المصدر: الشرق الأوسط
The official website of the Kataeb Party leader
الثلاثاء 7 شباط 2023 06:20:07
كتبت حنان مرهج في الشرق الاوسط:
نال اللبنانيون من الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا، أمس (الاثنين)، نصيبهم من الخوف والرعب، خصوصاً سكان بيروت الذين لم ينسوا بعد الارتجاجات التي تسبب فيها انفجار المرفأ قبل نحو عامين والذي خلف ضحايا وجرحى وأضراراً في نصف مباني العاصمة.
فجر أمس استفاق اللبنانيون على هزّة أرضية بلغت 5 درجات واستمرّت نحو 40 ثانية، وتفاوتت قوتها بين منطقة وأخرى، لتزرع الهلع والذعر والرعب وتخرج مئات من منازلهم فجراً إلى الشوارع والأماكن البعيدة نسبياً من المباني، خصوصاً أنهم ظلوا لدقائق يشعرون بالهزات الارتدادية.
الزلزال لم يخلف في لبنان سوى أضرار مادية وتشققات في بعض الأبنية وسقوط جدار هنا وهناك، من دون أن يتعرض أي مواطن لإصابات، وفق ما أكد وزير الداخلية بسام مولوي، والأمين العام للصليب الأحمر اللبناني جورج كتانة.
وفي وقت أعلن فيه مولوي حالة طوارئ بلدية واستنفار كوادر البلديات واتحادات البلديات والقائمقامين، وإجراء مسح للأضرار الناتجة عن الهزة الأرضية التي ضربت لبنان، وتقديم المساعدة اللازمة لمنع وقوع أي ضرر قد يهدد حياة المواطنين وسلامتهم، كشف الأمين العام لـ«الهيئة العليا للإغاثة» اللواء محمد خير، لـ«الشرق الأوسط»، عن خطّة وطنية للكوارث منجزة منذ 4 سنوات، «يعمل بموجبها تلقائياً وعند حصول أي كارثة بيئية أو غيرها؛ كل من الوزارات المختصة والإدارات التابعة لها في المناطق»، ليلفت لاحقاً إلى أن هذه الخطّة «بدائية»، وتتضمن إرشادات وتوجيهات؛ «إذ إنه لا يمكن التنبّؤ بحدوث زلازل أو هزّات». وأشار خير إلى أن «التنسيق جار مع البلديات كافة، ومرجعية المواطنين اليوم البلدية في مناطقهم أو القائمقام».
وكانت «دائرة العلاقات العامة» في بلدية بيروت أعلنت في بيان أن محافظ مدينة بيروت القاضي مروان عبود، بالتنسيق مع المجلس البلدي لمدينة بيروت، طلب من الدوائر الفنية المختصة في البلدية أن تكون على أهبة الاستعداد للتدخل عند حصول أي طارئ قد يحصل جراء العوامل الطبيعية أو غيرها، ولتجنب أي خطر أو ضرر قد يلحق بالمواطنين.
كما طلب المحافظ عبود من المواطنين وسكان العاصمة الاتصال فوراً ليصار إلى إرسال مهندسين وفنيين من مصلحة الهندسة في بلدية بيروت للكشف الفوري، عند رؤية أي تشققات أو تصدّعات ظاهرة في الأبنية أو المنازل على أثر الهزة الأرضية التي ضربت لبنان فجر الاثنين.
هذه الهزة القويّة التي لامست 5 درجات على مقياس «ريختر»، وما لحقتها من هزّات أخرى ارتدادية أخفّ، ستستمرّ إلى ما بعد ظهر اليوم (الثلاثاء) وربما إلى غد (الأربعاء)، وهي ارتدادات لزلزال كبير بلغت قوته 7.9 درجة على مقياس «ريختر»، ضرب جنوب تركيا، وكانت له ارتدادات قوية جداً على سوريا، وأخف على لبنان وقبرص والأردن والعراق ومصر، وفق ما أشارت إليه مديرة «المركز الوطني للجيوفيزياء»، مارلين البراكس، لـ«الشرق الأوسط». ولفتت إلى أن «الهزّات القوية تحدث الآن في تركيا ونشعر بها في لبنان، كذلك الهزّات الارتدادية الناتجة عنها، وهناك احتمال ضئيل جداً بحدوث هزة قوية في لبنان، وهذا الأمر مستقل عما حدث في تركيا، لكن هذا الاحتمال دائماً موجود قبل حدوث هذه الهزة وبعدها، كون لبنان يقع على خط (فالق المشرق)».
وعن الأسباب الرّئيسية المسببة للهزّة المدمّرة التي ضربت تركيا، أوضحت البراكس أن «السّبب وجود تركيا، وأيضاً لبنان وسوريا، على حدود صفيحتين تكتونيتين، والضغط الذي يكوّنه (فالق المشرق) يؤدّي إلى تحرّك الصفيحتين والطبقات الجوفية الباطنية، وتنتج عنه هزة أرضية». وطمأنت البراكس اللبنانيين بأن «كل الهزات التي يمكن أن تحدث ارتداداً للهزة الأولى ستأتي على درجات متدنية من القوة، ولن تشكّل أي خطر، ولا داعي للخوف، فحصول ارتدادات أمر طبيعي».
هذه الهزّة التي أرعبت اللبنانيين، فتحت الباب على مصراعيه على أسئلة عدّة حول الأبنية اللبنانية وهل هي مجهّزة لاحتمال حدوث زلازل أو هزّات، وعند إعطاء رخص البناء، هل يؤخذ في الحسبان احتمال حدوث أي هزّات. وقال رئيس «الجمعية اللبنانية للتخفيف من أخطار الزلازل» المهندس راشد سركيس، لـ«الشرق الأوسط»، إن لبنان «لم يتخذ أي تدابير بالنسبة إلى موضوع الزلازل حتى عام 1997؛ حيث قام وزير الأشغال العامة يومها المهندس علي حراجلي بوضع مراسيم وشروط فنية تفتح الأفق أمام التغيّرات الواجبة في النصوص القانونية والتنظيمية لمراعاة الحاجات التي تتطلّبها مقاومة الزلازل»، ليشير إلى أنه «في أواخر عام 2004 صدر قانون البناء الحالي الذي أتى على ذكر القوة الأفقية للزلازل التي يجب أخذها في الحسبان خلال دراسة الإنشاءات في الأبنية التي ستشيّد بموجبه. مع حد أدنى لا يمكن أن يقل عن 0.2G، وصدر بعده مباشرة في ربيع 2005 مرسوم السلامة العامة الذي فرض احترام معايير مقاومة الزلازل في الأبنية التي ستشيّد بعد صدور هذا المرسوم، من دون استثناء. أما في عام 2012؛ فقد جرى تعديل مرسوم السلامة العامة وجرى تحديد العامل الزلزالي بـ0.25G، على أن تخضع أبنية معيّنة لتدقيق فني، في حين يبقى الشرط الملزم لكل الأبنية بتوفير شروط مقاومة الزلازل».
ورداً على سؤال عما إذا كانت الرخص الهندسية تأخذ في الحسبان موضوع الهزات في لبنان، أكد سركيس أن «المهندس المسؤول يقدّم تعهداً يأخذ به على عاتقه كل المسؤولية لقيام البناء واحترام النصوص القانونية والتنظيمية المرافقة كافة، وأهمها مرسوم السلامة العامة في الأبنية والمنشآت، وهذا لا يكفي؛ لأن هناك بعضاً من منشئي الأبنية الذين لا يحترمون هذه المعايير ويتخطون في كثير من الأحيان إرادة المهندس المسؤول، كما أن هناك بعض المهندسين الذين يتهاونون في الأمر، مما يسبب إشكالات فنية ومهنية من دون حدود». ليكشف سركيس عن أن «خرقاً كبيراً مارسته السلطات في الوزارات؛ حيث نُفّذت مشاريع إنشاءات عدة من دون التدقيق الفني الذي كان ليوقف الكثير منها؛ لأنها لا تستوفي الشروط الفنية المقبولة ولا المعايير ذات الصلة».
وفي وقت أكد فيه سركيس أن لبنان معرّض بكل مناطقه للزلازل من دون استثناء أي بقعة فيه؛ «لأنه يشقه من أقصى جنوبه إلى أقصى شماله فالق رئيسي تتشعب عنه فوالق ثانوية، وهو ممتد على طول الفالق وعرضه المنحسر»، أضاف: «من الطبيعي جداً أن تكون المناطق المحاذية للفوالق المعروفة (اليمونة - روم - سرغايا...) أكثر خطراً، في حين يبقى البناء غير المطابق للمعايير هو المكان الأكثر خطورة في هذه الحال».
وعن التقنيات الهندسية التي تستعمل لمقاومة الهزات، قال سركيس: «هناك معايير ومواصفات يجب اعتمادها في التصميم والتنفيذ؛ من أهمها وجود جدران حاملة بالاتجاهين تأخذ القوة الأفقية في حال حدوثها، والتشبيك الكامل بين أجزاء البناء العائدة للإنشاءات الخرسانية والمعدنية وما بينهما... وهناك برامج تساعد المهندسين على التدقيق في المعطيات التي يتوصلون إليها في التصميم التمهيدي، ويمكن بكل سهولة الوصول إلى بناء مقاوم للزلازل بشكل محترف ويطبّق المعايير من دون أدنى شك، فالبناء هذا يكون حاضراً لتحمل الزلزال مهما بلغت قوته، ويحمي القاطنين فيه».
ونظراً إلى هول المأساة التي حلت في تركيا، فقد قرر الجيش اللبناني إرسال فرقة من «فوج الهندسة» إلى تركيا للمساهمة في أعمال البحث والإنقاذ.