لبنان في عين العاصفة بين خطرين: الحرب او الصوملة

في خضم العواصف السياسية والأمنية التي تعصف بلبنان، يُعيد "حزب الله" التأكيد على تمسكه بسلاحه ورفضه المطلق لأي نقاش داخلي أو خارجي بشأن نزعه، سواء أتى على شكل مبادرات سياسية أو ضغوط دبلوماسية. وفي هذا السياق، جاء رفض الحزب لمقترحات الموفد  الأميركي توم براك، الذي طرح رؤية سياسية لإخراج لبنان من أزماته المتراكمة، ومن ضمنها دمج سلاح الحزب ضمن مؤسسات الدولة كجزء من تسوية شاملة تضمن الاستقرار والسيادة.

هذا الرفض يعكس ليس فقط تمسك حزب الله بسلاحه كعنصر قوة إقليمية، بل أيضاً إصراره على البقاء فوق الدولة، مما يضع لبنان مجدداً في مهبّ العواصف الإقليمية ويجعله على تماس دائم مع خطر الحرب والانهيار الشامل.

في الأشهر الماضية، تداولت أوساط سياسية لبنانية ودولية تسريبات حول مبادرة حملها توم براك إلى بعض الأطراف اللبنانية، مدعومة برؤية أميركية - خليجية - أوروبية، هدفها إعادة تثبيت الاستقرار في لبنان، وفتح الباب أمام استثمارات ومساعدات كبرى، مقابل حزمة من التنازلات السياسية وعلى رأسها معالجة ملف سلاح حزب الله.

المقترحات تضمنت آلية لدمج عناصر الحزب ضمن الجيش اللبناني أو القوى الأمنية، على مراحل، مقابل ضمانات بعدم الملاحقة، وتقديم مساعدات عسكرية ومالية للدولة اللبنانية. لكن الحزب سارع إلى رفض هذه المقترحات، معتبراً إياها محاولة "أميركية - إسرائيلية" لنزع سلاح المقاومة، وفق تعبيره، ورفض أي نقاش بهذا الاتجاه، مما أجهض المبادرة قبل أن تتحول إلى مبادرة رسمية.

جاء رفض الحزب وسط تداعيات خطيرة أعقبت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، والتي شهدت تصعيداً غير مسبوق على الجبهة الجنوبية منذ حرب تموز 2006، حيث تعرضت مناطق لبنانية لدمار واسع ونزوح عشرات الآلاف من السكان، وسط عجز الدولة الكامل عن حماية المدنيين أو التدخل.

ورغم وقف النار غير الرسمي، لا تزال الجبهة الجنوبية متوترة، والتهديدات الإسرائيلية مستمرة، وسط مؤشرات متزايدة على أن أي خطأ تكتيكي يمكن أن يشعل حرباً مدمرة جديدة، قد تكون أكثر عنفاً واتساعاً من سابقتها.

استمرار حزب الله في رفضه تسليم سلاحه أو القبول بأي تسوية واقعية يترك لبنان أمام سلسلة من التداعيات الداخلية القاتلة:

  • تقويض الدولة المركزية: حيث تفقد مؤسسات الدولة قدرتها على فرض سيادتها على أراضيها وحدودها.
  • شلل سياسي دائم: إذ لم يعد ممكناً الحديث عن تسويات سياسية داخلية بوجود سلاح خارج الشرعية يفرض توازنات غير ديمقراطية.
  • انهيار اقتصادي مستمر: فالمجتمع الدولي يربط أي مساعدات فعلية للبنان بإصلاحات جذرية تشمل بسط سلطة الدولة، ما يعني أن بقاء سلاح الحزب يمنع وصول أي استثمار خارجي جدي.
  • مخاطر أمنية داخلية: مع تفاقم التوترات الطائفية والانقسامات العمودية، يمكن أن تتحول الاحتكاكات السياسية إلى انفجار داخلي في أي لحظة، خصوصاً في ظل الانهيار الاقتصادي والاجتماعي.

عودة الحرب احتمال كبير ومقلق. المعادلة التي تحكمت في الوضع الحدودي بعد 2006 تغيرت بشكل جذري. إسرائيل لم تعد تتقبل وجود حزب مسلح على حدودها الجنوبية، خاصة بعد تعاظم قدراته الصاروخية، وحزب الله بدوره بات أكثر اندفاعاً بعد مشاركته في صراعات سوريا واليمن والعراق.

أي اشتباك حدودي جديد، أو خطأ محسوب أو غير محسوب، قد يكون شرارة لحرب شاملة، سيجد فيها اللبنانيون أنفسهم محاصرين بين نارين: عدوان إسرائيلي مدمر، وفوضى داخلية عارمة في ظل غياب أي شبكة أمان سياسية أو اقتصادية أو إقليمية.

لبنان في عين العاصفة بين خطر الحرب أو الصوملة

يقف لبنان اليوم على مفترق مصيري، تحاصره التهديدات من الداخل والخارج. رفض حزب الله تسليم سلاحه ورفضه لمبادرات إنقاذية كـمقترح توم براك، يكرّس واقع الدولة الضعيفة، ويضع اللبنانيين أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما الانزلاق إلى حرب مدمّرة مع إسرائيل قد تعيد لبنان سنوات إلى الوراء، وإما الانحدار نحو "الصوملة"، أي تفكك الدولة وانفلات الأمن وتحوّل البلاد إلى ساحة صراعات ميليشيوية ومناطق نفوذ.

في ظل غياب القرار الوطني الواحد، واستمرار تقويض سيادة الدولة، لا يبدو أن لبنان قادر على النجاة من الكارثة القادمة، ما لم يُتخذ قرار جريء بإعادة بناء الدولة على قاعدة احتكار الشرعية والسلاح والسيادة. وإلا، فإن العاصفة القادمة لن تُبقي ولن تذر.