرف في قرارة نفسه مَن هي الجهة التي تقف وراء تكديس "نيترات الامونيوم" على مدى سبعة أعوام تحت نظر "العين الراضية" في جميع الأجهزة الأمنية والمرجعيات السياسية والوطنية والدستورية. انه يرى بكل وضوح من هي الجهات التي تتآمر على العدالة وإن بتلطّيها خلف نصوص قانونية.

الى اين يقودنا هذا الكلام؟ انه يعيدنا من الناحية العملية الى زمن المعركة الكبيرة التي خضناها غداة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري من اجل فرض التحقيق الدولي في الجريمة الإرهابية، ثم الى المعركة الكبيرة التي خيضت سياسيا ومؤسساتيا من اجل المحكمة ودفعت الجهة المتورطة الى اغتيال قيادات وطنية سيادية كبرى في محاولة لترهيب اللبنانيين. ان ما يحصل اليوم يؤكد لنا اننا كنا على حق عندما طالبنا بالتحقيق الدولي، ثم بالمحكمة الخاصة بلبنان في لاهاي، التي توصلت بكل وضوح الى الكشف عن الجهة التي اغتالت رفيق الحريري، أي الى "حزب الله"، وهو نفسه الجهة التي تخوض اليوم معركة كسر العدالة اللبنانية في قضية المرفأ. ومن المؤسف ان يكون لـ"حزب الله" وشركائه المباشرين في التركيبة السياسية والأمنية في البلاد هذا الكمّ من المتواطئين من كل الاطياف في احشاء الدولة العميقة في لبنان.

استنتاجا، ان لبنان في ظل الوصاية الايرانية التي تهيمن عليه لا يمكن الرهان على قيامته. لذلك نقول ان البلاد تسير نحو الفوضى الشاملة على نسق الدول الفاشلة التي لا يربط أهلها سوى شبكة مصالح مافيوية لا أفق وطنيا لها.