المصدر: النهار
الكاتب: نبيل بو منصف
الاثنين 11 تشرين الثاني 2024 08:58:58
احتفل الألمان قبل يومين، في التاسع من تشرين الثاني، بالذكرى الـ 35 لانهيار جدار برلين الذي كان سقوطه اعظم حدث مواكب لنهاية الستار الحديدي والحرب الباردة في العالم الذي طبعت مرحلة الصراعات الكبرى بالواسطة بين جباري ذاك العصر الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق بعد انهيار الأخير. ولكن ما يعني اللبنانيين من هذه الواقعة كان في مكان آخر لم تسمح احدث حروب هذا العصر على لبنان بأحيائه. والمقصود بذلك ان لبنان هو من بين البلدان "النادرة" التي شهدت تطورات تاريخيّة نتيجة لنهاية الحرب الباردة اذ سبق إبرام اتفاق الطائف ومن ثم تصديق مجلس النواب في الخامس من تشرين الثاني 1989 على وثيقة التعديلات الدستورية المنبثقة عن اتفاق الطائف ، انهيار جدار برلين بأيام قليلة.
ما كان لهذه الرمزيات الكبيرة التي أدخلت نهاية الحرب التي مزقت لبنان سحابة 15 عاما ما بين سبعينيات القرن الماضي وتسعينياته ان تخرق فسحة من ذاكرتنا الان، لولا هذه اللحظة الشديدة الوطأة على ذاكرة لبنانيين عايشوا اكثر من نصف قرن من الحروب ، وفقدوا عقودا من أعمارهم في أمل عبثي للخلاص من مصير الحروب الذي يطبع بلدهم . وما دام الشيء بالشيء يذكر، ومن دون الذهاب بعيدا في مقارنات مضخمة بين أمة وأمة، لا نتجرأ على مقارنة أوضاع لبنان بأوضاع دول عرفت حروبا رهيبة في تاريخها اسوة بلبنان وأكثر ولكنها تمكنت لمرة واحدة من الإقلاع نحو الإفادة الكاملة من الدروس وعدم تكرار التجارب اطلاقا.
اما لبنان، حيث تتصاعد الان من تحت ركام الدمار الرهيب الذي تعيده عبره الحرب الإسرائيلية عقودا الى الوراء، فتراه "جاهزا" بقوة قاهرة داخلية ام خارجية للتوظيف لشتى أنواع الحروب ، باردة ام ساخنة، في كل حقبة! بدايات الألفية الثانية كان يفترض ان تدفع بلبنان قدما نحو ترسيخ سلمه الأهلي ليس على قاعدة تطوير النظام فقط بل ترسيخ معالم الدولة القوية التي وحدها تستأثر بالسلاح والسلطة وتحيد لبنان عن التناتش الإقليمي الذي جعل كلا من النظام السوري وايران وإسرائيل مباشرة، ناهيك عن الدول العربية والغربية الأخرى مداورة ، تنغمس في موجات ازماته المتكررة سواء تلك التي كانت على صلة بالسيادة الحدودية او الداخلية او تلك التي كانت تتسم بتدخلات خارجية في الانقسام الداخلي بين القوى والطوائف. واذا صح ان ما بعد 2006 بلوغا الى 2023 شكل الوجه المحدث من حرب باردة بالواسطة على ارض لبنان فان الحاصل منذ إشعال "حرب المشاغلة" بقرار احادي من "حزب الله" ومحوره الممانع والتي أدت إلى انفجار الحرب الإسرائيلية الشاملة على لبنان منذ شهرين شكل واقعيا، بالدم والدمار والنار، أسوأ ما تعجز الذاكرة اللبنانية المثقلة بتاريخها المنهك عن تصوره في إعادتها الى حرب ساخنة ملتهبة باخطر تحديثات الهمجية والتوحش التي تمعن في إعادة لبنان الى هذه الحقبات المشؤومة .
متى وكيف يتمكن اللبنانيون من منع المقامرة والمغامرة باعمارهم كل حقبة او كل رزمة سنوات من أعمارهم؟ ترانا لا نكف عن استحضار ما قاله كبير من لبنان عن حروب الاخرين على ارض لبنان ، والان نفهم انه قبل نصف قرن كان يعني الحرب الباردة إياها ويحذر من تكرارها باردة ام ساخنة، لا فرق.