لاريجاني يطبخ سموم الإملاءات في انتظار إنضاج التسوية

إنزال إيراني دبلوماسي داخل المقار الرسمية اللبنانية في كل مرة تنشط مروحة المباحثات للتوصل إلى تسوية لوقف إطلاق النار. إنزال غير مرغوب ومرحب فيه على الإطلاق سياسياً وشعبياً.

وكأن الموفدين الإيرانيين إلى بيروت والذين يعيدون إلى أذهان اللبنانيين صورة مندوبي الوصاية وتحديداً رستم غزالة وسلفه غازي كنعان، في حالة إنكار للنقمة الشعبية وحتى من البيئة الحاضنة لـ "حزب الله"، وسياسياً ترجمتها المواقف المتكررة لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والتي كررها على مسمع كبير مستشاري المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية علي لاريجاني من خلال تأكيده على أن المطلوب دعم موقف الدولة اللبنانية لجهة تطبيق القرار الدولي الرقم 1701، ودعم الوحدة الوطنية، وعدم اتخاذ مواقف تولّد حساسيات لدى أي فريق من اللبنانيين وتكون لصالح فريق على حساب الآخر".

هذه المواقف التي أطلقها الرئيس ميقاتي بوجه متجهم أمام ضيفه الإيراني، عكست أجواء تشاؤمية سُمعت اصداؤها في أرجاء السراي، على عكس اللقاء الذي جمع لاريجاني برئيس مجلس النواب نبيه بري حيث وصفت مصادر قريبة من عين التينة الأجواء بالإيجابية.

في الظاهر أجمعت مواقف الزائر الإيراني على وقوف بلاده إلى جانب لبنان، حكومة وشعباً وجيشاً ومقاومة في مواجهة العدوان الإسرائيلي، ودعمها أي قرار تتخذه الحكومة ولا سيما القرار 1701، وانتخاب أي رئيس يتوافق عليه اللبنانيون.

حتى في الظاهر مسمومة وملغومة مواقف لاريجاني، تدعم انتخاب رئيس وتعرقله منذ أكثر من سنتين، تؤيد القرار 1701 وتحث "الحزب" على المضي قدماً في الميدان وتشد عصبه المتهالك بعدما ورطته في هذه الحرب العبثية.

هذه المواقف العلنية تتعارض مع ما يدور داخل أروقة السفارة الإيرانية، هناك تتظهر الدوافع والأسباب الحقيقية للزيارة. هذه اللقاءات التي رفض تلبيتها الرئيس السابق لـ "الحزب التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط، في دلالة واضحة على رفضه التدخل الإيراني في الشأن اللبناني، تُطبخ فيها السموم وتُفرض الإملاءات على الداخل اللبناني لإجهاض أي محاولة للتسوية، فإيران لا ترغب في الحلول، إذ لم يحن بعد توقيت المقايضة بالورقة اللبنانية على حساب إنضاج الملف النووي. وعلى هذا الأساس لن تطلق طهران سراح لبنان بثمن بخس في انتظار تبلور تصور الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنضاج الملف النووي.

وفي هذا السياق لفتت مصادر لـ "نداء الوطن" إلى أن تزامن هذه الزيارة مع مناقشة الورقة التي سلمتها سفيرة الولايات المتحدة في لبنان ليزا جونسون إلى الرئيس بري، يعني أن طهران معنية بمناقشتها انطلاقاً من حرصها على أن تبقي ورقتي لبنان وغزة في يدها. تضيف المصادر: "تتمسك إيران بهاتين الورقتين إلى حين نضوج طاولة التفاوض، علماً أن المصادر الدبلوماسية تستبعد انعقاد طاولة تفاوض على الأقل في الأشهر الثلاثة المقبلة، بسبب انهماك الإدارة الأميركية الجديدة في تثبيت أقدامها قبل الشروع في أي مفاوضات.

في المقابل أشارت مصادر مواكبة للورقة الأميركية إلى أن "حزب الله" موافق على مضمونها لكنه يشترط في المقابل بنوداً ثلاثة:

- انسحاب فوري للقوات الإسرائيلية من المناطق والقرى الحدودية التي دخلها وحوّلها إلى أرض محروقة.

- التزام لبنان تطبيق القرار الدولي 1701 من دون زيادة أو نقصان، وحصر حرية المراقبة والتصرف بالجيش اللبناني وقوات "اليونيفيل".

- التفاوض على "مزارع شبعا" في مرحلة لاحقة.

هذه البنود التي يشترطها "الحزب" ويدعمها بالكامل الموفد الإيراني ستصطدم بالشروط الإسرائيلية المضادة والمدعومة أميركياً، مما يصعب الوصول إلى تسوية قريبة ويفسح في المجال أمام الميدان الذي تتسع رقعته يوماً بعد يوم ويحوّل لبنان إلى كومة من الدمار.

وفيما تتواصل المساعي الدبلوماسية العربية والدولية لإنهاء الحرب وآخرها دعوة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى زيارة المملكة في الثاني من كانون الأول، من المتوقع أن يكون الملف اللبناني الحاضر الأكبر في المفاوضات.

في موازاة هذه التحركات، تصرف من داخل مطار رفيق الحريري الدولي للفريق الأمني التابع للسفارة الإيرانية الذي حضر لمهمة اصطحاب علي لاريجاني، رفض الخضوع لقرار التفتيش الدقيق الذي أصدره قائد جهاز أمن المطار العميد فادي كفوري.

هذا التعالي الذي يظهر العجرفة الإيرانية واستباحتها أرض المطار في الحقبة السابقة استدعى قراراً شجاعاً من كفوري أعاد الهيبة للقوى الأمنية وللدولة، أمر بإغلاق جميع البوابات المؤدية إلى صالون الشرف في المطار وبالتالي منعهم من الدخول ومنع الوفد من الخروج. وعلى الرغم من التدخلات السياسية لإعفائهم من التفتيش أصرّ كفوري وأجبرهم في نهاية المطاف على الخضوع للقرار. وقد أشارت مصادر أمنية لـ "نداء الوطن" إلى أن "المطار خاضع لسيادة الدولة ومن حق أجهزة أمن المطار التفتيش باستثناء الحقائب الدبلوماسية، وهذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها الأجهزة بعملية التفتيش نافية أي خلفيات سياسية لما حصل".