المصدر: النهار
الكاتب: نبيل بو منصف
الجمعة 8 آب 2025 06:34:54
لم يكن مستغرباً أبداً أن تطل إيران برأسها على مشهد التخريب الذي شرع ذراعها الأساسي في المنطقة، "حزب الله"، بإطلاق نذر تنفيذه في لبنان رداً على قرار تاريخي يضع حداً لعقود المهانة والاستباحة السيادية ويحصر امتلاك السلاح بالسلطات الأمنية والعسكرية الرسمية الشرعية اللبنانية وحدها.
ولكن المستغرب أن تغدو إيران ما بعد الحرب الإسرائيلية عليها والتدمير الأميركي لمنشآتها ومخزوناتها النووية على هذا القدر المثير للسخرية من الرعونة، بعدما كانت أنماطها في غزو المنطقة بنفوذها تضرب مثلاً في تقليد حياكة السجاد. أن ينبري وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى مزيد من تحريض "حزب الله" على مواجهة الإجماع اللبناني والدولي على دعم الدولة اللبنانية في استرداد سيادتها، معنى ذلك أن طهران لم تعد تجد وازعاً أو رادعاً في دفع ذراعها الذي كان درة تاج نفوذها في العواصم الإقليمية الأربع التي كانت تتباهى باستباحتها، بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء، إلى آخر متاهات الانتحار فعلاً ولا شيء غير الانتحار.
ومع ذلك يتعين التوقف أمام دوافع طهران لإقحام ظلها الثقيل مجدداً على المشهد اللبناني الطالع والمنبئ بتطورات وتحولات تاريخيّة بكل المعايير، بعد القرار الأخير لمجلس الوزراء بإسقاط كل الشرعية والمشروعية والقوننة عن سلاح "حزب الله" وكل سلاح غير شرعي.
جاء التحريض الإيراني السافر للحزب على قاعدة كسب الوقت التي تتبعها طهران بعد الهزيمة العسكرية الكارثية التي منيت بها، والتي على صورة هذه القاعدة تماماً يتصرف "حزب الله" في لبنان لتأخير ساعة الحسم المصيري بنزع سلاحه أياً تكن وسائل التخريب التي سيعتمدها بعد قرار مجلس الوزراء بحصر السلاح بيد الدولة. ولكن إذا كان التخريب المزدوج، إقليمياً ولبنانياً، هو الهدف الذي أسفر عن وجهه بوضوح، فالسؤال البديهي المواكب يطرح عن استعدادات السلطات اللبنانية لمواجهة خلجات التخريب التي بدأت من قلب الحكومة وتنذر بالاتساع تباعاً ربما إلى الشارع.
ولا مغالاة في الإشارة هنا إلى أن أي نجاح في تخريب الواقع الأمني والسياسي والحكومي بعد قرار مجلس الوزراء سيشكل آنياً على الأقل مكسباً خطيراً للحزب الذي استدرج معه حركة "أمل"، ليرهن مجدداً الطائفة الشيعية في مواجهة سائر المكونات اللبنانية الأخرى.
إن التلاعب بمسألة الميثاقية في لبنان غالباً ما كان ولا يزال يشكل فتيل إشعال التوترات الطائفية "غب الطلب" الخارجي أو الداخلي عند كل مفترقات التحولات اللبنانية، سواء كانت بعوامل داخلية أو بتأثيرات خارجية. ولذا، قد تكون بقايا تدخلات إيران، على هوانها ورعونتها في الواقع اللبناني، شكلت علامة تحذير مفيدة جداً لجهة التسبب بمزيد من اليقظة والتحفز لدى الدولة اللبنانية والقوى السيادية والمستقلة كافة، للتحسب لما يمكن أن يكون "حزب الله" ينوي المضي به لتخريب الواقع الذي سينشأ عن إنجاز قيادة الجيش خطة تنفيذية لحصر السلاح قبل نهاية السنة الحالية.
بلغ التهويل بانقلاب على القرار الجراحي الذي اتخذه مجلس الوزراء مرحلة متقدمة للغاية بعد أقل من 48 ساعة على صدوره، بما يؤشر إلى تدرج سريع سيتسع تباعاً لأنماط أعنف في المواجهة الأخيرة بين الدولة واللادولة واستباحة كل شيء حتى التهويل بفتنة. وهو الاستحقاق الاختباري الأخطر الذي سيتعين على الدولة اللبنانية التي تستعيد مقوماتها كدولة أن تواجهه، من دون الاستخفاف أو الغرق في استنتاجات خطرة تقلل قدرات التخريب التي لا يزال "حزب الله" يمتلكها، وحتى لو ثبت أن "الزمن الأول تحول".