المصدر: الراي الكويتية
الثلاثاء 18 شباط 2025 21:57:53
للمرة الأولى منذ ربع قرن يعود الاحتلالُ الاسرائيلي ليَجثم على أراضي لبنانية كنتيجةٍ مباشرةٍ لنكسةِ حربِ الـ 65 يوماً التي زجّ فيها «حزب الله» البلادَ في إطار معركة إسناد غزة، لينفتح الواقعُ الداخلي على تحدياتٍ لم يخفّف من وطأتها انسحابُ تل أبيب أمس من آخِر عشر بلدات كانت لا تزال تحت سيطرتها، لتبقى ترابط في 5 مرتفعات استراتيجية على طول الحدود «لضمان الدفاع عن كل التجمعات السكانية الإسرائيلية وردع التهديدات الآتية من لبنان».
وفي الوقت الذي تَجَرَّعَ لبنان الرسمي هذه «الكأس المُرّة»، مؤكداً التصدي لـ «الاحتلال» وفق معادلة «الخيار الديبلوماسي لأن لا أحد يريد الحرب» كما أكد الرئيس جوزف عون، وذلك بعيد بيانٍ كان صدر عن لقاءٍ ثلاثي جَمَعَه برئيسيْ البرلمان نبيه بري والحكومة نواف سلام وخلص إلى التشديد «على حق لبنان باعتماد كل الوسائل لانسحاب العدو الاسرائيلي»، فإنّ تل أبيب تعمّدتْ ربْطَ خرْقها لاتفاق وقف النار (وهدنته الممدَّدة التي انتهى وقتُها الإضافي أمس) وتالياً بقاء قواتها في التلال الخمس بضمانِ التزام بيروت بموجباتها من الاتفاق – وفق التفسير الاسرائيلي – لجهة تثبيت جعْل جنوب الليطاني خالياً بالكامل من أي بنية عسكرية لحزب الله ونزع سلاحه في كل لبنان.
اليوم التالي إسرائيلياً
وارتسم الموقف الاسرائيلي من «اليوم التالي» لتمديد الاحتلال «من جانب واحد» من خلال:
- تأكيد وزير الدفاع يسرائيل كاتس أنه بموجب قرار المستوى السياسي «سيبقى الجيش الإسرائيلي اعتباراً من اليوم (أمس) في المنطقة العازلة في لبنان في خمس نقاط على طول خط الحدود وذلك لضمان الدفاع عن كل التجمعات السكانية الإسرائيلية وردع التهديدات الآتية من لبنان»، مشيراً إلى «إنشاء العديد من المواقع العسكرية على طول خط الحدود في الجانب الإسرائيلي».
وإذ شدد كاتس على مواصلة «تطبيق اتفاق وقف النار بالقوة» والعمل ضد أي انتهاك من حزب الله، قال: «ستستمر عمليات تطبيق الاتفاق التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي ضد حزب الله بكامل قوتها»، مؤكداً «لن نسمح بالعودة إلى واقع 7 أكتوبر، وعازمون على توفير الأمن الكامل لجميع البلدات الشمالية، وفق المبدأ الذي تم تأسيسه بعد السابع من أكتوبر وهو أن الجيش الإسرائيلي وحده سيضمن أمن البلدات ضد أي تهديد محتمل».
وأضاف: «في الوقت نفسه، سيواصل الجيش أنشطته لتطبيق فاعل للاتفاق ضد أي انتهاك من جانب حزب الله. وعلى الحزب الانسحاب بالكامل إلى ما وراء خط الليطاني، وعلى الجيش اللبناني فرض ذلك ونزع سلاحه تحت إشراف الآلية التي أنشئت تحت قيادة الولايات المتحدة».
- إعلان وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر «إذا التزم لبنان باتفاق 27 نوفمبر فلا داعي لبقائنا في النقاط الخمس»، مضيفاً: «ليس علينا الالتزام بالاتفاق في الوقت الذي يتملص لبنان منه».
واتهم تركيا بالتعاون مع إيران لدعم «حزب الله» قائلاً: «إيران تبذل مهولة لإعادة حزب الله لسابق عهده بالدعم المالي ويتم ذلك جزئياً بالتعاون مع تركيا».
وفي حين أوردت القناة 13 الإسرائيلية عن مصادر «أن الجيش سيتدخل في الأماكن التي لا يوجد فيها الجيش اللبناني وسيتعامل مع أي انتهاك»، بالتوازي مع تأكيد «يديعوت أحرنوت» أن الجيش الإسرائيلي سيردّ بشكل قوي على أي محاولة لتعريض قواته في النقاط الخمس للخطر«فإنّ لبنان مضى في مواجهةِ هذا التطوّر المدجَّج بالفتائل العسكرية والدبلوماسية والسياسية باستراتيجيةٍ توائم بين عدم القدرة على التسليم باحتلالِ أجزاء من أرضه وعدم الرغبة في الانزلاقِ مجدَّداً إلى حربٍ أعطى إشارةً واضحةً من خلال البيان الوزاري لحكومة سلام إلى أن قرارَها بات من الآن وصاعداً في يد الدولة«التي تحتكر حمل السلاح».
لبنان... إلى مجلس الأمن دُر
وإذ لم يكن ممكناً استشرافُ الإشكالية التي سيتسبّب بها «الاحتلال الجديد» لجهة «أيهما أولاً» الانسحاب الاسرائيلي أو وضْع سلاح «حزب الله» على طاولة الحلّ «الملبْنن»، كما أوحى الرئيس عون أول من أمس، فإن أوساطاً مطلعة ترى أن الموازين الجديدة المحلية كما الإقليمية لم تعُد تتيح للحزب ولا للبنان التذاكي أو اللعب على الوقت ما دامت «أنوف» الطائرات الإسرائيلية تحوم فوق جنوب الليطاني وشماله متصدّية لِما تزعم انه انتهاكات لمندرجات اتفاق وقف النار لجهة إعادة تكوين مخزون حزب الله العسكري وتلقيه أموالاً للتسلّح أو حصول تحركات يُشتمّ منها خطر وشيك أو في «طور التشكل» أينما كان في لبنان، وهو ما عبّرت عنه في الأيام الأخيرة الغارات في البقاع وصيدا (اغتيال قائد عمليات حماس في لبنان) وأزمة الطيران الإيراني التي وضعت مطار بيروت تحت «العين الحمراء» الإسرائيلية.
ولم يكن عابراً حرص لبنان الرسمي أمس على ملاقاة الانسحاب الاسرائيلي الناقص بموقف واحد، عاود تظهير صورة «الترويكا» الرئاسية (للرؤساء عون وبري وسلام) التي اجتمعت في القصر الجمهوري وحددت في بيان لها «خريطة طريق» التعاطي مع المرحلة المقبلة وآلياتها.
وأكد المجتمعون «ضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي اللبنانية المحتلة، التزاماً بالمواثيق والشرع الدولية، وبقرارات الأمم المتحدة وفي مقدمها الـ 1701، والتزام لبنان الكامل بهذا القرار بكامل مندرجاته وبلا أي استثناء».
وإذ شددوا على «دور الجيش اللبناني واستعداده التام وجهوزيته الكاملة لاستلام مهامه كافة على الحدود الدولية المعترف بها بما يحفظ السيادة الوطنية ويحمي أبناء الجنوب اللبنانيين، ويضمن أمنهم واستقرارهم»، ذكروا «بالبيان المشترك الصادر عن رئيسي كل من الولايات المتحدة وفرنسا«عشية إعلان وقف النار في 26 نوفمبر وخصوصاً لجهة تأكيد الرئيسين حرفياً على التالي: «ستعمل الولايات المتحدة وفرنسا مع إسرائيل ولبنان، لضمان تنفيذ هذا الترتيب وتطبيقه بالكامل ولا سيما الفقرة 12 التي أكدت بوضوح تام على«تنفيذ خطة مفصلة للانسحاب التدريجي والنشر بين قوات الدفاع الإسرائيلية والقوات المسلحة اللبنانية، على ألا يتجاوز ذلك 60 يوماً».
وإزاء تمادي إسرائيل في تنصلها من التزاماتها وتعنّتها في نكثها بالتعهدات الدولية، أعلن المجتمعون«التوجه إلى مجلس الأمن الدولي، الذي أقر القرار 1701، لمطالبته باتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة الخروق الإسرائيلية وإلزام إسرائيل بالانسحاب الفوري حتى الحدود الدولية»، و«اعتبار استمرار الوجود الإسرائيلي في أي شبر من الأراضي اللبنانية احتلالاً. مع كل ما يترتب على ذلك من نتائج قانونية وفق الشرعية الدولية».
كما تمسكوا بـاستكمال العمل والمطالبة عبر «اللجنة التقنية العسكرية للبنان»، و«الآلية الثلاثية»، اللتين نص عليهما «إعلان 27 نوفمبر من أجل تطبيق الإعلان كاملاً»، ومتابعة «التفاوض مع لجنة المراقبة الدولية والصليب الأحمر الدولي من أجل تحرير الأسرى اللبنانيين المحتجزين لدى إسرائيل».
وشددوا على «تمسك الدولة اللبنانية بحقوقها الوطنية كاملة وسيادتها على كامل أراضيها، والتأكيد على حق لبنان باعتماد كل الوسائل لانسحاب العدو الاسرائيلي».
لا للحرب نعم للدولة
وبعد هذا البيان وأمام وفد من «نادي الصحافة»، أعلن الرئيس جوزف عون، أن «لبنان يواصل اتصالاته الدبلوماسية مع أميركا وفرنسا لاستكمال الانسحاب الإسرائيلي مما تبقى من الأراضي التي احتلتها في الحرب الأخيرة، والقرار اللبناني موحّد في اعتماد الخيار الدبلوماسي، لأن لا أحد يريد الحرب، بل يريد الدولة».
وأكد أن «ليس هناك حصار على الطائفة الشيعية كما يروّج البعض، والإجراءات المتّخذة في حق شركات الطيران الإيرانية مرتبطة بالعقوبات المفروضة عليها، والطائفة الشيعية جزء أساسي من الجسم اللبناني وليست غريبة عنه»، وموضحاً ان«عملية الإعمار لن تكون بين ليلة وضحاها، وهي مرتبطة بشكل أو بآخر بالإصلاحات ومحاربة الفساد». وإذ شدد على أن«علينا مقاربة التطورات بروية من دون تشنج ولا تخوين، واللبنانيون سئموا العيش بين المتاريس بعدما دفعوا الثمن غاليا»، قال:«الدولة باتت مسؤولةً عن ضبط الأمن والحدود بعدما استعادت قرارها، وهو قرار اللبنانيين وحدهم».
هل من فصل سابع؟
وفي موازاة ذلك، وعلى وقع تقارير أشاعت أنّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمهلت الحكومة اللبنانية شهراً واحداً لانتشار الجيش اللبناني ونزع سلاح الميليشيات، وعلى رأسها حزب الله«وإلّا ستضطر لإدراج لبنان ليكون تحت الفصل السابع وإرسال قوات دولية لتنفيذ القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة المتمثلة بالـ 1701 و1559»، نفى وزير الخارجية يوسف رجي هذا الأمر مؤكداً أنه«لم يتم إبلاغ لبنان رسمياً من الولايات المتحدة بهذا الشأن».
وأوضح أنه التقى السفيرة الأميركية ليزا جونسون، «حيث تمت مناقشة العديد من المواضيع، ولكن لم يتم طرح موضوع الفصل السابع خلال اللقاء»، لافتاً إلى أن ما قيل عن وقف المساعدات الأميركية إلى لبنان يرتبط بالمساعدات عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) «التي توقفت على المستوى العالمي»، لكنه أكد أن المساعدات العسكرية للجيش اللبناني لم تتوقف«بل من المتوقع أن ترتفع، حيث ستقدم واشنطن حزمة جديدة من المساعدات له».
وفي ما يخص لقاءه بالسفير الإيراني مجتبى أماني، أوضح رجي، أن «اللقاء كان لبحث العلاقات الثنائية بين لبنان وإيران»، موضحاً في ما خص أزمة الطيران الإيراني أنه«طلب من شركة طيران الشرق الأوسط تنظيم رحلات إلى إيران لإعادة اللبنانيين العالقين، مع تأكيد أهمية احترام السيادة اللبنانية»، من دون أن يستبعد فرضية إعادة هؤلاء«عبر العراق أو أي دولة أخرى».
أزمة الطيران الإيراني... تابِع
وفي الوقت الذي بدأ تمديد لبنان تعليق الرحلات مع إيران يَترافق مع تَقارير لم تَستبعد تشدُّداً في الإجراءات تجاه المسافرين الآتين من العراق وضمان عدم نقل أموال معهم تصل إلى«حزب الله»، فإنّ هذا المناخ بات يظلّل محطة تشييع السيد حسن نصر الله وخليفته السيد هاشم صفي الدين يوم الأحد وسط خشيةٍ من أن يرتفع منسوبُ الاحتقان الذي كان انفجر، ثم هدأ، غداة انكشاف أزمة الطيران الإيراني، التي باتت الاسم الحرَكي لصراعٍ يَعتبر الحزب أنه يدور حول الإعمار الذي تَرفض تل أبيب أن يحصل ويريد الخارج أن يُحصر - بحسب الحزب - بالدولة اللبنانية كمدخل لفرض الشروط ذات الصلة بسلاحه.
وكان لافتاً ربْط قريبين من«الممانعة»، ما يَجري على هذا الصعيد بحدَثِ التشييع ومحاولة التضييق على الوفود الآتية من أكثر من دولة (خصوصاً إيران والعراق)، علماً أن «جغرافية مراسم الوداع في مدينة كميل شمعون الرياضية ومحيط مطار بيروت فرضت على سلطات المرفق الجوي الوحيد في البلاد تعليق حركة الإقلاع والهبوط منه وإليه، ابتداء من الساعة الثانية عشرة ظهراً وحتى الساعة الرابعة من بعد ظهر اليوم عينه، بحسب التوقيت المحلي».
الحافة الحدودية... دمار شامل
وكان يوم الانسحاب غير المكتمل شهد تَراجُع الجيش الاسرائيلي من يارون، مارون الراس، بليدا، ميس الجبل، حولا، مركبا، العديسة، كفركلا، الوزاني ومحيبيب، وقد دخلها الجيش اللبناني حيث باشرت فرقه من فوجَي الهندسة والأشغال بإزالة السواتر الترابية ومسح الطرق الرئيسية من الذخائر والقذائف غير المنفجرة، بالتوازي مع تسيير قوات«اليونيفيل» دوريات في تلك البلدات.
وصُعق الأهالي الذين دخلوا بلداتهم بأنهم عادوا إلى منازل لم تعد موجودةً وبعضهم إلى قرى لم يبق فيه بيت واحد، مثل كفركلا حيث كانت الصدمة بالعثور على عنصرين من حزب الله وهما على قيد الحياة، أحدهما من الجنوب والآخر من البقاع، بعد فقدان الاتصال بهما لأكثر من ثلاثة أشهر.
النقاط الخمس المحتلة
أبقى الجيش الاسرائيلي على احتلاله لخمس نقاط إستراتيجية داخل الأراضي اللبنانية، هي:
- تلال اللبونة في خراج الناقورة وتقابلها أبرز مستوطنات الجليل الغربي من روش هانيكرا إلى شلومي ونهاريا.
- جبل بلاط بين مروحين ورامية تقابله مستوطنات شتولا وزرعيت.
- جل الدير وجبل الباط في خراج عيترون وتقابلهما مستوطنات أفيفيم ويفتاح والمالكية.
- نقطة الدواوير على طريق مركبا – حولا ويقابلها وادي هونين ومستعمرة مرغليوت.
- تلة الحمامص وتقابلها مستعمرة المطلة.