المصدر: صوت بيروت انترناشونال
الأربعاء 19 تشرين الثاني 2025 12:39:45
في عالمٍ تحكمه قواعد الاقتصاد وثقة الأسواق، لا يمكن لأي دولة أن تستقطب الاستثمارات قبل أن توفّر الشروط الأساسية للاستقرار السياسي والأمني والمالي. لبنان، رغم إمكاناته الضخمة وطاقاته البشرية الهائلة، ما زال عالقاً في دائرة الانهيار لأن جذور المشكلة لا تزال من دون معالجة: غياب الإصلاح الحقيقي، واستمرار السلاح غير الشرعي الذي يضع البلاد على حافة الحرب في أي لحظة.
الاستثمار يحتاج إلى دولة… لا إلى سلاح منفلت
المستثمر الذي يضع أمواله في أي دولة يبحث أولاً عن الاستقرار، حماية القانون، وضمان ألّا يستيقظ في اليوم التالي على حرب تُشعلها جماعة مسلحة أو قرار منفرد يجرّ البلاد إلى مواجهة جديدة. في لبنان، المشكلة ليست اقتصادية فقط، بل بنيوية وسيادية. كيف يمكن للمستثمر أن يثق ببلدٍ تدخل فيه جهة مسلّحة في قرارات الحرب والسلم، وتندلع فيه المواجهات فجأة عند الحدود أو في الداخل، ويعجز فيه الجيش والدولة عن فرض سلطتهما على كامل الأراضي؟
لا يمكن لأي تدفّق مالي جدي أن يدخل إلى اقتصادٍ مهدّد دائماً بحرب قد تُدمّر البنى التحتية وتوقف الدورة الاقتصادية في ساعات.
إصلاحات شكلية لا تكفي… المطلوب تغيير بنية النظام الفاسدة
لبنان قدّم وعوداً كثيرة بالإصلاح، لكن معظمها بقي حبراً على ورق. الإصلاحات المطلوبة ليست تجميلية ولا إعلامية بل إصلاحات هيكلية حقيقية تشمل استعادة سلطة الدولة كاملة ووقف ازدواجية القرارات والمؤسسات، تفكيك شبكات الفساد والمحميات التي عطّلت مؤسسات الرقابة والإنتاج، وإعادة هيكلة الاقتصاد وتنظيفه من الكيانات غير القانونية. فلا يمكن بناء اقتصاد حديث فيما تستغل بعض المنظمات الإرهابية هشاشة النظام لتبييض الأموال وتمويل أنشطتها عبر الاقتصاد اللبناني، مهدّدةً سمعة البلد وعلاقته بالمؤسسات الدولية والأسواق العالمية.
تطهير الكيان اللبناني من المنظمات غير الشرعية شرطٌ لبداية التعافي
الاقتصاد اللبناني اليوم يدفع ثمن “اقتصاد الظل” الذي تغذّيه أجهزة ومؤسسات تعمل خارج القانون، والتي تُضعف القطاع المصرفي، وتمنع لبنان من الخروج من لوائح الرقابة الدولية، وتفقد البلد فرص المساعدات والاستثمارات، وتُعرّض كل شركة شرعية لخطر العقوبات أو العزل عن النظام المالي العالمي. لذلك، تطهير الدولة من هذه الكيانات ليس خياراً سياسياً بل ضرورة اقتصادية لإنقاذ البلد من الانهيار الكامل.
لا اقتصاد بلا دولة… ولا دولة بلا سيادة. لن يأتي أي استثمار حقيقي إلى لبنان قبل نزع السلاح غير الشرعي، وفرض سلطة الدولة، وتطبيق إصلاحات جذرية تُعيد الثقة. المستثمر يحتاج إلى بيئة آمنة ومستقرة، لا إلى ساحة صراع تتجاذبها القوى المسلحة والاقتصادات الموازية. وإذا أراد لبنان فعلاً الخروج من أزمته، فالبداية تكون من استعادة الدولة لدورها الوحيد والشرعي، ليعود الاقتصاد إلى مساره الطبيعي ويقف البلد على قدميه من جديد.