المصدر: النهار
الكاتب: روزانا بو منصف
الجمعة 25 تموز 2025 07:56:34
كان "مذهلاً" الوقت الذي أمضاه الموفد الأميركي توم براك في لبنان والذي يعتبره سياسيون تقدماً يكتسب دلالات إيجابية لجهة الإيحاء بالاطمئنان إلى وجوده في لبنان متنقلا من مكان إلى آخر، فيما سلفه آموس هوكشتاين على سبيل المثال كان لا يستطيع تمديد إقامته ساعات إضافية في بيروت للقاء جميع المكونات السياسية. وكانت مذهلة بالمقدار نفسه المروحة الواسعة من اللقاءات التي عقدها والتفاصيل التي تحدث بها في مقاربة غير معهودة من أي ديبلوماسي أميركي مقيم أو زائر، لم يعرفها تاريخ العلاقات الأميركية – اللبنانية، ملتفا على نحو غير مباشر على تفسيرات وتكهنات حول مضامين الرسائل التي وجهها، بكشفها علنا مرة بعد مرة، ومحرجا أهل السلطة وإن على نحو غير مباشر.
واقع الأمور أن زيارة براك عاكست الكثير من التوقعات بصعوبة حصولها في ظل الأحداث السورية التي عطلت (أو فرملت) المسار التفاوضي في لبنان حول سلاح "حزب الله" ودخول عوامل طارئة وخطيرة على الخط، ما كان سيملي تأجيلها لأنها لن تؤدي إلى أي نتائج، أقله في هذا التوقيت، تزامنا مع التداعيات الكبيرة للأحداث السورية.
فبعد الأحداث المأسوية السورية في السويداء، دخلت رهانات جديدة تسعى إيران و"حزب الله " إلى الاستفادة، منها ليس في تبرير الاحتفاظ بالسلاح ورفض التخلي عنه بذريعة المخاوف مما سماه الأمين العام للحزب "الداعشية" عند الحدود الشرقية، بل بخلفية أن سوريا التي قد تكون قاب قوسين أو أدنى من الذهاب إلى صيغ حكم أخرى، إن لم يكن إلى التقسيم، تعطي ربما فرصا جديدة لتغييرات جذرية. رفض براك التقارير التي تقول إن قوات الأمن السورية مسؤولة عن الانتهاكات في حق المدنيين الدروز. وأشار إلى أن مسلحي تنظيم "داعش" ربما كانوا متنكرين في زي الحكومة، وأن المقاطع المصورة على وسائل التواصل الاجتماعي يسهل التلاعب بها، وتاليا لا يمكن الاعتماد عليها".
وقال: "إن القوات السورية لم تدخل المدينة. هذه الفظائع لا تحدث بفعل قوات النظام السوري. ليست حتى في المدينة لأنها اتفقت مع إسرائيل على أنها لن تدخلها. هناك طابور خامس أو أكثر يتلاعب بالوضع السوري في ظل عدم ضبط الحدود بين لبنان وسوريا واحتمال انتقال هذه الفوضى إلى الأراضي اللبنانية، ولا سيما في ظل وجود كبير للنازحين السوريين، وهذا يزيد المخاوف. وإذا لم تمنع نزع سلاح الحزب في المدى المنظور فإنها تجمده على الأقل، وإن لم يكن في الأفق حتى الآن على الأقل سوى خيار دعم حصرية سلاح الدولة اللبنانية والانضواء تحت سقفها، إذا كانت مصلحة الحزب راهنا بعدم انسحاب إسرائيل، كما يطالب علنا، ما يمدد صلاحية استمرار تمسكه بسلاحه خصوصا مع تبني الدولة مقاربته كليا.
يخشى سياسيون التقوا الموفد الأميركي أن يكون لبنان انتقل من مصاف الدولة التي أعطيت فرصة الجلوس في المقاعد الأولى للطائرة، إلى التموضع في المقاعد الخلفية وانتظار الحل الإقليمي وربط مصيره به، سواء ما يتعلق بالوضع في سوريا أو بالمفاوضات المحتملة بين الولايات المتحدة وإيران التي وجه وزير خارجيتها عباس عراقجي رسائل مباشرة إلى الأدارة الاميركية قبل أيام قليلة عبر حديث إلى محطة "فوكس نيوز" الأميركية التي يعرف الجميع أن الرئيس الأميركي يتابعها لحظة بلحظة.
تجاوز هذا الحديث تلك الإشارات التي تعطيها إيران عبر التفاوض مع الدول الأوروبية الثلاث في اسطنبول اليوم الجمعة، إلى إيجابية تتعلق بتقليله من أهمية التهديدات الإيرانية باغتيال كبار المسؤولين الأميركيين، قائلا إن شعار إيران "الموت لأميركا" لا يشمل الأميركيين، وهذا لم يكن الموقف الرسمي لإيران قط". والأهم قوله إنه "لم تكن سياسة إيران أبدارمحو إسرائيل من الخريطة"، بالإضافة إلى الموقف من الإصرار على تخصيب اليورانيوم وسلمية المشروع الإيراني النووي. هذه الرسائل الإيرانية تزامنت مع رفض الحزب في بيروت إبداء أي مرونة في التعاون إزاء سلاحه، وقد تشددت إيران أكثر في التمسك به على خلفية التجاذب الأميركي معها.
السؤال الآن: هل تبتعد الولايات المتحدة وتترك اللبنانيين لأنفسهم وفق ما حمّلهم براك المسؤولية، أو أن لا خوف من تكرار واشنطن هذه التجربة راهنا؟
هناك الكثير على المحك في المنطقة، سواء من جانب إسرائيل والحرص على أمنها أو من جانب سوريا التي لن ترغب أميركا في تركها لإيران مرة أخر،ى وكذلك مع احتمال عودتها إلى تقوية الحزب وفق ما يعتقد البعض، وهو ما يدفع هؤلاء إلى الاعتقاد بقوة أن لبنان سيكتفي بالانتظار حتى اتضاح الرؤية وتجنب أكلاف لا يرى ضرورة لدفعها.