لبنان: وظيفة "الردع" الإيرانية مكلفة جداً

انتهى ردّ "حزب إيران/ حزب الله"، وبقي ردّ إيران. لكن خطر اندلاع حرب إقليمية "انحسر... إلى حدٍّ ما"، بحسب رئيس الأركان الأميركي، بعد تبادل الهجمات الأحد الماضي بين الحزب وإسرائيل. والتقويم السائد أن الأضرار في إسرائيل كانت "محدودة" لكنه يحتاج إلى تدقيق سيستغرق وقتاً طويلاً بسبب شدّة التكتّم. واعتبر الجنرال سي كيو براون أن "كيفية ردّ إيران ستكون من محدّدات كيفية ردّ إسرائيل، وبالتالي من محدّدات اتساع رقعة الصراع أم لا"، مرجّحاً أن إيران لا تريد توسيع نطاق الحرب بل "توجيه رسالة". لذلك قرّر البنتاغون التحوّط بالإبقاء، من دون تغيير، على القدرات الحربية التي استقدمها إلى المنطقة، ووصف براون الاستعداد للتصدّي لأي هجوم إيراني بأنه "أفضل مما كان ضد هجوم منتصف نيسان الماضي".

هذا التوصيف يفسر تأخر إيران في ردّها، بالأحرى ارتداعها الذي تمثّل بالتراجع عن قرار أُعلن في طهران (غداة اغتيال إسماعيل هنية) بأن يكون ردّ إيران وميليشياتها ("محور المقاومة") مشتركاً ومتزامناً، فثمة فارق بين القدرة العسكرية على شنّ هجوم "قوي ومؤلم"، وتلقّي ردّ أميركي قد يكون مؤذياً. كان حسن نصرالله هو من كشف ذلك التراجع، مشيراً في خطاب أول إلى أن "التنسيق" داخل "المحور" أخّر الردّ، وفي خطاب ثانٍ إلى أن كل فصيل سيتصرف وفقاً لظروفه، وهو ما فعله "حزبه" تحت سقف المعايير التي أبلغتها واشنطن إلى طهران (لا استهداف للمدنيين، ولا استخدام لأسلحة استراتيجية). وفي مراقبته للوضع على مدار الساعة، ساهم الجانب الأميركي في إطلاق الهجوم الإسرائيلي "الاستباقي" سعياً إلى إحباط هجوم الحزب، وعندما حصل الهجوم كان تقويمه أن إسرائيل تستطيع التصدّي له وحدها ولا داعي لتدخّله.

هل كانت الولايات المتحدة جدّية في وعد إيران بإنجاز وقف النار في غزة وإقناعها بالتخلّي عن هجومها؟ ربما، فطهران كانت ستعتبر إرغام إسرائيل على وقف الحرب "إنجازاً" يمكن تسويقه في إظهار قوّة نفوذها. ولإعطاء ذلك الوعد شيئاً من الصدقية، رأت واشنطن أن يُصار إلى إشراك طهران بشكل في جانبي في المفاوضات (عبر قناة الاتصال القطرية)، غير أن المقترح الجديد الذي جاء به الوفد الأميركي إلى الدوحة كان عكس كل التوقّعات، إذ وصفته "حماس" بأنه تراجع عما اعتقدت أنه تم التوافق عليه سابقاً، وأنه ينطوي على انحياز أميركي واضح إلى شروط بنيامين نتنياهو، والأهم أن يبعد احتمال "إنهاء الحرب". ولم يكن في إمكان طهران أن تقول العكس. وما لبث نتنياهو أن خدع أنتوني بليكن واستدرجه إلى إفساد المفاوضات كلياً.

بالعودة إلى تداعيات هجوم "حزب إيران" للانتقام من اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر. فقبل ذلك وبعده، يروّج الحزب وأمينه العام أنه أقام "معادلة ردع" مع العدو. هذا الكلام ليس بروباغندياً فقط، بل يستند إلى ترسانة صواريخ يحسب العدو وحلفاؤه حسابها، ويضغطون عليه لمنع تهوره بهجوم على لبنان قد يفجّر حرباً إقليمية. هذه الحرب لن "تزيل" إسرائيل، بل تصيبها بأضرار بالغة، والمؤكد أنها ستتسبّب بدمار كبير في لبنان. إذاً، فهذا هو "الردع"، من خلال "توازن رعب" قد يختلّ في أي وقت. لكن مهمة "الردع" التي ينفّذها الحزب لمصلحة إيران تفرض على لبنان "وظيفة" إقليمية مكلفة جداً لا يمكنه القيام بها على المدى الطويل ولا في المدى المنظور. وإذ يعني "الردع" استنزافاً للطرفين، فإن لدى إسرائيل من يعوّضها ويمكّنها، أما لبنان المُستنزَف أصلاً فمعزول ومتروك في الحفرة التي رمته فيها إيران.