آلاف الموقوفين في السجون و80% من دون محاكمة

يقابل مشكلة الاكتظاظ في السجون طريق مسدود في وجه إقرار قانون عفو في المدى المنظور رغم إثارة هذا الموضوع قبل الشغور الرئاسي غير مرة من دون التوصّل الى نتيجة بسبب الخلاف السياسي على طبيعة هذا القانون فأقفل هذا الملف واستمر الظرف الاستثنائي قائماً زادته الأزمة الاقتصادية تعقيداً.

وزادت أعداد الموقوفين في السجون مع تنامي الجريمة وفاق عدد الموقوفين احتياطاً أعداد المحكومين ليشكلوا نحو 80 في المئة وفق آخر إحصاء لمنظمة هيومن رايتس ووتش، غالبيتهم في السجن المركزي حيث حوالى أربعة آلاف سجين، وهو أُعد لاستيعاب 1200 سجين.


يرعى القانون اللبناني أحكاماً في حالات أمد التوقيف الاحتياطي وتبلغ شهرين للموقوف بجنحة قابلة للتمديد مدة مماثلة كحد اقصى في حالة الضرورة القصوى، إن لم يكن محكوماً عليه سابقاً بعقوبة مدّتها سنة على الأقل، طبقاً للمادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، فيما مدّة التوقيف الاحتياطي في الجناية لا يجوز أن تتعدى الستة أشهر، ويمكن تجديدها لمرة واحدة بقرار معلل، ما خلا جنايات القتل والمخدرات والاعتداء على أمن الدولة والجنايات ذات الخطر الشامل وجرائم الإرهاب وحالة الموقوف المحكوم عليه سابقاً بعقوبة جنائية.

ويقول مرجع قضائي لـ"النهار" إن قضاة التحقيق في قصور العدل في لبنان يطبّقون نص هذه المادة بكثافة. وهم يتساهلون بمسألة التوقيف الاحتياطي بالنسبة الى من تنطبق عليهم هذه المادة حيث يخضعون للاستجواب ويقررون تركهم عند انتهاء الجلسة... ولكن ثمة جرائم لا يمكن تجاوز عدم إصدار مذكرة التوقيف المقتضاة عند الضرورة القصوى للتوقيف لأن من شأن تخليته أو تركه أن يشكل خطراً.


ويعزو "مشكلة الاكتظاظ الى عدم انتظام الجلسات في المحاكم بسبب مشكلة مستجدة في الأزمة الاقتصادية في إحضار الموقوفين من السجون الى قصر العدل فعدد شاحنات الإحضار قليل بالنسبة الى كثافة الموقوفين وبعضها هرم، فضلاً عن نقص في العديد. وحصل أن أحضروا من مقر التوقيف الى قصر العدل وأعيدوا من حيث أتوا من دون محاكمة نظراً الى كثافة عددهم بالنسبة الى العديد الموجود ما اضطر المحكمة الى إرجاء جلساتهم الى موعد لاحق فيما جدول الجلسات يكتظ على ثلاث غرف في محكمة الجنايات في بيروت". ويجزم "بعدم وجود أشخاص موقوفين احتياطياً بجرائم غير مهمة، ومن هم موجودون في السجون موقوفون بجرائم يقتضي توقيفهم بها".

وأمام مشكلة الاكتظاظ يذكر القاضي جوزف سماحة لـ"النهار" أن آخر سجن بُني في لبنان في ستينيات القرن الماضي في مقابل ازدياد السكان حالياً عن وقتذاك، فضلاً عن نسبة الموقوفين غير اللبنانيين في السجون. ولا يرى سماحة حلاً إلا بفتح سجون أخرى لأنه لا يمكن تخليتهم لئلا يشكلوا خطراً على الناس ولا سيما في موجة الإجرام المتفشية من سرقة ومخدرات وقتل، متناولاً أثر كورونا والاعتكافات التي أثرت على سير العمل، مؤيداً ما يجري من تطبيق للمادة 108 التي تفرض تخلية الموقوف بلا كفالة وعدم ربطها بالمادة 111 من القانون نفسه التي تفرض التخلية لقاء كفالة مالية ما يناقض المادة الأولى، مشيراً الى أن المادة 107 حددت شروط إصدار مذكرة التوقيف.

وفي نظره، لا يجب التوسع في التوقيف الاحتياطي أو التوجس من عدم الاستناد الى نصها بعكس الجرائم الجنائية الخطرة من قتل وخطف ومخدرات التي أول ما توجبه إصدار مذكرة التوقيف بحق المشتبه فيه. ولكن هذا لا يغني عن استحداث سجون جديدة في نظره، ولا سيما أن هناك أكثر من ثلاثة ملايين غريب في لبنان، ونسبة حوالى 40 في المئة من الموقوفين والمحكومين في السجون غير لبنانيين، إضافة الى تزايد نسبة الجرائم.

ويرى سماحة أن إصدار قانون عفو لا يحلّ المشكلة لأن ثمة خطورة كبرى في هذا المنحى، والمواطن أولى بالحماية، كما أن ثمة مناطق خارجة عن سلطة الدولة. ويرى أن القاضي ليس بآلة وكل ملفّ تحكمه إجراءات ولا ينتهي النظر فيه بكبسة زر. هو يمر بمراحل عدة بدءاً من مراحل التحقيق الثلاث وصولاً الى المحاكمة على درجتين جنائياً وصولاً الى إصدار الحكم النهائي. وعاتق الشكوى بالاكتظاظ يقع على الدولة التي عليها إيجاد أماكن توقيف. هي تملك عقارات وبإمكانها إحداث مقارّ توقيف.