لبنان وقبرص يرسّمان المستقبل...بعبدا تحذر الضاحية: التهوّر ممنوع!

بعد أيام مثقلة بالتطورات السياسية والأمنية، تلقى لبنان دفعة مطرية متأخرة بعد شحّ طال مداه. وبينما غمرت المياه الشوارع وبعض الوزارات والمؤسسات، ظلّت قنوات التواصل بين بعبدا و"حزب الله" مفتوحة، في محاولة لاحتواء تداعيات اغتيال هيثم علي الطبطبائي. وعلمت "نداء الوطن" أن رئيس الجمهورية جوزاف عون، باشر سلسلة اتصالات مع الضاحية، لمنعها من التهوّر وسلوكِ طرقاتٍ مدمّرة. في المقابل، لا تزال أبواب الهيئة العامة لمجلس النواب موصدة بوجه مشروع القانون المعجّل الذي أرسلته الحكومة، بعدما بات واضحًا أن رئيس المجلس نبيه برّي سيزجّه في زنزانة اللجان.

قرار تاريخي لديوان المحاسبة

إزاء هذه الأجواء القاتمة التي تظلّل أكثر من ملفّ، برز ضوءٌ قضائي في نفق دولة القانون المرتجاة، حيث أصدر ديوان المحاسبة حكمًا غير مسبوق قضى بفرض عقوبات مالية مشدّدة على عدد من وزراء الاتصالات السابقين، ملزمًا إيّاهم بردّ مبالغ ضخمة إلى الخزينة العامة، وفقًا للدعوى المتعلقة بمبنى قصابيان (أنظر الجدول أدناه). وأعفى "الديوان" الوزير السابق بطرس حرب من العقوبة، وأوقف تنفيذ العقوبة بحق وزير الاتصالات السابق طلال حوّاط. ويُعدّ هذا القرار سابقة لما يمثله من تحوّل نوعي في دور الديوان، من مراقب ورافع للتقارير إلى المجلس النيابي، إلى جهة قضائية تُحاسب وتستردّ المال العام.

رسائل دعم ونُصح

في هذا السياق الإيجابي، وعلى عكس قرع طبول الحرب عند الحدود الجنوبية، يعزز لبنان اليوم صداقته الاستراتيجية مع جارته البحرية قبرص، بعد أن حطّ وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي في بيروت أمس. وتزامن وصول الأخير مع اتصال أجراه الرئيس عبد الفتاح السيسي بالرئيس جوزاف عون، شدد خلاله على دعم مصر سياسة الحكومة اللبنانية في حصر السلاح بيد الدولة.

وتجلت رسائل الدعم والنُصح الدولية، في برقية التهنئة التي وجهها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى نظيره اللبناني لمناسبة ذكرى الاستقلال، مؤكدًا تطلعه إلى تعميق الشراكة بين الولايات المتحدة ولبنان "الموجود على مفترق طرق تاريخي، مع فرصة لرسم مسار نحو مزيد من الاستقرار والازدهار الاقتصادي للبنان وشعبه".

ومع وضع اللمسات التنظيمية الأخيرة لاستقبال الحبر الأعظم، أكدت مصادر بكركي لـ "نداء الوطن" أن زيارة البابا لاوون الرابع عشر، تعكس مكانة لبنان الخاصة لدى الفاتيكان، وتشكل فرصة نادرة ينبغي على المسؤولين استثمارها بما يليق بهذا التقدير الدولي. وشددت على ضرورة التخلي عن سياسة المحاور ورهن القرار الوطني، داعية إلى الوعي لقيمة لبنان ودوره التاريخي. ولفتت إلى أن الأيام الثلاثة التي سيقضيها البابا ستكون مساحة للصلاة والتأمل، وفرصة للانتفاض على الواقع، والتمسك بوجه لبنان الحقيقي كدولة رسالة، والخروج من العتمة نحو بناء الدولة وصون الكيان.

لبنان وقبرص يرسمان المستقبل

في ظلّ العلاقات التاريخية والمتينة بين لبنان وقبرص، التي لم تشُب صفحاتها البيضاء الطويلة سوى سحابة عابرة تمثلت في التهديد الذي وجّهه الأمين العام السابق لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله، خلال حرب الإسناد، حين حذر نيقوسيا من فتح أجوائها ومطاراتها أمام الطيران الإسرائيلي واعتبر ذلك موقفًا عدائيًا، يستقبل رئيس الجمهورية جوزاف عون، عند الساعة الحادية عشرة والنصف من ظهر اليوم، الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس والوفد الوزاري المرافق له في زيارة عمل قصيرة، تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين لبنان وقبرص وتثبيت إطار التعاون السياسي والاقتصادي والاستراتيجي بين البلدين. ومن المتوقع أن تتضمن الزيارة جلسة عمل موسعة بحضور الوزراء المعنيين، أبرزهم وزير الأشغال العامة والنقل فايز رسامني، حيث ستناقش ملفات جوهرية تمس الأمن البحري والاقتصادي والسياسي.

وأفادت مصادر "نداء الوطن" بأن أبرز بنود زيارة الرئيس القبرصي، توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، بعد إنجازها من اللجنتين المعنيتين وموافقة مجلس الوزراء، تمهيدًا لتعزيز السيادة اللبنانية واستثمار الموارد الطبيعية في المنطقة الاقتصادية الخالصة.

كما ستتناول المباحثات تعزيز التعاون الثنائي، خصوصًا في المجالات الاقتصادية والاستثمارية، إلى جانب بحث دور الاتحاد الأوروبي في دعم تنفيذ القرار 1701 وترسيخ الاستقرار الحدودي. وتشير المعطيات إلى أن لبنان وقبرص ينظران في هذه الزيارة فرصة لتعميق الحوار السياسي وتطوير الشراكات الاستراتيجية، خصوصًا في ظل استعداد قبرص لتولي رئاسة الاتحاد الأوروبي خلال الفترة المقبلة، ما يتيح للبنان تعزيز حضوره في الساحة الأوروبية والاستفادة من الدعم المؤسساتي والسياسي الذي توفره بروكسل.

وسيتم خلال اللقاء التطرق إلى ملفات أخرى ذات اهتمام مشترك، منها التعاون في مجالات النقل والمواصلات والموانئ البحرية، بالإضافة إلى مناقشة سبل تعزيز المبادلات التجارية والاستثمارات الثنائية، في وقت تشهد فيه المنطقة تطورات سياسية وأمنية دقيقة تتطلب توحيد الجهود للحفاظ على الاستقرار وتعزيز أطر التعاون الإقليمي.

وأكدت المصادر أن توقيت الزيارة القصيرة للرئيس القبرصي يعكس الحرص المتبادل على ترجمة الاتفاقات السابقة إلى خطوات عملية ملموسة، بما يضمن استثمار الإمكانات المشتركة وحماية المصالح الوطنية لكل من لبنان وقبرص. كما إن هذه الزيارة تأتي في سياق سعي بيروت لإيجاد قنوات دبلوماسية وداعمة لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتوطيد أطر التعاون مع شركاء دوليين وإقليميين قادرين على تقديم الدعم الفعلي، لا سيما في الملفات المتعلقة بالموارد الطبيعية والأمن البحري.