لبنان يثبّت بصناديق الاقتراع وضْع بناء الدولة... على السكة

تَقاسَمَتْ الزيارةُ بالغة الأهمية التي بدأها الرئيس اللبناني العماد جوزف عون للكويت أمس، المشهدَ في بيروت، مع الجولةِ الثانيةِ من الانتخابات البلدية والاختيارية التي جرتْ في محافظتي الشمال وعكار وانطبعتْ بارتفاعٍ في منسوبِ المعارك السياسية التي ارتدتْ لبوساً عائلياً - إنمائياً.

وقبل أن يغادر عون، بيروت، حرص على مواكبة مسار الانتخابات وتَتَبُّع كيفية إدارتها أمنياً حيث تَفَقَّدَ غرفة العمليات في قوى الأمن الداخلي في بيروت في إطار الحضّ على أن تكون المرحلةُ الثانيةُ من هذا الاستحقاق الذي مازال أمامه جولتان في بيروت والبقاع (الأحد المقبل) وأخيراً في الجنوب (24 الجاري) بلا شائبةٍ يمكن أن تقوّضَ «الأهداف الماكرو» التي وَضعها لبنان الرسمي نصب عينيه لعموم «بلديات 2025» بوصْفها حلقةً جديدة من المتغيرات المتسلسلة التي هبّت على «بلاد الأرز» منذ 9 يناير بانتخاب عون ثم تشكيل حكومة نواف سلام وبلورة أولوياتِ العهد على صعيد الإصلاحيْن المالي ومتمماته والسيادي بمفهومه السياسي كما الأمني الذي يتمحور خصوصاً حول سلاح «حزب الله».

وعبّر عون بوضوح عن البُعد الأبعد للاستحقاق البلدي الذي يرصده الخارج عن كثب، إذ أعلن «ان هذه رسالة الى الداخل والخارج مفادها بأن الدولة اللبنانية وضِعَت من جديد على السكة الصحيحة»، متطلعاً «أن يعطي الأمر انعكاساً إيجابيا للانتخابات النيابية في مايو 2025»، وجازماً «ان الاستحقاقات الدستورية ستُنفذ بوقتها»، ومتوجهاً إلى وزير الداخلية وكل الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية بضرورة «إنجاح هذه العملية كي نرسل للجميع الصورة الجيدة عن لبنان الذي نريده جميعنا، من شعب ومغتربين، وحتى إلى الخارج الذي يراقبنا ويتابعنا وينتظر منا هذا الأمل».

وإذ تحدثت تقارير عن احتمال قيام عون بزيارة لمصر والعراق في الثلث الأخير من مايو الجاري، وسط نفي مصدر رسمي لقناة «إل بي سي آي» وجود أي لقاء مرتقب في السعودية يجمع الرئيس اللبناني بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، وولي العهد رئيس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، والرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع، وفق ما ذُكر في إحدى وسائل الإعلام، لم يكن عابراً حرص رئاسة الجمهورية على إعلان أنها «تهيب بوسائل الإعلام عدم التطاول على أي جهة خارجية صديقة للبنان»، مؤكدة «أن حرية التعبير مقدسة لكن هذه الحرية لها مقتضيات ثابتة، أولها الحقيقة، وثانيها الانتظام العام في مجتمع ديموقراطي».

في موازاة ذلك، اتجهتْ العدساتُ إلى محافظتيْ الشمال وعكار، حيث دُعي نحو 910 آلاف ناخبٍ لانتخاب المجالس البلدية والاختيارية، وسط تَحوُّل صناديق الاقتراع ميزاناً شعبياً ذات إسقاطاتٍ متعددة البُعد خصوصاً على الأحجام وخرائط التحالفات التي يمكن أن تنسحب على الاستحقاق النيابي بعد نحو سنة.

وفيما اتسمت جولة الانتخابات أمس، باتساع رقعة الإشكالات عنها في جولة جبل لبنان، وإن لم تهدّد أمن الاستحقاق في ذاته، فهي شهدت حتى الخامسة عصراً أي بعد عشر ساعات على فتْح الصناديق وقبل ساعتين من قفلها نسبة اقتراع اعتُبرت غير كافية وناهزت 30 في المئة في محافظة الشمال و40 في عكار، في ظل رصْدٍ لِما إذا كانت سترسو على ما بلغته في آخِر انتخاباتٍ (2016) أي 45 في المئة.

على أن دوائر متابعة رأت أن حجم البلديات التي فازت بالتزكية (نحو 81 من أصل 289 بلدية في المحافظتين) ناهيك عن ارتفاع عدد من غادروا لبنان ليلتحقوا بـ «جمهورية المغتربين» ساهم في خفض نسبة الاقتراع، رغم الحماسة الكبيرة في الأقضية ذات الغالبية المسيحية التي قُرعت فيها طبول المعارك السياسية على عكس مناطق الثقل السني التي خيضت فيها مواجهات بدت «مسحوبة الدسم» السياسي في ضوء انكفاء «تيار المستقبل» (يقوده الرئيس سعد الحريري) عن الاستحقاق لتتحوّل المنازلاتُ بنكهةٍ عائلية طاغية ويغلب عليها طابع الخيارات الإنمائية.

وفي وقت كان عنوان المعركة بين 6 لوائح في طرابلس هو حفْظ التعددية (فوز مسيحيين وعلويين) في المجلس البلدي المؤلف من 24 عضواً، فإنّ أقضيةَ الشمال ذات الأكثرية المسيحية شهدتْ أكثر من مكاسرةٍ سياسية في البترون وزغرتا والكورة وبشري.

وفي حين لم تشهد مدينة البترون معركةً متكافئة بعدما أقرّ خصوم «التيار الوطني الحر» بأن لا مجال لمقارعة رئيسه جبران باسيل في عقر داره وصولاً لدعم الأخير لائحةً ضمت حتى أحد المحسوبين على «القوات اللبنانية»، فإن سائر بلدات وقرى القضاء عاشت مواجهاتٍ بعضها طاحن، أخفتْ «حرباً» لم تعد خافية على اتحاد البلديات الذي يُراد انتزاعه من التيار الحر.

وفي الإطار، جاء تحالف «القوات» والكتائب اللبنانية ومجد بطرس حرب في أكثر من بلدة خصوصاً تنورين وشكا في مقابل «التيار الحر» الذي وضع يده مع «تيار المردة» (يقوده النائب السابق سليمان فرنجية)، وهو ما امتدّ إلى زغرتا المدينة وبلدات القضاء حيث ارتسمت معارك على خط الاصطفاف نفسه وبهدف نهائي هو اتحاد البلديات.

وإذ بدتْ انتخابات قضاء بشري شبه محسومة سلفاً لمصلحة لوائح «القوات اللبنانية» في معقلها ومسقط رئيسها سمير جعجع (فازت 7 بلديات بالتزكية)، فإن عكار لم تخلُ من منازلاتٍ حامية تركّزت في مناطق مسيحية ولم تغب عن بلدات الثقل السني رغم اختلاف طابعها.