المصدر: الرأي الكويتية
الأربعاء 24 أيار 2023 01:36:08
جاء في الراي الكويتية: لا تنتهي «الأخبارُ السيئة» بالنسبة إلى لبنان، المُصاب بكل جوانب حياته السياسية والمالية والاقتصادية والمعيشية والذي «تنهمر» عليه المَصائب، ليتحوّل الخروجُ من «منطقة الأعاصير» التي علِق فيها منذ أكثر من 3 أعوام محفوفاً بسيناريواتٍ مأسوية يُخشى أن تكون ممراً إجبارياً لتسويةٍ «قيصرية» علّها تقي الوطنَ الصغير... الشرّ المستطير.
وفيما كانت رحلةُ البحث عن «الرئيس الضائع» في عواصم غربية تشي بأن الأزمةَ الرئاسية مازالت في مربّع التعقيدات التي تستجرّ منذ أشهر وبأن اللبنانيين لم يقتنعوا بعد بأنّ «لبْننةَ» هذا الاستحقاق، رغم أبعاده الاقليمية، تُشكّل أقْصر الطرق لإنهاء الشغور في قصر بعبدا، بدا لبنان وكأنه على مشارف «عاصفة هوجاء» جديدة تطلّ من الجبهة المالية – المصرفية مع تدحْرُج كرة الملاحقات الأوروبية لحاكم البنك المركزي رياض سلامة حيث بات «مطلوباً للعدالة» في ألمانيا بعد فرنسا، واقتراب إدراج «بلاد الأرز» من مجموعة العمل المالي على «القائمة الرمادية» للدول الخاضعة لرقابة خاصة، بسبب ممارسات غير مُرْضِية لمنْع غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وجاء وقْع هذين التطورين كالصاعقة على بيروت التي بالكاد كانت «فركتْ عينيْها» على خبرِ ثبات لبنان على «قمة» لوائح «بؤساء» العالم وتعسائه ربْطاً بواقعه المالي والاجتماعي وارتفاع التضخم وتكاليف العيش والاقتراض والبطالة، وفق قائمة «مؤشر البؤس» لعام 2022 التي نشرها الخبير والبروفيسور في علم الاقتصاد في جامعة جونز هوبكنز الأميركية، ستيف هانكي وحلّت فيها «بلاد الأرز» في المرتبة الرابعة بين أتعس بلدان العالم بعد كل من زيمابوي وفنزويلا وسورية.
وعبّرت أوساط واسعة الاطلاع في بيروت عن الخشية من أن «تفلت الأمور» بالكامل من يدِ ما بقيَ من سلطة سياسية، باتت واقعياً بين «فكيْ كماشةٍ» تشكّلها «المطاردة القضائية» لسلامة والتي تتجه لأن تتحوّل «بقعة زيت»، والإدراج المرتقب للبنان على «القائمة الرمادية» للبلدان التي باتت «العين حمراء» عليها لقصورها عن مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
وبات وضْع لبنان على هذه القائمة مسألة أيام وربما أسابيع قليلة، وفق ما نقلتْه «رويترز» عن ثلاثة مصادر مطلعة اعتبرت أيضاً أن «إضافة لبنان إلى القائمة ستكون بمثابة ضربة كبيرة أخرى لدولةٍ تُعاني من تدهور مالي منذ عام 2019 وتكافح لتأمين صفقة مع صندوق النقد الدولي»، مذكّرة بما كان ديبلوماسيون يعربون عنه منذ أشهر لجهة قلقهم من أن الاقتصاد القائم على النقد المتزايد يمكن أن يُخْفي التدفقات المالية غير المشروعة المتزايدة.
وبحسب المصادر فقد أجرى قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع لمجموعة العمل المالي، وهي هيئة مراقبة الجرائم المالية، تقييماً أولياً لاقتصاد لبنان، لافتة إلى أن الدول الأعضاء ستطلع عليه هذا الأسبوع في البحرين.
وقال مصدر ديبلوماسي اطلع على نسخة من التقرير الأولي «إن النتيجة التراكمية لهذا التقييم تضع لبنان علامة واحدة فوق عتبة القائمة الرمادية».
ووفق مسودةٍ اطلعت عليها «رويترز»، تم تصنيف لبنان على أنه متوافق جزئياً فقط في عدة فئات، بما في ذلك إجراءات مكافحة غسل الأموال والشفافية في شأن الملكية المفيدة للشركات والمساعدة القانونية المتبادلة في تجميد الأصول ومصادرتها.
وفيما كان الخبراء يحذّرون من تداعيات مثل هذه الخطوة التي ستعني المزيد من التدقيق في العمليات والتحويلات من قِبل المصارف المُراسِلة ما يعني أن تنفيذها سيتطلّب وقتاً أكثر، فإن مصادر متابعة ربطت هذا التطور بمجموعة أسبابٍ بينها نمو اقتصاد «الكاش» في شكل مفرط في ضوء الأزمة النقدية والمالية وآليات كبْحها العشوائية وعدم معالجة تَعَثُّر القطاع المصرفي، معتبرة أن لبنان بعد إدراجه المرتقَب سيكون أمامه فترة 6 أشهر لتصحيح وضعه وإلا إدراجه على القائمة السوداء وتالياً عزله بالكامل مالياً عن العالم.
«تأثير الدومينو»
ولم تُخْفِ المصادر أن الملاحقةَ الدولية، التي بدأت من فرنسا، لحاكم مصرف لبنان عزّزت تَراجُع الثقة عالمياً بمجمل القطاع المالي والمصرفي في «بلاد الأرز» التي كانت تتحرى عن تقارير حول اتجاه مصارف اوروبية لقطع علاقاتها مع عدد من البنوك المحلية ربْطاً بهذه القضية حين باغَتَها خبر صدور مذكرة اعتقال بحق رياض سلامة من القضاء الألماني «بتهم فساد وتزوير وتأليف عصابة أشرار لتبيض الأموال والاختلاس».
وعُلم أن لبنان تبلّغ شفوياً بالمذكرة على أن يتلقّاها رسمياً بعد أن تُعمَّم عبر الانتربول (النشرة الحمراء)، في ظل اقتناعٍ بأن مذكرة التوقيف الدولية التي أصدرتْها قبل أسبوع القاضية الفرنسية اود بوريسي بحق سلامة سيكون لها «تأثير الدومينو» الذي بدأ بالإجراء الألمانيّ الذي رُجِّح أنه ليس إلا «الحجر الثاني» الذي ستكون له «تتمة» أقله في 3 دول أوروبية أخرى فُتح فيها ملف «الحاكم» في قضيةٍ بات اسمها «الحَركي» «عمولات شركة «فوري» (مملوكة من شقيق الحاكم رجا سلامة) التي اعتُبرت بمثابة عملياتِ اختلاسٍ لأموال من «المركزي» (أكثر من 330 مليون دولار بين 2002 و 2021) جرى تبييضها من خلال حسابات مصرفية وشراء عقارات في عدة دول أوروبية».
وكانت هذه القضية استدعت سابقاً تجميد الممتلكات والحسابات المصرفية للمشتبه فيهم (سلامة وشقيقه و3 مقربين منهم) في كل من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ. علماً أن هذا الملف مفتوح في جوانب منه أيضاً في سويسرا وموناكو وبلجيكا وليشتنشتاين.
ومعلوم أن محققين أوروبيين من فرنسا ولوكسمبورغ وألمانيا وبلجيكا حضروا ثلاث مرات هذه السنة إلى لبنان، حيث استمعوا إلى سلامة وشهود آخرين في قضيته بينهم شقيقه وموظفون سابقون في مصرف لبنان ومسؤولو بنوك تجارية، قبل أن تُصدِر القاضية بوريسي مذكرة التوقيف بحق«الحاكم»الذي أعلن أنه سيطعن بها.
ومن المنتظر أن يحضر سلامة اليوم إلى قصر العدل ليستمع المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان إلى إفادته عن مذكرة التوقيف الغيابية الفرنسيّة، وسط ترجيحاتٍ بأن يتركه رهن التحقيق ويمنعه من السفر، في حين ذكر موقع «النهار» الالكتروني، أنه تم تبليغ رجا سلامة ومُعاوِنة الحاكم ماريان الحويك بموعد سماعهما في فرنسا في يونيو المقبل، مع ترجيحاتٍ بأن يمثلا أمام قاضية التحقيق الفرنسية في الموعد المحدَّد لهما.
في موازاة ذلك، ورغم اتساع حلقة المطالبين لبنانياً باستقالة سلامة، وكان آخرهم أمس عدد من النواب خلال اجتماع اللجان المشتركة، فإن لا اتجاه لدى حكومة تصريف الأعمال لإقالة الحاكم قبل نحو شهرين من انتهاء ولايته، وهو ما كرّسه الاجتماع التشاوري الذي عقده الرئيس نجيب ميقاتي مع عدد من الوزراء، الاثنين، حيث جرى ترْك الأمر رهن ما سيخلص إليه ملف سلامة قضائياً وصدور أقله قرار اتهامي أو حكم بحقه، وفق معادلة «حماية الموقع وليس الشخص» وعلى قاعدة وجوب تحصين مصرف لبنان بوصْفه المؤسسة الأهمّ في الدولة، ومع شبه تسليم بأنه بعد مغادرة الحاكم منصبه أواخر يوليو لن يكون شغورٌ ولا تعيين بديلٍ بل «انتقالٌ» وفق القانون للسلطة إلى نائبه الأول.