لبنانية تعيش على كراسي الكورنيش وتقتات من البحر

يحمل كورنيش عين المريسة بالعاصمة اللبنانية بيروت الآلاف من الحكايات والذكريات، وقصصا استثنائية، مثل السيدة غصون فرزات التي اتخذت من الكورنيش مأوى لها منذ 2004.

والكورنيش الأشهَر في بيروت هو عبارة عن مساحة كبيرة مطلة على البحر يجتمع فيها الناس لممارسة الرياضة والتنزه، أو للقاء الأصدقاء. ومن على الكورنيش تروي السيدة الستينية فرزات المعروفة باسم مريم قصتها القاسية والصعبة، إلا أن البسمة تلازم وجهها من حين لآخر، وروحها مرحة جدا.

تقول مريم “البحر بيتي، وأنا أعيش على الكورنيش وأنام على مقاعده الخشبية منذ عام 2004”. وتضيف أنها كانت تصطاد السمك لكي تعيش، لتكون بذلك الصيّادة الوحيدة على الكورنيش وسط العشرات من الصيادين الرجال.

ولم تكن حياة مريم الزوجية الأولى والثانية سهلة وناجحة، رغم أنها أنجبت 4 بنات من أحد أزواجها، وبنتا من زوج آخر. وتقول إنها عانت من مشاكل زوجية، وكانت تتعرض للإهانة بشكل دائم من زوجها الأول الذي أخذ منها أطفالها وممتلكاتها، ما دفعها إلى مغادرة المنزل.

وأوضحت أنها لا تعرف بناتها الأربع، لأن زوجها الأول أخذهن منها منذ طفولتهن، أما بنتها الأخرى فتزوجت وتركتها. وعن سبب عدم عودتها إلى منزل ذويها بعد مغادرة منزلها الزوجي، تقول إن والدها توفي في ثمانينيات القرن الماضي، ووالدتها وشقيقها أيضا توفيا، أما أخواتها فلا يسألن عنها.

وكانت مريم تهرب من منزلها الزوجي إلى البحر، وفق قولها، وتعرفت مرة إلى أحد الصيادين، وطلبت منه أن يعيرها صنارته. وتتابع “رفض أن يعيرني صنارته، إنما قدّم لي صنارة أخرى تعلمتُ بها الصيد”، وهكذا بدأت رحلتها مع صيد السمك.

وتشير إلى أنها بعدما تركت منزلها اتجهت نحو الكورنيش، وصار البحر مصدر رزقها، حيث تصطاد السمك يوميا، وتبيعه، مشيرةً إلى أنها كانت تجني يوميا نحو 300 ألف ليرة (200 دولار). وتضيف “منذ 3 أشهر توقفت عن اصطياد السمك، لأن البحر أصبح ملوثا، وكثر الغطاسون والصيادون الذين يرمون الشباك وغيرها من الأدوات”.

وتعاني العديد من سواحل البلاد، وتحديدا بيروت ومحيطها، من التلوث خاصة بسبب مياه الصرف الصحي التي تصب بها دون معالجة. وبحسب آخر تقرير صادر عن المجلس الوطني للبحوث العلمية (حكومي) في 2021، فإن ثلث الساحل اللبناني غير صالح للسباحة بسبب التلوث.

وجاء شاطئ عين المريسة ضمن الشواطئ الصالحة للسباحة، علما أن شاطئ المنارة الملاصق له تماما، جاء ضمن الشواطئ الملوثة جدا وغير الصالحة للسباحة، وفق التقرير.

وعن كيفية قدرتها على تأمين حاجياتها عقب توقف عملها، تلفت مريم إلى أن أصحاب المحلات والمطاعم حول الكورنيش يعرفونها ويساعدونها، وحتى المارة وغيرهم يقدمون لها يد العون.

وتضيف أنها “عشقت الصيد، وعلّمته للكثير من السيدات على الكورنيش”، إلا أنها لا تزال الأكثر شهرة هناك. وتكشف أنها يوم لجأت إلى الكورنيش كانت تتناول أربعة أدوية رمتها كلها في البحر، وقررت من وقتها ألا تأخذ أي دواء، لأن البحر صار علاجها. وتقول “علاجي البحر، وها أنا ذا أرقص وأغني هنا رغم كلّ المآسي التي مررت بها”.

وخلال التواجد مع مريم، صادف مرور مجموعة من الرجال يمارسون الرياضة، فألقوا التحية عليها وردتها ببسمة، وقال لها أحدهم “مريم اشتقنا لك”. وعن محبّة الناس لها، تقول “حُرمت من بناتي، فأعطاني الله الآلاف هنا”، وتضيف “مع مرور الوقت نشأت علاقة رائعة بيني وبين من يرتادون الكورنيش.. وهم كعائلتي”.

كما صادف أن ترك أحد الشبان حقيبته الممتلئة بأغراضه الخاصة إلى جانبها، وذهب لممارسة الرياضة على الجهة المقابلة للكورنيش، فالثقة بمريم كبيرة. وتردف “الكل هنا يحبني ويثق فيّ”.

ومن يمرّ على الكورنيش في الليل أو عند ساعات الصباح الأولى يرى مريم مستلقية غارقة بالنوم على المقعد الخشبي أو على أحد الكراسي البلاستيكية خاصّتها.

أما في الشتاء، فتقول إنها نامت في 2021 لدى قوى الأمن الداخلي لثلاثة أشهر، حيث أمنوا لها مكانا للمبيت هرباً من البرد القارس، كما أنها تنام أحياناً لدى الراهبات. وعن سبب عدم العيش في الدير مع الراهبات، تشدد على أنها لا تحب “الحجز والتقيد، هنا أملك الحرية”.

ولم يكن بجانب مريم سوى كرسيين وطاولة صغيرة وهاتف خلوي وكنزة، وعند سؤالها إن كانت تملك أغراضا أخرى، أفادت أن لديها “تلفزيون وخزانة صغيرة تضعهما عند أحد الأشخاص”.

أما الوسادة وبعض أغراض النوم التي تحتاجها، فتخبئها في إحدى الحدائق المجاورة للكورنيش، فيما تضع صنارة الصيد في أحد المتاجر المجاورة للمكان الذي تنام فيه.
وعند سؤالها إن كانت سعيدة، تصمت مريم لبرهة، ثم تجيب “لا، فكل ما أريده أولادي”.

وبين الفرحة والغصّة، ينتهي اللقاء مع الصيادة الماهرة، الأم المجروحة صاحبة الوجه الضاحك والعينين الزرقاوين.