المصدر: Kataeb.org
الكاتب: ناجي صفير
الاثنين 10 تشرين الثاني 2025 12:46:37
يشير مفهوم الحياد إلى الحياد العسكري والسياسي أي عدم الإنحياز في النزاعات أو الحياد الإقتصادي سياسة اقتصادية غير تدخلية.
سنتناول في هذا المقال تأثير الحياد السياسي والعسكري على الإقتصاد، وبشكل خاص في حالة لبنان.
الحياد السياسي أو العسكري خيارًا اعتمدته العديد من الدول لتجنّب الإصطفاف الذي قد يكون مكلفًا للغاية سياسيًا أو اقتصاديًا أوحتى عسكريًا. فالدول المحايدة مثل سويسرا، النمسا، إيرلندا، ليختنشتاين، مالطا، تركمانستان، وكوستاريكا، أو السويد قبل انضمامها إلى الناتو، اختارت عدم الإنخراط عسكريًا مع كتل القوى الكبرى أو المشاركة في الحروب. وقد كان لهذا النهج تأثير اقتصادي كبير جعل هذه الدول مزدهرة ماليًا واقتصاديًا، ويُعتبر مواطنوها من أسعد شعوب العالم.
لبنان، هذا البلد الصغير بمساحة 10452 كلم² ،تبيّن أن موقعه الجغرافي كان نقمة عليه، فمن جهة، يقع لبنان في قلب الشرق الأوسط الذي يعاني من عدم استقرار مستمر وحروب منذ عام ، واضطر لتحمّل عبء الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. ومن جهة أخرى، فإن الجار الثاني للبنان، سوريا، وهي بوابته البرية إلى العالم العربي، تسببت بتدخلاتها المستمرة في الشؤون اللبنانية باضطرابات كبرى، أقلها كان الإحتلال السوري للبنان ومن جهة ثالثة، فإن البنية الإجتماعية – الثقافية اللبنانية مزقت البلد مرارًا بسبب التباين بين مكّوناتها الإجتماعية في مواضيع سياسية متعددة موالية للعروبة والناصرية أو معارضتها، الإنحياز للغرب أو الشرق، الموقف من سوريا، من إيران، إلخ.. ما أدى
مرارًا إلى نزاعات داخلية سياسية أو عسكرية 1958 ،1973 ،1975 ،1979 ،1982 ،2006 ،2025
كانت كلفة الحياد أو الإصطفاف السياسي مرتفعة جدًا على لبنان، فدمار لبنان عام1975 مثالًا أدى إلى انخفاض الناتج المحلي من 4.4 مليارات دولار إلى النصف، كما انخفض متوسط الدخل الفردي من 1600 دولار إلى 800 دولار، فيما بلغت قيمة الدمار المادي ما بين 25 و30 مليار دولار، والخسائر الفرصية بين 60 و 70 مليار دولار.
أما كلفة اصطفاف لبنان مع المحور الإيراني نتيجة سيطرة حزب الله على النظام السياسي، فكانت فادحة أيضًا إذ بلغت الكلفة المباشرة وغير المباشرة لحرب الـ34 يومًا في 2006 حوالي 125 ألف وحدة سكنية مدمرة، وارتفع الدين العام بـ3 مليارات دولار وفق وزارة المالية، واحتاج إعادة الإعمار إلى 10 مليارات دولار، فيما انكمش الناتج المحلي بنسبة 7% وفق صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أي ما مجموعه نحو 10 مليارات دولار، أي ما يعادل 35 إلى 40% من الناتج المحلي لعام 2006 الذي كان حوالي 25 مليار دولار، أما كلفة انخراط لبنان في البرنامج السياسي الإيراني ودعمه لحرب اسناد حماس التي أعلنها حزب الله عام 2024/2023 ،
فقدّرتها تقارير البنك الدولي بحوالي 14 مليار دولار 8.6 مليارات كأضرار مادية في البنية التحتية والسكن والخدمات، و 2.7
مليارات خسائر اقتصادية نتيجة تراجع الإنتاجية وفقدان الفر ص.
كما أن الموقف السياسي المعادي لدول الخليج والدول العربية، الذي فرضته ما تُسمى بحركات المقاومة على النظام السياسي في لبنان، فمثالًا، بلغت خسائر الصادرات الزراعية إلى السعودية 50 مليون دولار عام 2021 إذ تراجعت كل صادرات لبنان إلى السعودية من 597 مليون دولار عام 2011 إلى 148 مليون دولار عام 2020، كذلك خسر لبنان 80% من الإستثمارات الأجنبية المباشرة التي كانت تأتي من دول الخليج، 40% منها في القطاع العقاري، وفي السياحة، خسر لبنان 27% من إنفاق السياح نتيجة القيود السعودية والإماراتية على السفر إليه، وتقدّر خسائر السياحة بحوالي مليار دوالر عام 2025
وباختصار، كل مرة اصطف فيها لبنان مع طرف ضد آخر، كان هو الضحية وخسر كثيرًا سياسيًا واقتصاديًا.
لم يعد أمام لبنان خيار سوى اعتماد الحياد لحماية مصالحه وضمان مستقبله.
فبحسب شبكة القطاع الخاص اللبناني الخيار الأمثل هوالحياد الكفيل بحماية لبنان واقتصاده من الإنخراط في النزاعات أو الإنحياز إلى محور سياسي.
نعم، الحياد سيجلب فوائد عديدة، منها:
1 .الإستقرار الإقتصادي وجذب الإستثمار: الدول المحايدة تتجنب الإضطرابات الإقتصادية الناتجة عن التوترات
ا .مثالًا، ساهم حياد سويسرا في جعلها السياسية والصراعات، ما يجعلها وجهة آمنة للإستثمار وشريكًا تجاريًا موثوقًا، ومركزًا ماليًا عالميًا، كما سيُحفّز ذلك استثمارات المغتربين اللبنانيين، وهي ذات أهمية كبرى نظرًا لحجمهم وقدرتهم المالية
2 .فرص تجارية مع جميع الاطراف: الحياد يتيح للدولة إقامة علاقات تجارية متعددة مع مختلف التكتلات أثناء النزاعات.
3 .خفض الإنفاق الدفاعي: الدول المحايدة عادةً ما تنفق أقل على الدفاع، ما يتيح تحويل هذه الوفورات إلى التعليم والبنية التحتية والصحة والإبتكار.
4 .تحويل لبنان إلى جسر بين الشرق والغرب: في مجالات التجارة والمال والخدمات، وتعزيز قطاعاته المالية والخدماتية المعروفة تاريخيًا) التعليم، الصحة، المصارف كما أن حياده قد يجعله مقرًّا للمنظمات الدولية كما هو الحال مع وكالات الأمم المتحدة في جنيف.
الحياد لم يعد احتمال بل اصبح واجب ومن لم يتعلم من التاريخ يهدم مستقبل بلده.