لقاء روكز والمعارضة العونية: امتعاض من أداء باسيل يشمل روكز كلودين وميراي

أثار اللقاء العلني الذي جمع، يوم الأحد الماضي، النائب في تكتل «لبنان القوي» شامل روكز بعدد من المعارضين العونيين البارزين المفصولين من «التيار الوطني الحر» أكثر من علامة استفهام حول الخلفية والتوقيت بحسب صحيفة الشرق الأوسط، خصوصاً أنه أتى مباشرة بعد إعلان فوز اللائحة التي يترأسها وزير الخارجية جبران باسيل بالتزكية، ليقود التيار بذلك لولاية ثانية، في ظل تنامي اعتراضات عدد من المؤسسين والمناضلين القدامى على أداء باسيل، سواء داخل التيار أو سياساته العامة على الصعيد الوطني.
وتم في الساعات الماضية نشر صور للاجتماع الذي جمع روكز وزوجته، كلودين عون، وهي ابنة الرئيس عون، بمجموعة المؤسسين والمناضلين العونيين المعارضين لوزير الخارجية، مما دفع البعض للحديث عن توجه روكز لقيادة الحركة الاعتراضية التي بدأها هؤلاء قبل فترة. لكن روكز أوضح أن ما حصل هو أنه استضاف عدداً من المدعوين إلى مأدبة غداء، بينهم مناضلون قدامى في «التيار الوطني الحر» تجمعه بهم علاقة صداقة، مستغرباً الضجة التي أثيرت حول الموضوع، ومعلقاً: «وكأنني استضفت مطلوبين دوليين أو للسلطات المحلية، علماً بأنني ألتقيهم دائماً».
وفي المقابل، قال مصدر كان حاضراً في اجتماع الأحد، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الجديد في اللقاء أنه تمت تسمية الأمور بأسمائها، وظهر جلياً أن الامتعاض من أداء باسيل يشمل روكز وابنتي عون، كلودين وميراي، على حد سواء... وكأن الكوب قد فاض».
وشدد روكز، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أن «جمع هؤلاء مفخرة له، وليس تهمة، تماماً كمحاولات بناء صداقات مع مختلف القوى والعاملين بالشأن السياسي، لأننا بالنهاية نعمل بالسياسة، وليس بالتناحر»، لافتاً إلى أن «الحديث عن وجوب تصويب المسار في عمل (التيار) نبحثه دائماً، معهم ومع سواهم».
وعد روكز أن «فصل هؤلاء المناضلين والمؤسسين موضوع مرتبط بخلافات شخصية لا علاقة لي به، فنحن بالنهاية من الجو السياسي نفسه، أضف أنني لست عضواً في حزب (الوطني الحر)». ووصف روكز علاقته بباسيل بـ«العادية»، موضحاً أنه يقاطع اجتماعات تكتل «لبنان القوي» منذ تمايزه بموضوع حقوق العسكريين المتقاعدين الذي تم بحثه بإطار موازنة عام 2019، مضيفاً: «لكن بالنهاية لا شيء يمنع من حضور الاجتماعات مجدداً في وقت ما».
ولم يكن الخلاف حول إعادة النظر بالتقديمات المرتبطة بالعسكريين بإطار الموازنة الأول من نوعه بين روكز وقيادة «التيار»، فقد تمايز في أكثر من محطة، سواء عند احتدام الخلاف بين باسيل ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، أو أخيراً على خلفية حادثة الجبل بين «الحزب التقدمي الاشتراكي» و«الحزب الديمقراطي اللبناني».
وقال المصدر الذي كان حاضراً اللقاء، وهو من مؤسسي «الوطني الحر»، إنه «لا أحد يتحدث عن تحالف سياسي مع روكز بوجه باسيل أو سواه، فكلنا بالنهاية قلقون من الوضع العام في البلد، وعلى الديمقراطية داخل التيار»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «الهدف ليس قيادة روكز حركة تصحيحية أو حزب جديد، باعتبار أن حركتنا أصلاً قائمة وتتطور، ونحن حالياً نقوم بخطوات متلاحقة، وستتكثف وتكون بوتيرة أسرع مما كانت عليه».
وكان نحو 70 من الكوادر السابقين في «التيار الوطني الحر» قد أطلقوا في شهر أنيسان الماضي حركة سياسية جديدة، بعد فشل الحركة التصحيحية التي قاموا بها من داخل التيار في السنوات الماضية، لجهة ما يقولون إنه «إعادة تصويب مسار التيار، وإبعاده عن مبدأ التوريث، وعن تحكّم شخص واحد بقراراته». وقد صاغوا ورقة «إعلان مبادئ» أو طروحات أساسية، إلا أن هذه الحركة تبقى محدودة جداً، باعتراف منهم، وهم يردون ذلك لكونهم يواجهون الحزب الأول في السلطة.
ولا تبدو قيادة «التيار الوطني الحر» معنية كثيراً بالحراك الذي يحصل، إذ تشدد مصادرها على أنه «تم تخطي هذا الموضوع منذ فترة بعيدة، والوزير باسيل يصب كل اهتمامه على استمرارية الحزب كما هو اليوم، بعدما أثبتت كل السياسات التي ينتهجها فعاليتها، سواء نجاحه بتأمين أكبر كتلة نيابية في البرلمان، أو حتى أكبر كتلة وزارية، وهذا ما تطمح له الأحزاب كافة».
وتضيف المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «معركتنا اليوم في مكان آخر تماماً، ولن نتلهى بمعارك جانبية تلهينا عما هو أساسي في هذه المرحلة التي نحاول خلالها النهوض بالبلد على كل المستويات، بعدما أثمر نضالنا لعشرات السنوات الوصول إلى سدة رئاسة الجمهورية، والحصول على الأكثرية النيابية والوزارية على حد سواء».

ويقول النائب الكسرواني  لـ«الأخبار» إن «الغداء كان واسعاً، وليس الأول من نوعه. الشباب حضروا وأخذوا صورة معي متلن متل غيرن». هل حقاً يجري التأسيس لحركة ما أو حزب مع الشباب المعارضين لباسيل والذين أسسوا أخيراً ما يُسمى «التيار»؟ «أستغرب تسميتهم معارضين، رغم أنهم يتبعون الخط السياسي ذاته، وهو دعم العهد والرئيس، وهم أيضاً بالخط التاريخي نفسه». لكن ماذا عن انتقادهم الدائم للرئيس عون وخياراته ودعمه لباسيل؟ «أنا منّي داخل بهالخلافات. هؤلاء الشباب طيبين ولديهم تاريخ نضالي ويفترض بنا أن نعمل لاستقطابهم إلينا. الموضوع بالنسبة لي إيجابي، فالغداء ضمّ أيضاً أشخاصاً من أحزاب مختلفة وجميعهم أصدقاء». ويشير روكز إلى عدم تدخله بالأمور الحزبية، «إنما من المفيد البحث عن طرق لتذليل الخلافات لا إشعالها أكثر».
بعض الذين ظهروا في الصورة فضّلوا عدم الحديث عن الموضوع، والبعض الآخر، كالقيادي العوني السابق نعيم عون، رأى أن اللقاء بروكز «ليس وليد اليوم، بل منذ 30 عاماً، وما زلنا نحافظ على المبادئ نفسها». أما إذا كان النشاط مجرد دعوة عامة أو جزءاً من لقاءات تحضيرية لحركة معينة، فقال عون: «انطروا وشوفوا، كل شغلة بوقتها». مشارك آخر، فضّل عدم الكشف عن اسمه، أشار إلى أنه تلقى اتصالاً من روكز لدعوته إلى الغداء، ولبّى الدعوة. أضاف أن ما يجمع الشباب بروكز غير الصداقة القديمة هو «التلاقي على المخاوف من الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي. لديه ملاحظاته ونحن أيضاً، وذلك ساهم في تقريبنا بعضنا من بعض. متفقون على الإحباط الذي يعيشه المجتمع من الأحزاب كافة، فليس صدفة أن يحصد المجتمع المدني العدد الذي ناله في الانتخابات الأخيرة». ألا يعتبر روكز جزءاً من هذه الأحزاب السياسية التي أحبطت الناس، فهو أيضاً قدم وعوداً انتخابية تتعلق بخطط لتحرير الملك العام والشاطئ وغيره ليغيب بعد الانتخابات؟ «روكز دخل من ضمن منظومة وتكتل ملزم بخيارات معينة طابعها سياسي وطائفي. ولما لمس ذلك من قرب، قرر تحييد نفسه لأنه رجل دولة لا رجل تسويات ومحاصصات طائفية». هل ستكون هناك لقاءات أخرى؟ «لم يكن هذا اللقاء الأول في الأصل، ولن يكون الأخير طبعاً. الهدف محاولة ترك بيئة أفضل لأولادنا إن كان محكوماً علينا نحن بالموت. كنا نأمل أن يغير التيار ويصلح، فانتهينا بانتظار تغريدة للنائب جميل السيد ليفشّ خلق العالم تماماً كما فعل قبله نجاح واكيم وزاهر الخطيب».

في مقابل ما سبق، ينفي بعض الحاضرين، وخصوصاً من العسكريين القدامى، أي علم لهم باجتماع للمعارضة. ويقولون إنهم لبوا دعوة صديق إلى الغداء لا أكثر ولا أقل. فيما يسأل البعض الآخر، كيف يمكن تنظيم معارضة بحضور ابنة رئيس الجمهورية كلودين عون؟ علماً أن النقاشات السياسية التي خيضت والانتقادات لطريقة عمل باسيل، جرت بحضور كلودين، على ما يشير جزء من الحاضرين.
من جهة أخرى، هناك من يقلّل من أهمية لقاء أول من أمس، مشيراً إلى أن البعض استغل حضور بعض المفصولين والمستقيلين من التيار «للحرتقة» لا غير. إذ كان من المفترض محاولة التأثير في خيارات الجمهور العوني وتوجهاته قبل إتمام الانتخابات الحزبية الداخلية لا بعد صدور النتيجة. ولو أن هذه «المجموعة مؤثرة لحثت أحد العونيين على الترشح في وجه باسيل، لا تركه يتنعم بالتزكية ومن دون أي منافسة أو معارضة».
حملة العونيين على حاضري غداء روكز لم تستثنِ مقدّم برنامج «لهون وبس» هشام حداد (وهو حزبي سابق)، لأنه ظهر في الصورة إلى جانب المعارضين. ويشير حداد في حديثه لـ «الأخبار» إلى أن أربع جلسات جمعته بباسيل لمدة ثلاث ساعات لم يتكلم عنها أحد، بينما قرر هؤلاء الحديث عن صورة: «انعزمت عالغدا ببيت روكز ونقطة عالسطر. وكان هناك على الطاولة عشرات الأشخاص الذين لا علاقة لهم بالتيار من الأساس. موضوع التيار الداخلي لا يعنيني ولا أخطط لأي انقلاب. هذا لا يعني أني لا أخالف التيار ولا أدعم من كانوا موجودين في بعض القضايا كحقوق العسكريين، وهذا لا يعني أني لن ألبي دعوات مقبلة لأي نشاط من أيٍّ كان. صداقتي مع روكز قديمة، ولست جزءاً من شيء لا أعرف عنه شيئاً، ولنفترض أنهم يؤسسون لعمل ما ضمن هيكلية معينة، فأنا سعيد باستقلاليتي ولن أكون ضمن أي تنظيم حزبي أو غيره».