لبنان ليس بحاجة لكربلاء جديدة تضمّخه بالدّم والألم!

تحدث الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم في ذكرى أربعين الإمام الحسين، متناولاً قرار مجلس الوزراء اللبناني "حصر السلاح" بيد الدولة، قائلاً: "لن تسلم المقاومة سلاحها والعدوان مستمر والاحتلال قائم، وسنخوضها معركة كربلائية إذا لزم الأمر، واثقين بالنصر، وهيهات منّا الذلة".

قبله، رئيس "كتلة الوفاء للمقاومة" في البرلمان اللبناني، محمد رعد، تناول الملف نفسه في حوار تلفزيوني، كاشفاً عن أن "أجواء الجنوب والبقاع والضاحية، تعكس أن قرار نزع السلاح فتح لنا الطريق إلى كربلاء".

الاستحضار المكثف لـ"معركة كربلاء" وما تحمله من معان عميقة عاطفية ودينية، في الوجدان الإسلامي عامة، والشيعي بخاصة، يوحي بأن ثمة تعبئة لدى "حزب الله" لمواجهة ما، قد تؤدي إلى نتائج لا تُحمد عقباها، لأن ما حصل في يوم "عاشوراء" كان تراجيديا مضمّخة بالدم والألم والدموع.

هذا الخطاب العاطفي تكتنفه أخطار عدة، خصوصاً أن موضوع "حصر السلاح" بيد الدولة قرار سياسي، وليس دينياً أو عقدياً، ولا يصح أن تستخدم رمزية لها من الشجنِ الكثير والكثير، كـ"كربلاء"، في سجالٍ سياسي – لبناني، بل كان الأجدر بقيادة "حزب الله" أن تذهب نحو نقاش حقيقي وتوافق وطني، يحمي لبنان عبر جيشه وحكومته، ويجعله في مأمن من أي عدوان إسرائيلي آت، وأن تعمل على تقوية كيان الدولة وصون السلم الأهلي.

إن استدعاء كربلاء لإسقاطها على الوضع اللبناني المعقد، يعيد إنتاج ثنائية "الظالم والمظلوم"، و"الحق والباطل"، بطريقة تثير العصبيات وتدفع إلى مزيد من الانقسام، بينما الواقع السياسي والاجتماعي يحتاج إلى خطاب عقلاني يفتح أفقاً للتفاهم. فلبنان، بتعدد طوائفه وثقافاته، لا يحتمل إعادة إنتاج صراع دموي تحت لافتة "معركة مقدسة".

محاولة بعض القيادات إسقاط "عاشوراء" على أزمات الحاضر، تمثل توظيفاً سياسياً للعاطفة المذهبية. هذا التوظيف يختزل المسلمين الشيعة في حزب واحد وسردية واحدة، بينما الحقيقة أن الشيعة في لبنان ليسوا كتلة صماء. ثمة شيعة مستقلون، مثقفون، ناشطون مدنيون، ورجال دين إصلاحيون، يرفضون حصر تمثيلهم في "حزب الله" ويرون في لبنان وطناً يحتاج إلى بناء دولة مدنية عادلة ومؤسسات قوية.

لقد دفع اللبنانيون عامة، والشيعة بسبب موقعهم الجغرافي في القرى الجنوبية، ثمناً باهظاً في الحروب السابقة: تهجير، دمار، ضحايا، واقتصاد منهك. هؤلاء المواطنون لا يريدون "كربلاء جديدة". يكفيهم ما واجهوه في الجنوب والضاحية وفي قرى البقاع، من قصف ومعارك وصراعات أنهكت المجتمع، وأفقدت الأجيال الشابة الفرصة في التنمية والازدهار.

المواطنون الشيعة اليوم، مثل باقي اللبنانيين، يبحثون عن الاستقرار، عن إصلاح اقتصادي، عن دولة تحفظ كرامتهم، لا عن خطابات تحشدهم باسم الإمام الحسين نحو صراعات لا تنتهي، لم يأمر بها الحسين بن علي ولا جده النبي الأكرم محمد بن عبد الله!

من المهم في هذا السياق، التأكيد أن إسقاط التأريخ الديني على السياسة المعاصرة، أمرٌ له ضرر بالغ أياً كان مصدره المذهبي. فالخطاب الذي يعيد إنتاج صراع "بني أمية" و"بني هاشم"، مقدماً "الأموية" قبال "الشيعية"، كما يظهر في أدبيات بعض الفصائل المسلحة في سوريا، لا يقل خطورة عن الخطابات المذهبية المخالفة. كلا الخطابين يعيدان فتح جراح الماضي، ويحولان التاريخ إلى أداة صراع معاصر، فيما المجتمعات تحتاج إلى مصالحة وطنية لا إلى مزيد من الثارات.

من هنا، تبرز أهمية تحرير كربلاء من الخطاب السياسي لـ"حزب الله"، وعدم سجنها في خطاب أيديولوجي حزبي، يُفرغها من بعدها الأخلاقي الرفيع، ويجعلها وسيلة لتبرير السلاح والانقسام.