المصدر: أساس ميديا
الكاتب: خيرالله خيرالله
الخميس 18 تموز 2024 16:11:45
ما بين الحربين، الأولى في صيف 2006 والثانية بعنوان “إسناد غزّة” في 2023 و2024، قاسم مشترك وفوارق. يتمثّل القاسم المشترك في أنّ الحزب افتعل الحربين مع إسرائيل. في 2006، خطف جنوداً إسرائيليين وقتلهم أو أنّهم قتلوا في اشتباك سبق احتجاز جثث هؤلاء. في الثامن من تشرين الأول 2023، قرّر الحزب، بطلب إيرانيّ، فتح جبهة جنوب لبنان في غياب أيّ مشاورات مع أيّ طرف آخر في لبنان، بما في ذلك الحكومة التي على رأسها نجيب ميقاتي، بكلّ حسناته وسيّئاته. هل تختلف نتائج حرب 2006، التي في أساسها رغبة بتغطية اغتيال رفيق الحريري، عن نتائج حرب “إسناد غزّة” التي في أساسها رغبة إيرانيّة في تكريس السيطرة على لبنان؟
هل تختلف نتائج حرب 2006 عن نتائج حرب 2023 – 2024؟
في هذا السؤال تكمن الفوارق. بمعنى أنّ حرب صيف 2006 ليست مثل حرب “إسناد غزّة”، وأنّ إيران التي تعتقد أنّ في استطاعتها تكرار تجربة عمرها 18 عاماً لن تقوى بالضرورة على تحقيق انتصار جديد على لبنان، وليس على إسرائيل، تماماً كما حصل صيف 2006، بتفهّم كامل مع الدولة العبرية!
في انتظار نهاية حرب غزّة، وهي حرب لن تنتهي قريباً وليس معروفاً كيف ستنتهي، فضّل لبنان، الذي يحكمه الحزب، أي إيران، أن يربط نفسه بالمجهول واضعاً مصيره في مهبّ الريح.
لا تسمح الأوضاع الإقليمية والدولية السائدة حالياً بربط وقف النار في جنوب لبنان بوقف النار في غزّة. يبدو الكلام الصادر عن الأمين العامّ للحزب وعن مسؤولين آخرين فيه بعيداً عن الواقع، خصوصاً في ما يتعلّق بأنّ كلّ شيء سيعود إلى حاله، أي إلى ما كان عليه قبل الثامن من تشرين الأول الماضي، بمجرد توقّف حرب غزّة.
يعود ذلك أساساً إلى أنّ إسرائيل، التي تبدو مصرّة على متابعة حرب غزّة، ترفض نظريّة وحدة الجبهات. ترفض على وجه خاصّ إصرار “الجمهوريّة الإسلاميّة” على بقاء جبهة جنوب لبنان مفتوحة ما دامت جبهة غزّة مفتوحة. عاجلاً أم آجلاً، سيكون على إسرائيل، بغضّ النظر عن بقاء بنيامين نتنياهو في موقع رئيس الوزراء أو رحيله، معالجة التهديد الخطير ذي الطابع الوجوديّ الذي يمثّله الحزب، بصواريخه ومسيّراته وأنفاقه، انطلاقاً من لبنان.
لبنان ضحيّة “فارق الحسابات”
ثمّة حسابات إسرائيلية لا يمكن أن تتطابق مع الحسابات الإيرانية. خلافاً لما كانت عليه الحال في 2006، عندما قبلت إسرائيل بالقرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن. قبلت بالقرار على الرغم من معرفتها التامّة بأنّ الحزب لن يطبّقه، بل سيستخدمه للانقضاض على الداخل اللبناني. هذا ما حصل بالفعل. لم تكن لدى إسرائيل، في 2006، أيّ مشكلة في سيطرة الحزب على لبنان، بل في سيطرة “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران على البلد.
هل يمكن لمن قتل رفيق الحريري، عقاباً على كلّ الذي فعله من أجل إعادة الحياة إلى لبنان وإعادة اللبنانيين إلى بلدهم، أن يكون معادياً بالفعل لإسرائيل؟
يكمن الخوف راهناً في احتمال ذهاب لبنان ضحيّة الفارق في الحسابات بين الجانبين الإسرائيلي والإيراني في وقت يعتقد الإيرانيون أنّ في الإمكان استعادة تجربة حرب صيف 2006.
الحزب “سيُدَفِّع” اللّبنانيّين ثمن الحرب
اللافت في التصريحات الحديثة المتكرّرة لمسؤولين في الحزب الإصرار على أنّه إذا كان اللبنانيون ينعمون بحياة طبيعية، فإنّ الفضل في ذلك يعود إلى “المقاومة”. بكلام أوضح يعدّ الحزب نفسه لمرحلة ما بعد حرب غزّة للانقضاض مجدّداً على لبنان وجني المكاسب التي حقّقتها “المقاومة” بفتحها جبهة الجنوب. يريد الحزب، عبر مقاربة ذات طابع تبسيطيّ للأحداث، قبض ثمن تمكين اللبنانيين من عيش حياة طبيعية تشمل الذهاب إلى النوادي الليلية والمسابح والمقاهي والمطاعم والحفلات الغنائية في صيف 2024.
في 2024، يعدّ الحزب نفسه لقبض ثمن حرب افتعلها، حرب هجّرت مئة ألف جنوبي ودمّرت قرى عدّة. هذه حرب لم تكن لها من ضرورة باستثناء الرغبة الإيرانية في توجيه رسالة إلى الولايات المتحدة فحواها أنّها تمسك بمفاتيح توسيع حرب غزّة أو عدم توسيعها.
لا مكان يستطيع فيه الحزب قبض ثمن حرب “إسناد غزة” إلّا في الداخل اللبناني.
هل هذا ممكن أم لا؟
وحدها الأيام ستظهر ما إذا كان هذا المشروع قابلاً للتطبيق في وقت طرأ تغيير كبير على موازين القوى في المنطقة والعالم. لا يوجد عربي عاقل تعلّم من تجارب الماضي على استعداد لخوض حرب مع إسرائيل بتوقيت تفرضه “حماس” أو إيران.
إسرائيل تغيّرت كلّيّاً
ما لا يمكن تجاهله، في أيّ وقت، أنّ هجوم “طوفان الأقصى”، الذي شنّته “حماس”، انطلاقاً من غزّة، في السابع من أكتوبر (تشرين الأوّل) الماضي، غيّر إسرائيل كلّيّاً. الأمر ليس مرتبطاً بشخص بنيامين نتنياهو ووحشيّته التي لا حدود لها. الأمر مرتبط بتغيير في العمق حصل في إسرائيل وفي المجتمع الإسرائيلي الذي بات عليه التفكير بطريقة مختلفة. مثل هذه الطريقة المختلفة تعني طرح أسئلة من نوع كيف التعاطي مع جنوب لبنان الذي صار منطلقاً لتهديد ذي طابع جدّي في ضوء وجود ما يزيد على 60 ألف إسرائيلي خارج بيوتهم منذ أكثر من تسعة أشهر.
في ضوء هذا التغيير العميق في إسرائيل، يبدو منطقياً الخروج بخلاصة فحواها أنّ حرب “إسناد غزة” في أيامنا هذه شيء، وحرب صيف 2006 شيء آخر. أخذت إيران لبنان إلى مأزق يحتاج إلى كيفيّة التفكير في الخروج منه وليس إلى تمنين الحزب للّبنانيين بأنّه يسمح لهم بالتمتّع بثقافة الحياة… وأنّه سيكون عليهم دفع ثمن ذلك لاحقاً.