لعبة "بوكر الطاقة" الروسية تصير أكثر رعباً... شبح الركود يهدد العالم

منذ وقت ليس ببعيد، بدا كأنّ لعبة "بوكر الطاقة" التي تلعبها أوروبا وروسيا، تحت السيطرة على الرغم من خطورتها. فكان قطاع النفط والغاز من بين القطاعات القليلة التي لم تستهدفها العقوبات الأوروبية. كما استمرت روسيا بتأمين الإمدادات من الغاز إلى الدول الأوروبية.

 وعلى الرغم من أن أوروبا كانت تدرس فرض حظر على واردات الطاقة، ورغم مطالبة روسيا في أواخر آذار، الدول "غير الصديقة" بأن تدفع ثمن شحناتها القادمة من الغاز بالروبل الروسي  (بدلا من اليورو أو الدولار)، وإلا تعمل روسيا على قطعها، اعتقد كل جانب أن الآخر يفتقر إلى الشجاعة للتصعيد. ففي نهاية المطاف، تستورد أوروبا 40 في المئة من غازها من روسيا، كما تجني روسيا بدورها عائدات من مبيعاتها، تبلغ قيمتها 400 مليون يورو (أي ما يعادل 422 مليون دولار) يوميا.

لكن في 27 نيسان، رفعت روسيا من سقف رهانها. حيث توقفت شركة الطاقة العملاقة "غازبروم"، المملوكة للدولة، عن إرسال الغاز إلى بلغاريا وبولندا بعد أن تخلفت عن المواعيد النهائية التي حددتها موسكو للدفع بالروبل. ومن جانبه يسعى الاتحاد الأوروبي  جاهدا للردّ على هذه الخطوة . وعليه، عاودت أسعار الغاز الأوروبية ارتفاعها الكبير اي بمقدار الخمس، بعدما شهدت انخفاضا قليلا منذ ذلك الحين.

وفي هذا السياق، يعتبر التأثير الفوري لخطوة روسيا الأخيرة، التي وصفها الاتحاد الأوروبي بأنها "خرق للعقد"، محدود النطاق. بحيث تمثل واردات بولندا، البالغة 10 مليارات متر مكعب سنويا، وبلغاريا، البالغة 3 مليارات متر مكعب، مجتمعة 8 في المئة فقط من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي. كما كان من المقرر أن ينتهي عقد بولندا مع روسيا في كانون الثاني على أي حال، وبالتالي فإن قيمة الإيرادات التي ستخسرها روسيا بسبب خرقها، صغيرة.

ومن جانبه أفاد شي نان، من شركة "ريستاد إنرجي"، انه بإمكان كل من بلغاريا وبولندا التأقلم مع هذا الوضع، رغم اعتمادهما الكبير على الغاز الروسي. ومن المتوقع أن تبدأ بولندا في تلقي الغاز من النرويج في تشرين الأول. ويمكن أن تساعدها محطات إعادة تحويل الغاز على استيراد المزيد من الغاز الطبيعي المسال. ومن المتوقع أن تبدأ بلغاريا استيراد الغاز الأذري عبر اليونان في وقت لاحق من هذا العام.

عقب قطع موسكو الغاز عن بولندا وبلغاريا، بدا مصير باقي الدول الأوروبية غير معروف حتى الآن. وقد تعكس المواعيد النهائية التي حددتها روسيا للدفع بالروبل جزئيا تفاصيل العقود غير العلنية لكن من المتوقع ان تسقط في شهر أياربحسب ما ذكرت مجلة" الإيكونوميست". وقد يترتب على ذلك مخاطر كبيرة. ولا يعود السبب إلى حاجة أوروبا للغاز الآن بحيث ينحسر الاستهلاك مع ارتفاع درجات الحرارة بل لأن مخزونات الكتلة تبلغ 33 في المئة فقط من سعة التخزين.

ومن جانبها حثت المفوضية الأوروبية الدول الأعضاء على ضمان امتلاء منشآتها بنسبة 80 في المئة بحلول تشرين الثاني  مما يعني ضمناً ارتفاعاً حاداً في الطلب على الطاقة في المستقبل.

وتجدر الإشارة إلى ان روسيا قد تحرم نفسها من الأموال التي تحتاجها لتمويل حربها المكلفة والطويلة على أوكرانيا في حال قطعت الغاز عن كبار المستوردين. إذا من الذي سيضعف أولا؟

فقد استبعد معظم المشترين الأوروبيين بالفعل قرار الدفع مباشرة بالروبل لكن موسكو تقدم حلا وسطا. بحيث اقترحت ان يفتح المشترون حسابين لدى "غازبروم بنك" (مقرض لا يخضع للعقوبات). ويدفع المشترون باليورو (في حسابهم الأول) إلى الأول، ويطلبون من البنك تحويل المبلغ إلى روبل وإيداع الأموال في الحساب الثاني، الذي سيتم تحويله بعد ذلك إلى "غازبروم".

وفي هذا الإطار، لم يرحب الكثير من الدول الأوروبية بهذه الخطة التي تعتبر استسلاما للإبتزاز الروسي وتخاطر بخلق صداع قانوني. وعليه، تشهد الدول انقساما إلى ثلاث مجموعات، بحيث تستورد المجموعة الأولى، التي تضم بلجيكا وبريطانيا وإسبانيا، القليل من الغاز مباشرة من روسيا أو لا تستورده على الإطلاق، وترفض بذلك تقديم تنازلات. وتضم المجموعة الأخرى مشترين كباراً مثل ألمانيا وإيطاليا اللتين تكافحان من أجل استبدال الواردات بسرعة وربما قد يقبلان بصفقة روسيا. وأخيرا تشمل المجموعة الثالثة، الدول المترددة التي تعتمد جزئياً على روسيا فقط، وقد تنتهي صلاحية عقودها قريباً.

وقد يترتب على هذا الوضع عواقب كثيرة. بحيث يمكن أن يؤثر بلد ما، معزول بشكل غير مباشر على بلدان أخرى، إذا مر الغاز عبره إلى أماكن أخرى مثلا. كما أنه ليس من الواضح بعد من الذي سيقبل التسوية الروسية، أو ما إذا كانت روسيا قد تغلق صنابير الغاز في نهاية المطاف.

وقد تتعثر أسواق الغاز إذا قطعت روسيا امداداتها عن المانيا. فأسعار الطاقة في أوروبا هي ستة أضعاف ما كانت عليه قبل عام. الأمر الذي قد يجذب المزيد من الغاز الطبيعي المسال من بقية العالم ويتسبب بدوره في ارتفاع الأسعار في أماكن أخرى. وقد يعتقد جاك شاربلز من معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، أن وقف تدفق امدادات الغاز الروسي إلى أوروبا، قد يتسبب  بركود عالمي بحيث أصبحت لعبة البوكر في روسيا تأخذ منحى تصاعديا أكثر رعبا.