لماذا "رحّل" بري الموعد الرئاسي في حضور لودريان؟

كتبت صحيفة "النهار":

مع أن الأنظار في اليوم الثاني لسريان اتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل، ظلت مسمّرة على رصد الخروقات التي سُجلت في الجنوب، كما على عودة النازحين التي حافظت على وتيرة عالية من الزخم والكثافة، قفزت مفاجأة سياسية بارزة في اليوم الثاني إلى الواجهة مع تصدّر ملف انتخابات رئاسة الجمهورية المشهد الطالع من الحرب. ولعل ما حصل في هذا السياق أكد المعطيات التي واكبت ولادة اتفاق وقف النار، والتي أشارت إلى أن مقدمات الجهود الأميركية والفرنسية لإنهاء الحرب استبطنت مشاورات سرية وضغوطاً لاستكمال إعلان وقف النار باستعجال انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان ايذاناً بترميم الوضع المؤسساتي الدستوري وقيام حكومة بحيث يتعذر بل يستحيل المضي في تحصين التسوية التي أنهت الحرب والحصول بعدها على مساعدات خارجية لاعادة الإعمار ودعم تسليح الجيش اللبناني وتقويته إلا بوضع مؤسساتي كامل.

ولذا اكتسب الحضور السريع للموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت بعد ساعات من إعلان وقف النار دلالات مهمة إذ اندفعت باريس بالتنسيق مع واشنطن لاستعجال انجاز الاستحقاق الرئاسي، ويبدو أن أجندة لودريان، بدفع قوي وشخصي من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كانت تهدف إلى انجاز الاستحقاق في أقرب موعد ممكن. ولكن رئيس مجلس النواب نبيه بري سارع إلى إعلان تحديد التاسع من كانون الثاني (يناير) موعداً للجلسة الانتخابية الرئاسية فيما كان العديد يميلون إلى توقع موعد أقرب نظراً إلى الاعتبارات الكارثية التي خلفتها الحرب.

ومع ذلك يمكن إيراد أسباب ودلالات أساسية ارتسمت وراء تحديد بري لهذا الموعد، وأبرزها، أولاً أنه أراد ترجمة تعهداته في الفترة الأخيرة بإنجاز الانتخاب لاحتواء زلزال سياسي يُدرك تماماً أن البلد سيقبل عليه إذا تمادت تداعيات الحرب من دون احتواء، فكان أن أعلن غداة إعلان وقف النار الموعد لانتخاب الرئيس. ثم إن بري أعلن الموعد في مطلع جلسة التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون والقادة الأمنيين والعسكريين مستبقاً اجتماعه بالموفد الفرنسي الذي وصل إلى المجلس وحضر جانباً من المناقشات، لئلا يُفسر تحديد الموعد لاحقاً بأنه جاء تحت إلحاح وضغط الموفد الفرنسي. أما إطالة أمد موعد الجلسة الانتخابية إلى التاسع من كانون الثاني، فبدا بمثابة رسالة حمّالة أوجه، أولاً لجهة افساح المجال لمدة أربعين يوماً للتوافق على الرئيس العتيد، وثانياً، وهنا الأهم للإيحاء بأن الثنائي الشيعي راغب في فتح صفحة توافقية ولكنه لا يريد الظهور في موقف ضعيف أو متراجع.

أما لودريان، فأكد الذين التقوه من النواب أنه استعجل انتخاب رئيس الجمهورية خصوصاً في ظل تداعيات الحرب، ولكنه لم يفصح عن أي أسماء لمرشحين ولو أن “طيف” المرشح التوافقي طغى على معظم اللقاءات التي عقدها. وشدد في أحاديثه على أن الطريق أصبح معبداً لاعادة بناء الدولة وأنها فرصة تاريخيّة.