لبنان المعلّق على حبال الهواء الأميركي... مراوحة في الضبابية لا تستبعد خرقاً

مع كل يوم فاصل عن موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، يزداد الترجّح في المشهد اللبناني الداخلي وسط ضبابية في التوقعات حيال من ستحمله هذه الانتخابات إلى البيت الأبيض، وما ستكون عليه أجندة السيد او السيدة الجديدة لهذا البيت حيال لبنان والمنطقة في إطار السياسة الخارجية المرتقبة للولايات المتحدة.

قبل أن يحسم الديموقراطيون أمرهم في تبني ترشيح كامالا هاريس التي باتت تحظى بدعم الأغلبية الديموقراطية، لوحظ أن الحظوظ التي رفعت أسهم مرشح الجمهوريين الرئيس السابق دونالد ترامب بعد محاولة اغتياله باعتباره الأكثر حظاً في العودة إلى البيت الأبيض، بدأت تتبدل على نحو يجعل السباق الرئاسي محفوفاً بعدم اليقين.

حتى الآن، فإن غالبية القراءات التي تراهن على فوز ترامب، انطلاقا من تجربته السابقة على رأس الولايات المتحدة والسياسات المتشددة التي مارسها ضد إيران، تفتقر إلى متغيرات أساسية شهدتها المنطقة بعد السابع من تشرين الأول الماضي، حيث خلطت الحرب الإسرائيلية على غزة الأوراق، وبدلت نتائجها أو معطياتها الصورة النمطية السابقة للسياسة الخارجية لأميركا، كما لسياسة الرئيس الديموقراطي جو بايدن، ما جعل أسئلة كثيرة لم تكن لتطرح سابقاً مبررة، لجهة ما إذا كان ترامب في حال فوزه، سيكمل من حيث توقف لدى مغادرته، أو أن التطورات الأخيرة ستدفعه إلى إعادة النظر في سياسته تجاه المنطقة.

واستطراداً، ماذا ينتظر لبنان المعلق حالياً على حبال الهواء الأميركية، بما أن المسؤول عن الملف الجنوبي الساخن ليس إلا كبير مستشاري بايدن الشخصيين آموس هوكشتاين، الذي أصبح هو بدوره أيضاً معلقاً على حبال مماثلة، بعدما خسر رهانه على تولي الديبلوماسية الأميركية في أي ولاية ثانية للديموقراطيين؟

في الأوساط السياسية اللبنانية، لا رهانات كبيرة أو متفائلة على تغيير قريب في مشهد المراوحة الداخلية القاتل، او على تغيير في السياسة الاميركية تجاه لبنان التي تأتي اساساً ضمن استراتيجية اشمل تجاه الشرق الأوسط، تأخذ في الاعتبار المصالح الإسرائيلية، بقطع النظر عن حزب الرئيس ديموقراطياً كان أم جمهورياً.

الامر الذي يعول عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في زيارته الحالية لواشنطن وخطابه أمام الكونغرس، حيث يشكل هذا الخطاب فرصة للرجل لإعادة ضبط علاقاته مع واشنطن من جهة، وفرصة لإقناع الداخل الإسرائيلي بعدم مسؤوليته عن تقويض العلاقة مع الحليف الأقوى والأقرب لتل أبيب. ويدرك نتنياهو التحدي الكبير الذي يواجهه بعد تنحي جو بايدن، انطلاقاً من الغموض الذي يحوط اسم الشريك الأميركي المقبل لإسرائيل. وهو ما يعدّ توقيتاً سيئاً للرجل الساعي إلى طرح خريطة طريق حول مستقبل المنطقة لتحقيق أهدافه بالقضاء على حركة "حماس" ومواجهة إيران وإضعاف "حزب الله" على نحو يتيح العودة الآمنة للمستوطنين. وهذا يحتاج إلى دعم الحزبين الديموقراطي والجمهوري على السواء.

في الانتظار، ترى أوساط سياسية أن من المبكر الحديث عن توقعات على المشهد اللبناني، نظراً إلى الانشغال الأميركي في الملفات الأميركية الداخلية كأولوية لدى المرشحين، في حين أن الساحة الدولية باتت في حالة ترقب ورصد لنتائج الانتخابات، وخصوصا بعدما فرغت أوروبا من انتخاباتها، وغرقت في نتائجها.

ليس مؤكداً لهذه الأوساط أن مهمة هوكشتاين باتت في حكم المنتهية الصلاحية، وان كان هذا هو التوجه العام، في انتظار من ستؤول إليه هذه المهمة.

فهي وإن كانت تستبعد إمكان إنجاز أي خرق على مستوى الجبهة الجنوبية أو الداخلية الرئاسية في الوقت الضائع حتى موعد الانتخابات الأميركية، عازية ذلك إلى غياب لبنان راهناً عن الرادار الدولي عموماً والأميركي على وجه الخصوص، لا تستبعد في المقابل حصول خرق غير منتظر لحال المراوحة قبل الانتخابات. ولا تقلل من الأهمية القصوى المعلقة على خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس اليوم، وما سيحمله من خريطة طريق للتوجهات الإسرائيلية حيال غزة ولبنان الذي بات معلقاً رسمياً بمصير غزة، علماً أن أيا من المؤشرات لهذا الخطاب لا تشي بالتهدئة. ولكن أي خطوة جدية لوقف النار في غزة في اي لحظة حصلت، سينتج منها وقف للعمليات العسكرية جنوباً. مع التذكير بأن الديبلوماسية العربية والدولية لا تزال ناشطة في هذا الاتجاه.

أما بالنسبة إلى ما يمكن أن ينتظره لبنان من ترامب، فلا تبدي الأوساط تفاؤلاً، بل تبقى حذرة نظراً إلى طباع الرجل الذي يعتمد كثيراً على غريزته السياسية، بقطع النظر عن نصائح مستشاريه وفريقه، وهو أكثر الرؤساء الذين يحملون مفاجآت في مواقفهم. هوالرئيس الاميركي الأول الذي أعلن عام ٢٠١٧ القدس عاصمة لإسرائيل، وهو الذي علّق عام ٢٠١٨ الاتفاق النووي مع إيران وانسحب منه وأخضعها لسياسة العقوبات الخانقة، وهو الذي أعطى الأمر باغتيال قاسم سليماني وغيره من أركان الجمهورية الإسلامية، وهو من كشف عام ٢٠٢٠ عن صفقة القرن لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني والتي أمنت السيطرة الإسرائيلية على معظم الضفة الغربية، وهو الذي رعى في البيت الأبيض مراسم التطبيع بين إسرائيل والإمارات العربية والبحرين، معتبرا ذلك من أهم الإنجازات الديبلوماسية لإدارته. فأي مفاجآت يحملها في حال وصوله إلى البيت الأبيض؟