لماذا لا تتسلم وزارة الاتصالات ادارة قطاع البريد في حال فشلت المزايدة؟

ليس خافيا أن لبنان يمر في أسوأ ظروف مالية واقتصادية وسياسية واجتماعية مر بها في تاريخه، ولكن ذلك لا يعفي أي مسؤول من القيام بواجباته لما فيه المصلحة العامة. فعلى الرغم من وجود حكومة مستقيلة لمواجهة الأزمة، لا يجوز إستسهال إتخاذ قرارات فقط لتمرير الأوضاع والإبقاء على ما هو قائم بالرغم من مساوئه، بل على العكس تماما، في الأزمات تبرز القيادة الجيدة ويبرز القادة الجديرين بتحمل المسؤولية.

مبرر الكلام ما شهدته وزارة الإتصالات من حدثين بالغي الأهمية في هذه الفترة: الأول تمثل بتمديد عقد "ليبان بوست" لفترة 3 اشهر بعد فشل المناقصة، والثاني تمديد لمجلسي إدارة شركتي الخليوي لسنة إضافية مع ما يرافق ذلك من مخالفات قانونية وإدارية.

في موضوع التمديد لشركة "ليبان بوست"، وبالرغم من الانتقادات الكثيرة التي تطال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في هذا الموضوع، ثمة إستغراب حيال قرار وزير الإتصالات #جوني القرم التمديد للشركة وفقا لشروط العقد الحالي، وحتى ولو لفترة قصيرة، وهو يعرف تمام المعرفة، وقد قالها جهارا أن شروط العقد الحالي هي الاسوأ للدولة اللبنانية، فيما إحتمال فشل المناقصة قائم بنسبة عالية.

في مؤتمره الصحافي للإعلان عن فشل المناقصة، قال وزير الإتصالات أن الوزارة لا تستطيع إستلام القطاع على اعتبار أن ثمة 4 موظفين فقط في مديرية البريد، كما قال أن قطاع البريد يختلف عن قطاع الخليوي ولا يستطيع إستلام القطاع مثل ما فعلت الوزارة مع شركتي الخليوي.

ولكن كلام الوزير وفق مصادر مطلعة يتعارض مع وجهة نظر خبراء وإداريين في هذا المجال، إذ أن مقارنة بسيطة بين قطاعي الخليوي والبريد، تؤكد أن القطاعين تتم إدارتهما وفقا لقانون التجارة، إذ تم إنشاء شركتي الخليوي ميك1 وميك 2 التجاريتين والمسجلتين في السجل التجاري في بعبدا بقرار من الحكومة اللبنانية ممثلة بوزارة الإتصالات، ويتم إنتخاب مجلسي إدارة الشركتين من الجمعية العمومية التي يمثلها وزير الاتصالات منفردا كون الوزارة تملك جميع أسهم الشركتين. لسنوات وسنوات يتم التجديد والتمديد لشركة "ليبان بوست"، والرئيس ميقاتي "ببوز المدفع" فيما الوزير جوني القرم لم يتخذ اي إجراء في إتجاه إستلام القطاع بالرغم من الخسائر الكبيرة التي تتكبدها خزينة الدولة من جراء استمرار التعاقد القائم مع الشركة.

ما هو مطلوب من الوزير قرم ليس المستحيل او إستنباط حلول "أينشتانية"، وفق ما تؤكد المصادر بل تطبيق ما سبق وقامت به وزارة الإتصالات لجهة إنشاء شركة تجارية على غرار ميك1 وميك2 لإستلام قطاع البريد، لا بل على رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي الدفع بقوة بهذا الإتجاه لإزالة أي شبهة في الموضوع. أما مقولة أن هنالك 4 موظفين في مديرية البريد، فهذه ذريعة غير قائمة اساسا، إذ ليس هناك أي وحدة إدارية في وزارة الاتصالات لتدير او تراقب شركتي الخليوي كون الوزير الأسبق شربل نحاس حل فريق عمل الخليوي في العام 2010، فيما الوزير الأسبق طلال حواط حل هيئة المالكين في العام 2020 دون إعادة تشكيل فريق عمل الخليوي وهذا خطأ جسيم أيضا، برأي المصادر.

فما المانع من تأسيس شركة تجارية على غرار ميك1 ميك 2 لاستلام وتشغيل ليبان بوست؟ وزير الاتصالات جوني القرم أكد لـ"النهار" أنه في حال لم ترس المزايدة على احد، فإن هذا الخيار يتم درسه من قبل قانونيين وحقوقيين، وذلك على الرغم من انه لا يتوافر في البريد إلا 4 موظفين فقط وتاليا ليس لدينا القدرة حاليا على ادارة القطاع، الا اذا اتخذ القرار بوضع اليد على اصول "ليبان بوست". ولكن برأيه أن "كل قطاع تستلمه الدولة عرضة للاهتراء وتاليا يجب الذهاب باتجاه الخصخصة". في المقابل يبدو أن الوزير لا يزال حتى اليوم مقتنعا أن المزايدة يمكن أن تنجح، خصوصا وأن ثمة شركات أبدت اهتمامها بالمشاركة فيها".

وقال "أعدنا اطلاق المزيادة وحددنا 30 آذار المقبل آخر مهلة لتقديم العروض، وفي حال لم يتقدم أحدا للمزايدة سندرس كل الخيارات المطلوبة".

ويجدد الوزير قرم اقتناعه أن أسوأ خيار هو التمديد لـ"ليبان بوست" بالعقد الحالي الذي اصبح سيئا أيضا للشركة خصوصا بالنسب للتعرفة، لذا عمدنا الى اعداد دفتر الشروط حسب معايير وشروط هيئة الشراء العام والذي جاء لمصلحة الدولة". وإذ أشار الى أن "ليبان بوست" لم تتقدم للمشاركة في المزايدة السابقة، ومن الممكن أن يبقوا على قرارهم في عدم المشاركة، لذا فإن اي شركة تتقدم للمزايدة وتقبل بالشروط التي لحظها دفتر الشروط، ستسلم ادارة البريد".

أما لناحية تمديد مجلسي إدارة الشركتين اللتين تديران قطاع الخليوي، تعتبر المصادر عينها أن هذا التمديد "ليس الا عمل متمادي في مخالفة القوانين ولا سيما قانون التجارة، فكيف يمكن انتخاب موظفي الشركتين لأعضاء مجلس الإدارة، وتاليا الدمج بين السلطتين التقريرية والتنفيذية؟ فالوزير جوني قرم لا ينتخب مجلس الإدارة من الموظفين فحسب، وهذه مخالفة جسيمة ومستمرة منذ فترة الوزير طلال حواط، بل حتى انه لم يقم بإتخاذ اي إجراء لمراقبة أداء الشركتين ولا حتى تعيين جهة رقابية في الوزارة مكان هيئة المالكين والتي كان من المبرر حلها كون وجودها مرهون بتنفيذ عقدي الإدارة السابقين، او مكان فريق عمل الخليوي والذي لا يوجد اي سبب قانوني او إداري لحله سابقا أو عدم إعادة تشكيله حاليا، بل ثمة ضرورة ماسة لتشكيل فريق عمل في وزارة الإتصالات يراقب أداء شركتي الخليوي من النواحي الفنية والتشغيلية والادارية والمالية والتجارية. فعدم تشكيل وحدة إدارية للقيام بهذه المهام مثير للتساؤل، وفق ما تقزول المصادر وكأن الوزارة "تاركة الرزق سايب" وتعمل على تمرير مخالفات بعيدا عن الأنظار. هذا فضلا عن عدم وجود مراقبة سابقة او لاحقة من الجهات الرسمية ولا سيما ديوان المحاسبة، الذي أصدر أخيرا تقرير خاص عن قطاع الإتصالات يشمل الفترة من العام 2010 لغاية عام 2020 بعد ما ورده إحالات عن مخالفات من اللجنة النيابية المختصة والنيابة العامة المالية وجهات أخرى. وتاليا تؤكد المصادر أن جهة واحدة غير خاضعة لأي رقابة (بإستثناء تصديق شركة التدقيق على الأرقام المالية للشركتين وفقا لأحكام قانون التجارة)، تدير قطاع الخليوي اليوم وهذه الجهة هي متكافلة ومتضامنة وتتألف من: الوزير ومجلس الإدارة الذي يتألف من المدراء التنفيذيين في الشركتين، وهذه سابقة لا تجوز ولا تستقيم لا من الناحية القانونية ولا من الناحية الإدارية.

ولكن ما المانع من إعادة تشكيل فربق عمل الخليوي بوزارة الاتصالات لمراقبة إداء شركتي الخليوي من النواحي الفنية والتشغيلية والإدارية والمالية والتجارية؟ قرم اكتفى بالقول أن الوزراة تراقب عمل الشركتين، لافتا الى أن تجربة هيئة المالكين لمراقبة قطاع الخليوي (OSB) لم تكن على قدر التوقعات كونها لم تخرج عن سيطرة الوزارة، وكانت آلية لتنفيذ طلبات الوزراء في السابق، إضافة الى كانت تكلف مبالغ كبيرة، فيما لا أزال مقتنعا أن الخصخصة هي الحل الوحيد لابعاد القطاع عن التجاذبات السياسية".

ويؤكد وزير الاتصالات أنه لم يخالف القوانين بتمديد مجلسي إدارة شركتي الخليوي، اعتبر أنه "اذا اتخذ القرار بتعيين مجلس ادارة من خارج اطار الموظفين سندخل في المحاصصة السياسية لكل فريق، وهذا أمر غير ايجابي بالنسبة للشركات. اضافة الى أنني اتخذت اجراء منذ شهرين عبر تفعيل قسم التدقيق في الشركتين وطلبت منهم ارسال التقارير مباشرة الى الوزير".

تستند المصادر الى ما يقوله هنري كيسنجر في كتابه الجديد "القيادة"، إذ يقول ما حرفيته "إن قيام القادة بالأعمال اليومية من خلال إدارة الوضع القائم في فترة الأزمات هو أخطر ما يمكن القيام به على الإطلاق، وما يقوم به الوزير جوني القرم من خلال تمديد عقد "ليبان بوست" وتجديد مجلس إدارة شركتي الخليوي هو بالتحديد ما أشار له كيسنجير في كتابه. وعليه، تقول المصادر أنه "لا بد من توجيه دعوة صادقة للوزير القرم للقيام بـ"نبش" أرشيف الوزارة الى ما قبل 20 سنة والإطلاع على كيفية إنشاء الشركتين والعمل فورا بدعم من الرئيس ميقاتي على إنشاء شركة تجارية مماثلة لإستلام وإدارة قطاع البريد من وزارة الاتصالات وذلك قبل إنتهاء فترة التمديد في شهر أيار المقبل. كما المباشرة فورا لحل مجلسي إدارة شركتي الخليوي وإنتخاب أصحاب إختصاص وموظفي إدارة من وزارة الإتصالات أو هيئة "أوجيرو" في مجلسي الإدارة، اضافة الى العمل فورا على إعادة تشكيل فريق عمل الخليوي لمراقبة أداء الشركتين من النواحي كافة".