كيف تلقفت المصارف قرارات عويدات الجديدة؟

كتب يوسف دياب في الشرق الاوسط: 

حدّد المدعي العام التمييزي في لبنان القاضي غسان عويدات الأطر القانونية للتحقيق مع المصارف، والسياق الذي تتحرك فيه الدعوى العامة ضدّها من دون المس بالمعلومات الشخصية العائدة للموظفين والمودعين، وبما يحول «دون تعريض أي شخص للتعسّف القانوني». وشدد على أهمية مراجعته في الجرائم الخطيرة. فيما طلب من المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون «وقف كافة التحقيقات التي تجريها مع المصارف إلى حين البتّ بدعاوى الردّ والمخاصمة المقامة بحقّها».

وتشكّل قرارات عويدات، حلّاً قضائياً للملاحقات التي تجريها القاضية عون بحق كبار المصارف اللبنانية، والتي أدخلت القطاع المصرفي بإضراب استغرق ثلاثة أسابيع، ويفترض أن تنهي الجدل المتعلّق بمذكرة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي التي كلّف بموجبها وزير الداخلية «الإيعاز إلى الأجهزة الأمنية بالامتناع عن تنفيذ المذكرات التي تصدرها القاضية عون بحق المصارف».

وفيما يضع المراقبون هذه الخطوة في سياق «تسوية سياسية - قضائية لهذا الملفّ الشائك»، أكد مصدر قضائي مطلع لـ«الشرق الأوسط»، أن إجراءات عويدات «تحمي القضاء من التدخلات السياسية، وتصوّب بوصلة الملاحقات التي خرجت في أحيان كثيرة عن طابعها القانوني، وتبيان ما إذا كانت المصارف ارتكبت الجرائم المدعى عليها بها، وهي تبييض الأموال والاختلاس في أموال المودعين». وقال إن هذه القرارات «ستقود إلى انتظام العمل القضائي، وهذا لا يعني أنها أوقفت التحقيقات بملف المصارف بل وضعتها في سياقات قانونية، وتحت رقابة وإشراف النيابة التمييزية، خصوصاً عندما يتناول الادعاء جرائم خطيرة، من شأنها أن تضرب الثقة بالقطاع المصرفي وتعرضه للخطر».

ووجّه عويدات كتاباً إلى القاضية غادة عون، جاء فيه «بما أنكم تقومون بالتحقيقات الأولية مع عدد من المصارف اللبنانية، وبما أن ذلك يعد عملاً بأحكام الفقرة الثالثة من المادة 751 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، التي تنص على أنه لا يجوز للقاضي المنسوب إليه الدعوى الناشئة عن مداعاة الدولة عن أعمال القضاة، ومنذ تقديم استحضارها أن يقوم (القاضي) بأي عمل من أعمال وظيفته يتعلق بالمدعي مقدم المراجعة»، أوضح أنه «لا يشترط إبلاغ القاضي الصادر عنه القرار المشكو منه (في إشارة إلى رفض القاضية عون تبلغ الدعاوى المقامة ضدها)، بل يكتفى فقط بتقديم استحضار الدعوى ليتوقف القاضي عن النظر بأي دعوى تتعلق بالمدعي في قضية مداعاة الدولة الناشئة عن أعمال القضاة». وخلص في كتابه إلى القاضية عون «نطلب إليكم وقف إجراءاتكم التحقيقية والاستقصائية مؤقتاً، إلى حين البتّ بالقضايا المثارة بحقكم».

وعكس هذا القرار ارتياحاً نسبياً لدى المصارف، التي تطالب بحلّ قانوني يوقف القاضية عون عن إجراءاتها، ورأى محامي جمعية المصارف أكرم عازوري أن القاضي عويدات «مارس صلاحياته في تطبيق القانون، بوصفه الرئيس الأعلى للنيابات العامة في لبنان». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «منذ البداية كنّا نطالب السلطة القضائية بتصحيح الخلل الذي يعتري القرارات التعسفية التي تطال المصارف، والآن نجد أن المرفق القضائي قام بواجبه، من هنا بات كتاب الرئيس ميقاتي الموجه إلى الضابطة العدلية من دون موضوع». وعمّا إذا كانت قرارات عويدات تحقق مطلب المصارف وتوقف الإضراب نهائياً، أوضح المحامي عازوري أن «الجمعية العمومية للمصارف ستجتمع يوم الجمعة، وسأبلغها بالجهود التي بذلتها السلطة القضائية لمعالجة الأزمة الناشئة عن الملاحقات، على أن تتخذ القرارات المناسبة».

وتصحيحاً لتحريك أي ملاحقات بحق المصارف لاحقاً، طلب القاضي عويدات من النيابات العامة في كلّ المحافظات اللبنانية، بما فيها النيابة العامة المالية والنيابة العامة العسكرية «الامتناع عن طلب أي معلومة مصرفية لا تتعلق بالدعاوى العائدة لجرائم الفساد ومكافحة تبييض الأموال». وشدد على «تحديد هوية الأشخاص المعنيين بالطلب، بشكل لا يثير أي التباس حول تشابه الأسماء، وكذلك تحديد المعلومات المطلوبة، سواء كانت (نفدات حسابية) ومعلومات تتعلق بمستندات رسمية أخرى، وتضمين هذه الطلبات موجزاً للأفعال والأدلة التي جمعتها السلطة القضائية، وأدت إلى وجود شبهة تستوجب استكمالها بالمعلومات المطلوبة».

ودعا عويدات النيابات العامة إلى «الامتناع عن طلب معلومات من المصارف لها صفة العمومية وغير متعلقة بوقائع مادية محددة، وعدم طلب أي معلومات تعرض أي شخص على نحو تعسفي أو غير قانوني للتدخل بخصوصياته أو تمس بشرفه وسمعته، مع التشديد على سرية المحافظة على الطلبات والمعلومات التي تم الاستحصال عليها من المصرف المعني والمحافظة على البيانات الشخصية، بالإضافة إلى تحديد هوية الأشخاص المعنيين بالطلب بشكل لا يثير أي التباس حول تشابه أسماء لدى المصرف المعني». وأكد عويدات على ضرورة «إبلاغه عن الجرائم الخطرة والتقيّد بتوجيهاته في شأنها».

وأثنى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على الخطوة التي اتخذها عويدات لجهة «تنظيم آلية تطبيق أحكام قانون السرية المصرفية المعدّل». واعتبر أنها «تشكل خطوة أساسية على صعيد معالجة الخلل القضائي الذي حتّم عليه توجيه كتابه إلى وزير الداخلية بهدف وقف مسار خطير في استخدام القضاء والقانون لتصفية حسابات سياسية، ولم يكن القصد أبداً حماية أحد أو تأمين الغطاء لمخالفات أحد». ودعا ميقاتي لتكون خطوة عويدات «بداية الطريق في العودة إلى انتظام العمل القضائي ضمن الأطر والأصول القانونية المرعية الإجراء حفاظاً على حسن سير العدالة». وأمل في أن «يتخذ مجلس القضاء الأعلى القرارات اللازمة بهدف تأمين كل الحقوق والضمانات التي يمنحها القانون لأي متقاضٍ بما يؤمن اطمئنانه لحيادية القاضي»، مجددا «تأكيده احترام مبدأ فصل السلطات وتوازنها وتعاونها».