المصدر: الجمهورية
السبت 28 تشرين الأول 2023 07:43:59
المخاوف الداخلية، ترافقت مع نزوح كثيف للمواطنين اللبنانيين من منطقة الجنوب الى مناطق لبنانية اخرى يعتبرونها اكثر امانا، وبعض القرى الجنوبية باتت شبه خالية من سكانها، وذلك خشية من تدهور الاوضاع، فالناس معذورة ربطا بالعديد من التجارب السابقة التي مرت بها. وفي موازاة هذه المخاوف تتبدّى حالة رافضة للدخول في حرب، ليست محصورة بفئة معينة من اللبنانيين، بل هي شاملة غالبيّة الشّعب اللبناني بكلّ فئاته.
تلك المخاوف يضاف اليها الرفض للحرب، تجمع المقاربات والقراءات السياسية والامنية على اعتبارها مبررة تبعا للتجارب الحربية السابقة ونتائجها المدمرة. الا ان اللافت للانتباه في هذا السياق ان القراءات التي غلّبت في بداية الحرب الاسرائيلية على غزة، احتمال اشتعال جبهة الجنوب اللبناني، فرضت عليها الوقائع العسكرية التي شهدتها جبهة الحدود من مزارع شبعا الى رأس الناقورة، التدرّج العكسي في موقفها بحيث باتت تنظر الى اشتعال هذه الجبهة كاحتمال ضعيف. مستندة بذلك الى مجموعة أسباب:
أولا، إعلان اسرائيل منذ بداية الحرب، وعلى لسان مستوياتها السياسية والعسكرية انها لا تريد مواجهة مع لبنان. وينبغي هنا لحظ ان اسرائيل بادرت في إجراء احترازي الى اخلاء مستوطناتها على الحدود، تجنّبا لوقوع اصابات بينهم تضطرها الى الرد على مناطق آهلة بالسكان في الجانب اللبناني، ما يدفع "حزب الله" الى الرد وتطوّر الامور.
ثانيا، الاندفاعة الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية لمنع اشتعال جبهة الجنوب. ويبرز هنا ما كشفته وكالة «تسنيم» الايرانية في الساعات الماضية من ان جهات في محور المقاومة تسلمت رسالة اميركية تؤكّد ان لا نية لواشنطن بفتح جبهات جديدة.
ثالثا، موقف الدولة اللبنانية ومستوياتها السياسية التي اكدت الالتزام بالقرار 1701، وضرورة الحفاظ على الاستقرار على الحدود. وان خطر اندلاع الحرب هصدره اسرائيل وليس لبنان.
رابعا، لا اجماع لبنانيا على الحرب، والمنطق الغالب هو ان لبنان في وضع كارثي على كل المستويات، ولا يحتمل اي ضرر اضافي ولا قدرة له على مجاراة اي حرب او دفع اي ثمن فيها حتى ولو كان متواضعا.
خامسا، إنّ «حزب الله» دخل في الحرب من دون ان يدخلها، بحيث انه وازن بين ما يسميه واجبه بنصرة المقاومة الفلسطينية في غزة، وبين قراره غير المعلن بعدم توتير الداخل اللبناني وعدم التسبب بأيّ ضرر فيه، حيث انّه منذ بداية الحرب الاسرائيلية على غزة، رسّم حدود مواجهته مع اسرائيل بعمليات مدروسة ضمن قواعد الاشتباك المعمول بها من دون توسيع نطاقها. بدليل انّه يقوم بعمليّاته من ضمن ما تسمّى المناطق المفتوحة، واستهداف المواقع العسكرية، وهو امر كلّفه سقوط العديد الكبير من الشهداء، متجنبا بذلك عدم تعرض المدنيين للقصف الاسرائيلي. اذ كان في مقدوره أن يطلق صواريخه ويقوم بعملياته من داخل القرى او من بعد قريب منها، ويحتمي بالابنية ما يجنبه سقوط الشهداء في صفوفه، الا ان ذلك سيدفع العدو الاسرائيلي الى استهداف المناطق المأهولة بالقصف ما سيؤدي الى سقوط مدنيين، وهو الامر الذي يستلزم ردا من قبل الحزب، بحجم القصف الاسرائيلي، ليس على المستعمرات القريبة من الحدود التي اخلتها اسرائيل، بل على المستعمرات في العمق الاسرائيلي، الامر الذي سيفتح سجالا ناريا قابلاً لأن يتطور الى حرب اوسع بين الجانبين.