لاريجاني إلى بيروت غداً بعاصفة إستفزازية و"حزب الله" يطوّر هجماته ويهدّد الحكومة

 بعد أسبوع تماماً على إقرار مجلس الوزراء قراره الخاص بحصرية السلاح في يد الدولة، صار في حكم المؤكد أن أي تطوّر جديد في هذا المسار لن يرى النور قبل تسلّم مجلس الوزراء الخطة التنفيذية للجيش قبل نهاية آب الحالي.

ومع أن ثمة من يتوقع تطورات بارزة على صعيد تحركات مرتقبة للموفد الأميركي توم برّاك وربما أيضاً للمبعوث الفرنسي جان إيف لودريان، فإن الجهات الرسمية المعنية لم تتبلغ بعد معلومات مؤكدة عن زيارات للموفدين إلا في ما يتصل بزيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران علي لاريجاني الذي يصل غداً الأربعاء إلى بيروت وسط عاصفة سياسية مناهضة لزيارته، بما يعني أن هذه الزيارة ستفاقم الرفض المتصاعد لزيارات الموفدين الإيرانيين بعدما تجاوزت مواقف طهران في تدخلها في الشؤون اللبنانية كل الأصول والسقوف، وأمعنت في تحدي السلطة اللبنانية عبر إطلاق مواقف متعاقبة حتى البارحة ترفض عبرها قرار احتكار الدولة السلاح وتتمسك ببقاء سلاح "حزب الله".

ورسمت الساعات الأخيرة معالم معادلة سلبية من شأنها زيادة التوتر السياسي العام وداخل الحكومة تحديداً، من خلال "ملاقاة" "حزب الله" للموفد الإيراني و"احتفائه" بإطلالة الوصاية التي تريد طهران إسباغها مجدداً على الوضع اللبناني الذي يتفلت بقوة من نفوذها السابق، وذلك بضخ الحزب جرعة تصعيدية جديدة ضمنها تهديدات مباشرة بإسقاط الحكومة، وتكرار سردية رفض تسليم ولو "إبرة" من سلاحه. وجرى ذلك ويجري عشية جلسة طويلة لمجلس الوزراء غداً الأربعاء، ستخصص لإقرار جدول أعمال كبير من البنود الخدماتية قبيل "إجازة" قصيرة للمجلس لفترة أسبوعين. والمفارقة أن وزراء "حزب الله" سيمضون في سياسة التهويل على الحكومة، فيما هم يحضرون الجلسات ويتباهون بأنهم لن يستقيلوا بما يعكس طابع المناورات التي حشر "الحزب" وزراءه فيها.

وفي ما يتصل بزيارة لاريجاني وبحسب معلومات "النهار"، فإن السفارة الإيرانية في لبنان تقدمت بطلب رسمي إلى السلطات اللبنانية، وتم تحديد مواعيد للقاء لاريجاني مع رئيس الجمهورية جوزف عون ورئيس الحكومة نواف سلام ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ولم يطلب أي موعد مع وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجّي، علماً أن الأخير لم يكن ليستقبل المبعوث الإيراني ولو طلب موعداً لذلك.

وعلم أن رجّي أبدى استياءه من المواقف الإيرانية في الكواليس السياسية، وكان يفضّل ألا تحصل الزيارة وألا يتم السماح للاريجاني بزيارة بيروت. وعُلم أيضاً أن رئيس الحكومة نواف سلام سيكون حاسماً مع لاريجاني، وسيبلغه استياء لبنان مما يعتبر تدخلاً في الشؤون اللبنانية.

وعشية زيارته لبيروت، اعتبر لاريجاني "أن علاقاتنا مع الحكومة والشعب اللبناني في مجالات مختلفة، تشمل السياسة والثقافة والاقتصاد، وهي متجذرة وواسعة،‌ وفي هذه الزيارة أيضاً، وستتم مشاورات مهمّة مع المسؤولين اللبنانيين والشخصيات المؤثرة"، وقال إن "الظروف السائدة في لبنان، خصوصاً في ظلّ التطورات الأخيرة والاشتباكات الخطيرة مع الكيان الصهيوني، حسّاسة وخاصة من هنا، فإن الحوارات من أجل تعزيز الاستقرار والأمن الإقليمي تحظى بأهمية كبيرة".

وأعلن أن "هذه الجولة تشهد توجيه رسائل محدّدة أيضاً من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فالمواقف الإيرانية تجاه لبنان كانت دائماً واضحة تحت عنوان الحفاظ على الوحدة الوطنية اللبنانية في أي ظرف، والتأكيد على استقلال لبنان وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية الثنائية". وختم: "إن الجمهورية الإسلامية كانت دائماً مستعدة لمساعدة الشعب اللبناني من أجل تجاوز الأزمات وإيجاد الاستقرار والتنمية المستدامة، وستظل كذلك".

ورغم الترددات السلبية لمواقف المسؤولين الإيرانيين، اعتبر أمين مجلس صيانة الدستور الإيراني، علي جنتي "أن احتلال قطاع غزة بالكامل ونزع سلاح حزب الله "أحلام واهمة". وقال في مستهل اجتماع للمجلس أمس الاثنين، إنّ الطروحات المتداولة حول "الاحتلال الكامل لغزة ونزع سلاح "حزب الله" اللبناني ليست واقعية وتُعدّ أحلاماً واهمة"، وفق ما أفادت وكالة "إسنا".

اما "حزب الله"، فمضى في تصعيد مواقفه سواء من الحكومة أو من تسليم السلاح. وفي هذا السياق هدّد عضو "كتلة الوفاء للمقاومة" النائب إيهاب حمادة بإسقاط الحكومة، قائلاً إن "ما فعلته الحكومة هو ضرب للميثاقية، وإن الشعب سيسقطها، ولن تكمل حتى الانتخابات النيابية المقبلة، ونعاهد الناس الأوفياء بأن المقاومة لن تسلم إبرة من سلاحها، وأن هذا المشروع سيفشل".

وبدوره، شدّد نائب رئيس المجلس السياسي لـ"حزب الله"، الوزير السابق محمود قماطي على أن "الحكومة اللبنانية لن تستطيع أن تسحب سلاح المقاومة، فهذا أمر مستحيل دونه دماء في مواجهة العدو الخارجي"، لافتاً إلى ‏أن "المقاومة ليست معزولة أو محاصرة، بل هي جزء من جبهة وطنية عريضة‏".‏ ورأى قماطي، خلال لقاء وفد من "حزب الله" مع الأمين العام للحزب الشيوعي، حنا غريب أن "الحكومة ‏باعت الوطن وأعطت الخارج شيكاً من دون رصيد، ولن تستطيع تحقيق ما تريد".‏ وحذّر من أن "الشعب اللبناني كله سيتصدى للحكومة إن حاولت تنفيذ قرارها"، مشيراً إلى أن ‏‏"المقاومة ولدت من رحم الاحتلال، حيث لم تستطع الدولة حماية المواطنين وردع العدوان"، داعياً ‏الحكومة، "رغم سقوطها"، إلى "تصحيح المسار والابتعاد عن القرارات التي تضر لبنان‏".‏

وفي المقابل، نقل النائب فراس حمدان عن رئيس الجمهورية جوزف عون الذي استقبله أمس، "تأكيده المضي في تنفيذ قرار حصرية السلاح بيد الدولة عبر الجيش اللبناني". ويشار إلى أن رئيس الجمهورية زار أمس وزير الدفاع الوطني اللواء ميشال منسى وقائد الجيش العماد رودولف هيكل في اليرزة، معزّيًا بشهداء الجيش في انفجار مستودع أسلحة وذخائر تابع لـ"حزب الله" في وادي زبقين. ثم انتقل إلى مستشفى الجعيتاوي، حيث إطّلع على الوضع الصحي لأحد العسكريين الجرحى، والتقى الطاقم الطبي المعالج وأفراد عائلته.

كما أنه على الصعيد السياسي، صعّد حزبا "القوات اللبنانية" والكتائب موقفهما من الحزب وإيران، فاعتبر رئيس حزب "القوات" سمير جعجع أن "أصحاب مقولة التعامل مع قرارات الحكومة في جلستي 5 و7 آب وكأنها لم تكن، ينفّذون انقلاباً واضح المعالم، ويتبيّن من أقوالهم أنهم لا يعترفون بالمؤسسات الشرعية ولا بقراراتها، واستطرادًا لا يعترفون بالدستور اللبناني، وبشكل أوضح لا يعترفون بوجود الدولة اللبنانية، وهذا أمر خطِرٌ وخطِرٌ جدًا". ورد على تصريحات المسؤولين الإيرانيين الذين هاجموا قرارات الحكومة اللبنانية واطلقوا التهديدات والوعيد بأن ما صدر عن الحكومة لجهة نزع السلاح لن يمر، فقال: "لو اقتصرت مواقف المسؤولين الإيرانيين على مجرد إبداء الرأي في أحداث داخلية تحصل في بلد آخر، وبالطرق الديبلوماسية المعهودة، لكان الأمر مقبولًا ولو بحدّه الأدنى. ولكن أن يذهب أصحاب هذه المواقف إلى حدّ الجزم بأن قرار الحكومة بنزع السلاح لن يمر، فهذا ينمّ عن تحريض من جهة، وتهديد بتدخّل عسكري ضدّ الحكومة اللبنانية من جهة أخرى، من أجل منعها من تنفيذ قراراتها. ولذلك، على الحكومة أن تفكّر جديًا بدعوة مجلس جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي إلى عقد جلسات طارئة لطرح مسألة التهديد الإيراني للبنان، وكذلك التقدّم بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي، مفادها أن إيران تهدّد لبنان وتتوعّده، وصولًا إلى التهديد بالتدخّل العسكري المباشر".

من جانبه، رد رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل من السرايا الحكومية وبعد لقائه ووفد نواب الحزب الرئيس نواف سلام على سؤال حول زيارة علي لاريجاني إلى لبنان والتدخلات الإيرانية، فشدّد على أنّ "حزب الكتائب يرفض رفضاً قاطعاً كل التصريحات الإيرانية، سواء صدرت عن مستشار الخامنئي، أو وزير الخارجية، أو نائبه، أو مسؤولي الحرس الثوري الإيراني، لما تمثله من انتهاك لسيادة لبنان وتعدٍّ على قرار الدولة اللبنانية، وهذه التصريحات مرفوضة شكلاً ومضموناً، وعلى إيران أن تحترم قرار لبنان وسيادته ومصلحته".