المصدر: نداء الوطن
الجمعة 5 أيار 2023 06:47:57
كتب رمال جوني في نداء الوطن:
مشاعات الدولة إلى الواجهة مجدّداً، وقد شكّلت الفوضى القائمة فرصة لوضع اليد عليها. فالتعدّيات طاولت كل القرى، وإن تركّزت في نسبتها الأكبر في قرى الزهراني، حيث نسبة مشاعات الدولة كبيرة، توازي تقريباً مساحة الأراضي المملوكة، وتقع في مناطق إستراتيجية، جزء كبير منها محاذ للطريق العام، ما جعلها محطّ أنظار الطامعين فيها.
بلغت نسبة التعدّيات في كل قرية تقريباً 50 منزلاً ومحلاً، وهي نسبة كبيرة مقارنة بهجمة التعدّيات التي شهدتها القرى عام 2010. غضّ نظر المخافر سهّل الأمر، بموافقة القوى السياسية وفق مصادر متابعة.
قضية المشاعات متشعّبة وهي ذات شقين: تعدّيات على المشاعات وهي تبقى ملك الدولة حتى لو شيّد المواطن منزلاً أو محلّاً أو شققاً سكنية للتجارة، إلا إذا صدر مرسوم جمهوري يسمح بالاستحصال على سندات ملكية لقاء مبالغ مالية تدفع. ووضع اليد على الأراضي غير الممسوحة وتحديداً في قرى الشريط الحدودي حيث نسبة وضع اليد كبيرة، وعدد كبير من القرى ما زال غير ممسوح أو قيد المسح، لذا من السهل وضع اليد على أي أرض بعلم وخبر من المختار.
عام 1964 شهد لبنان أول مسح للأراضي، ومنذ ذلك الحين لم يجر مسح شامل جديد. قبل عدّة سنوات، انطلق مسح جديد وتحديداً للقرى التي كانت محتلّة، في حين ما زالت قرى النبطية الفوقا وزوطر الغربية وغيرها قيد المسح.
في هذا الجانب، يصبح تملّك أراضي الدولة سهلاً، وذلك عبر حصول أي مواطن مدعوم على ورقة من المختار تفيد أنه يستثمر الأرض منذ 10 أعوام، تمكّنه من الحصول على سند تمليك. وفق المصادر فإنّ هذه العملية عادت بأرباح طائلة على المخاتير، ومختار شقرا السابق دخل السجن بسبب هذه القضية. وتبعاً للمصادر، فإنّ هناك مثلاً من اشترى عقاراً صغيراً محاذياً لمشاعات، ووضع يده على عشرات الدونمات، بتسهيل مباشر من المخاتير.
التعدّيات تشكّل حقيقة، وتحاول الدولة ضبطها ووقفها، وقد بدأت من أزمة مشاعات قرى الزهراني وتحديداً البيسارية، الصرفند، العاقبية حيث حركة البناء قوية. اذ خلال أسبوعين تمّ تشييد 30 منزلاً في كل قرية، إضافة إلى البناء على منازل مشيدة مسبقة.
وتشير المصادر إلى أنّ هناك من وضع عينه على عقارات محاذية لعقاره وينتظر الفرصة السانحة لوضع يده عليها. في قاقعية الصنوبر مثلاً تمّ بناء محال تجارية فخمة في المشاعات المحاذية للطريق، في اطار الاستثمار التجاري على مشاعات الدولة الواقعة عند خط حيوي يربط قاقعية الصنوبر بقرى النبطية ومن ناحية أخرى بقرى الزهراني. وقد تمّ تشييد بين 20 و30 منزلاً ومحلاً في المنطقة، وهو أمر تعيده المصادر إلى استغلال الفوضى، واستكمالاً لما حصل عام 2010 حين شهدت المنطقة هجمة مماثلة على المشاعات. معظم أعمال البناء تمّت ليلاً، ما رفع كلفة اليد العاملة وقد تجاوزت الـ40 دولاراً، معظمها سورية، وإرتفع بالمقابل سعر الرمل فلامس 1200 دولار فضلاً عن رفع سعر متر البناء من 30 إلى 50 دولاراً.
المسح الإجباري
أما الشق الثاني من التعدّيات فيتعلق بالمسح الإجباري، ووضع اليد، وتشهد قرى الشريط الحدودي وتحديداً حولا، رميش، الصوانة، عين ابل وغيرها أعلى نسبة تعدّيات، فالأراضي في هذه القرى غير ممسوحة عقارياً بعد، وتضاف إليها 60 بلدة ما زالت قيد المسح الإجباري.
مصدر متابع لهذا الملفّ أشار إلى أنّ «حجم التعدّيات يتجاوز 300 دونم في كل بلدة، ويزيد أو ينقص حسب حجم المشاعات، وعملية سلخ أراضي المشاع تتمّ عن طريق الضغط أو العلاقات مع المختار أو عن طريق الاستغلال».
ويشير المصدر إلى وجود «لجنة للمسح مؤلفة من متعهّد، مخاتير البلدة وأعضاء المجلس الاختياري، موظف من دائرة المساحة ومتعهّد مساحة، ويتم التحايل عن طريق الحصول على ورقة علم وخبر من المختار تفيد أن المتعدّي يستثمر الأرض زراعياً منذ عشر سنوات، ومعظم أراضي المشاع في تلك المنطقة جرداء وغير صالحة للزراعة أصلاً، ومع ذلك حصل المتعدّي على علم وخبر».
يضيف: «في زوطر الغربية وحدها يوجد تعدّ على أكثر من 200 دونم، وفي العادة يتم التعدي، إما مباشرة بوضع اليد من قبل المختار، أو بشراء مواطن عقاراً صغيراً محاذياً لعشرات الدونمات من المشاع، ووضع اليد عليها عن طريق التحايل». ووفقاً للمصدر «فإنّ المختار هو السلطان الأكبر في هذا الملف، وهناك من حقق ملايين الدولارات عبر هذه العملية».
ملفّ التعدّيات تتابعه الدولة عبر محامين تابعين لها، ويؤكّد المصدر أنّ النسبة الأكبر من التعدّيات وتحديداً في قرى قضاء بنت جبيل تمّت أيام الحرب، أما اليوم فهي متدنّية نسبياً، وتتم متابعة أي قضية بناء لشكوى أو إخبار من أي بلدية أو مختار وتحال الشكوى إلى وزارة المالية للمتابعة. ولكن نسبة الاخبارات ضئيلة وهو ما يدل على انخفاض حجم التعدّيات، فـ»الملك العام يبقى ملكاً عاماً ولو مرّ الزمن».
بالمحصّلة، التعديات قائمة، والملف قيد المتابعة، بانتظار ما ستحمله حملة وزارة الداخلية لقمع المخالفات.