لبنان في صلب "خلية الطوارئ الديبلوماسية" في المنطقة وجبهة الجنوب على... مفترق طريق

تعزّز «الهجمةُ الديبلوماسيةُ» الغربية على بيروت الاقتناعَ المتزايدَ بأن جبهة جنوب لبنان ما زالت في عيْن الخطر العالي الذي ربما يشتدّ ما أن تقوم اسرائيل بـ «التقاط أنفاسها» في حربها على غزة، سواء عبر هدنة مديدة أو بما هو أبعد، بحيث يتحوّل الصِدام مع «حزب الله» مدخلاً لجرّ المجتمع الدولي إلى فرْض حلّ تَعتبر تل أبيب أنه «متأخّر» على قاعدة تطبيق القرار 1701، ولو عبر صيغة موقتة تقود لـ «حزام أمان» يسمح بعودة مستوطني شمالها، في انتظار آلياتٍ لترتيب شاملٍ يمرّ بتفاهُم بَري مكمّل للترسيم البحري مع لبنان، وهو ما بات في رأيها أكثر إلحاحاً منذ أن رُبطت الحدود بين البلدين بالنار غداة «طوفان الأقصى».

ولم يكن عابراً أن يشمل وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون بيروت بجولته على المنطقة التي وُضعت في سياقِ جهود بلاده «لتهدئة التوترات في المنطقة وضمان وقف فوري للصراع في غزة».
وفي حين تزامنتْ زيارةُ كاميرون مع وجود وزير خارجية المجر بيتر سيارتو في لبنان، وسط معلوماتٍ عن أن وزير خارجية فرنسا ستيفان سيجورنيه المعيَّن حديثاً سيصل الى بيروت الأسبوع المقبل، فإن محطةَ رئيس الديبلوماسية البريطانية تكتسب أبعاداً بارزة في ضوء انخراط لندن «الميداني» في عملية التصدّي العسكري - وإن عبر ضرباتٍ موجَّهة ومستهدَفة - مع الولايات المتحدة للحوثيين لردْعهم عن المضيّ في استهداف السفن في البحر الأحمر، ناهيك عن أنه يحمل الى المنطقة ما بات يُعرف بـ «خطة كاميرون» (لحرب غزة) وهي سلّة من مجموعة خطواتٍ تنطلق من وقف القتال في القطاع والبدء بإدخال مزيد من المساعدات الإنسانية، والعمل على إخراج الرهائن وتَبادُل الأسرى، إلى جانب الشروع بسلسلة من الترتيبات السياسية وصولاً لإقامة دولة فلسطينية.

وإذ سبَقَ كاميرون وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن الذي يحطّ في المنطقة في الساعات المقبلة، فإن مجمل هذا الحِراك الديبلوماسي الأقرب الى «خلية طوارئ» يعمّق الخشيةَ مما بَلَغَه الاقليمُ في الأيام الماضية مع ارتسام ما يشبه «تقاطُع التصعيد» في مختلف ساحات «محور الممانعة» وصولاً إلى الحدود الأردنية – السورية وسط استعدادِ واشنطن للردّ المناسب والمتناسب على مقتل 3 من عسكرييها وجرْح العشرات قرب قاعدة التنف.

ورغم الإشارات الإيرانية «حمّالة الأوجه» حيال «قلق طهران من تصرف وكلائها في المنطقة» والتي نُقلت عن المخابرات الأميركية وفُسِّرت، ومعها التقارير عن خفْض الوجود الإيراني في سورية، على أنها بمثابة «ملاقاةٍ» لتَلافي إدارة الرئيس جو بايدن توجيهَ ضربةٍ لأهداف داخل إيران رداً على استهداف القاعدة الأميركية في الأردن وسط كلام عن أن طهران مُنحت الوقتَ الكافي حتى لتخفيف أي أضرار قد تتلقاها أنشطةٌ تابعة لها مباشرةَ في كل من العراق وسورية، فإن أوساطاً مطلعة اعتبرت أن من المبكر الركون إلى مثل هذه التقارير أو البناء عليها لاستشراف تبدُّل عميق في استراتيجيةِ طهران التي ترتكز على «تفعيل» أذرعها في المنطقة تحت سقف السعي إلى «مقايضاتٍ»، سواء بين النووي أو الأمن، وبين التسليم بـ «دور» نافذ لها في الاقليم «بالمفرّق أو الجملة».

ومن هنا، تبقى الفترة المقبلة محكومة بـ «حبْس أنفاس» في المنطقة وسط رصْدٍ لـ «الخطوة التالية» اسرائيلياً على جبهة الجنوب بعدما مرّ أمس اليوم الأول لِما بعد المهلة التي كانت أعطتْها تل ابيب لانكفاءٍ «على البارد» لـ «حزب الله» أقله لما بين 7 او 8 كيلومترات عن الحدود وإما «على الساخن»، علماً أن وزير دفاعها يواف غالانت كرّر أمام وفد من سفراء الأمم المتحدة أن بلاده ستواصل الحرب في غزة حتى تحقيق الأهداف، مضيفا أن تل أبيب تفضل الديبلوماسية في شأن الحدود الشمالية «لكننا مستعدون عسكرياً».

وعلى وهج هذه المناخات المتوترة، أجرى كاميرون محادثات مع كل من رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزف عون، فيما امتنع عن لقاء نظيره اللبناني عبدالله بو حبيب الذي لم يَرُق له هذا الأمر.

وتمحورتْ لقاءات وزير الخارجية البريطاني حول الوضع في المنطقة وعلى جبهة الجنوب وسبل تطبيق القرار 1701، إلى جانب الأزمة الرئاسية في لبنان التي بات أفقها حكماً مربوطاً بحرب غزة وما يُرتقب أن تفرزه على صعيد المنطقة عموماً، وحاجة «بلاد الأرز» إلى الاستعداد لِما هو آتٍ، ديبلوماسياً أو ربما أمنياً، بـ «نظام تشغيلي» للحُكم مكتمل النصاب.