لغز الاتصالات بين بري وواشنطن: مسار خلفي يتقدّم وساطة مصر؟

تتحرّك مسارات التفاوض في المنطقة كخطوط متوازية لا يلتقي معظمها… ويحاول كلّ طرف أن يحقق منها ما يستطيع. إلا أنّ ما يجري في الكواليس اللبنانية يوحي بأنّ هناك من يحاول جمع هذه الخطوط في نقطة واحدة. وكالعادة، يتقدّم الرئيس نبيه بري الواجهة، ليس فقط بصفته رئيساً لمجلس النواب، بل باعتباره اللاعب الأكثر قدرة على إدارة الخيوط الحساسة بين حزب الله والغرب.  وتشير معطيات سياسية إلى وجود مسار تفاوضي موازٍ للمسار الرسمي الذي تتولّاه الدولة عبر آلية "الميكانيزم"، يعمل بهدوء وبعيداً عن الأضواء.

عودة حرارة… فوق العادة

شهدت الأيام الأخيرة عودة زخم لافت في التواصل بين نبيه بري والولايات المتحدة، مع إعادة إحياء "الانسجام" بينه وبين السفير الأميركي ميشال عيسى. وقد برز ذلك من خلال زيارتين متتاليتين للسفير إلى عين التينة خلال أقلّ من 24 ساعة، ما أثار الانتباه إلى طابع هذا الحراك وأطلق موجة واسعة من التساؤلات: ماذا يحدث خلف الأبواب المغلقة؟
مصادر عين التينة تؤكد أنّه على وجود "انسجام" بين بري وعيسى، وأن اللقاءات  تثبت وجود خط اتصال مباشر بينهما، لتفادي أي التباسات في مرحلة تصبح فيها الإشارات السياسية أثقل من التصريحات. فواشنطن التي لا تمتلك أي قناة رسمية مع حزب الله أو حركة أمل ترى في بري نافذتها إلى المزاج الشيعي، وتتعامل معه كـ"الوسيط" الذي يمكن أن يخفف الكثير من الاحتكاكات. وكان هذا الجو واضحاًً من تصريحات السفير من على منبر الرئاسة الثانية.
السفير عيسى، الذي بات يدير الملف اللبناني كاملاً منذ وصوله، لا يضيّع الوقت: لقاءات مكثفة، زيارات غير متوقعة، وتوسيع لدائرة محادثاته لتشمل شخصيات أوروبية مثل الموفد الفرنسي جان إيف لودريان. كل ذلك يوحي بأنّ شيئاً ما يُطبخ… على نار مدروسة.

القاهرة تدخل… من الباب الهادئ

لكن المفاجأة الأكبر ليست في عين التينة، بل في بيروت نفسها. فوفق معلومات خاصة لـ"المدن"، دخلت وساطة مصرية قوية على خط العلاقة بين الثنائي الشيعي وواشنطن. والأهم: لقاء غير معلن جمع وزيرة الخارجية المصرية بدر عبد العاطي مع  ممثل عن حزب الله في أحد فنادق العاصمة.
بقي اللقاء بعيداً عن الإعلام ومن دون "الإعلان" عنه، لكن نتائجه قد تقود إلى فتح طريق جديدة نحو القاهرة، وربما مشاركة وفد من حركة أمل في اجتماعات لاحقة. مصادر دبلوماسية تصف الأجواء بـ"الجيدة"، وتؤكّد أنّ مصر تتحرك بذكاء لجمع الأطراف حول نقاط مشتركة. وتقول مصادر سياسية مطّلعة إن هذا المسار الذي استجد قابله الإعلان الرسمي لرئيس الجمهورية عن بدء التفاوض عبر إدخال السفير سيمون كرم إلى الميكانيزم.

ليونة أميركية… أم فخ محسوب؟

في الخلفية، تستمر الحركة الأميركية على مسارين:
-  ميشال عيسى يتولى السياسة اللبنانية .
- مورغن أورتاغوس تمسك بملف التفاوض بين لبنان وإسرائيل، وتستعد، في حال نجحت المفاوضات، لقيادة عملية بناء أي اتفاق اقتصادي في الجنوب.
مصادر "المدن" أشارت إلى أنّ واشنطن تحاول "تلطيف الأجواء" مع الثنائي الشيعي تمهيداً لأي تفاهم مقبل، بينما مصادر قريبة من حزب الله تحذّر من أنّ الأميركي لا يقدّم ليونة بلا مقابل… وقد تكون هذه المرة مجرد خطوة في لعبة أكبر.

باراك… الحاضر الغائب

ورغم غيابه، يبقى باراك "شبحاً" حاضراً في كل حركة دبلوماسية. مصادر مطلعة تؤكد أنّ معظم الموفدين يعملون برؤية كان قد أعلن عنها. فالرجل كان واضحاً حين قال إنّ واشنطن لا تمانع في الحوار مع حزب الله، وربما تساعده على التحرر من النفوذ الإيراني، فكرة لا تزال تتردد في الكواليس الدبلوماسية.
وربما هنا تحديداً يكمن سر "النعومة الأميركية" المستجدة: هل هي محاولة لاختبار فتح باب جديد مع الحزب؟ أم مجرد خدعة للحزب بإخراج جديد؟