لم يعد حلماً: لقاح السرطان يدخل مرحلة التجارب السريرية

بات يمكننا القول إننا على وشك أن ندخل عصر لقاحات السرطان، بعد أن أعلنت الحكومة البريطانية عن توقيع اتفاقية مع شركة "بيونتيك" الألمانية، للشروع في شهر أيلول المقبل، بتجارب لقاحات مرض السرطان المعتمدة على "الحمض النووي الريبي المرسال mRNA"، والتي سيتم إعطاؤها للمرضى في المراحل المبكرة والمتأخرة من المرض، لاستهداف الخلايا السرطانية النشطة ومنع عودتها. ومن أجل ذلك، أعلنت الشركة الألمانية أنها ستنشئ مراكز بحث وتطوير جديدة في المملكة المتحدة، تتضمن مختبراً في كامبريدج ومقراً رئيسياً في لندن.

ما هي لقاحات السرطان؟
عادةً ما تساعد اللقاحات في حمايتنا من الأمراض. لكن للقاحات السرطان قصة مختلفة. فهي علاجات محتملة لعلاج الأشخاص المصابين بالفعل بهذا المرض الخبيث، تعمل على تدمير الخلايا السرطانية لديهم. وبعد سنواتٍ من الفشل في تحقيق أي تقدمٍ ملموس، بدأت البحوث الطبية حول هذه اللقاحات تُظهر بعض الأمل.

الغرض من جميع اللقاحات، سواء كان لقاحاً للسرطان أو لفيروس كورونا المستجد، هو تعليم جهاز المناعة لتحديد الهدف الذي يحتاج إلى تدميره، للحفاظ على سلامة الجسم. يعلّم لقاح فيروس كورونا الجهاز المناعي كيف يبدو فيروس "SARS-CoV-2"، وبذلك عندما يدخل هذا الفيروس جسم الإنسان، يمكن للخلايا المناعية تحديد مكانه بسرعة وتدميره. وبالمثل، يقوم لقاح السرطان بتعليم الخلايا المناعية حول شكل الخلية السرطانية، ما يمكّنها من البحث عن هذه الخلايا السرطانية وتدميرها.

إنّ قدرة لقاح السرطان على تعليم الجهاز المناعي هو ما يميزه عن العلاجات المناعية الأخرى التي تستخدم عوامل علاجية مثل بروتينات السيتوكين والأجسام المضادة، وتتضمن استراتيجيات كالهندسة الوراثية لخلايا المناعة لدى المريض لمحاربة السرطان. ويقول علماء شركة "بيونتيك" الألمانية، إن لقاحات السرطان يمكن أن تدمر الخلايا السرطانية التي ربما نجت من العلاجات الأخرى، أو توقف الورم من النمو أو الانتشار، وحتى أن تمنع السرطان من العودة.

وتعتمد بعض لقاحات السرطان على إزالة الخلايا المناعية المُسماة بالخلايا المتغصنة من عينة دم المريض وتعريضها في المختبر للبروتينات الرئيسية التي يتم الحصول عليها من الخلايا السرطانية للفرد. ثم تُعاد هذه الخلايا المتعلمة إلى المريض مع توقّع أنها ستحفز وتدرب الخلايا المناعية الأخرى، مثل الخلايا التائية، لاكتشاف وتدمير السرطان. وهذا ما يصفه عالم الأورام في مركز "ميموريال سلون كيترينج للسرطان" في نيويورك، كريستوفر كليبانوف، بقيام الخلايا التائية بواحدة من أكثر الحيل المدهشة في علم الأحياء.

لقاحات موجودة بالفعل
ولا بد من الإشارة هنا، أن هناك بعض اللقاحات ضد السرطان التي أُعطيت الموافقة عليها، رغم أنها لم تثبت نجاعتها بشكلٍ كامل، وهي تختلف بتقنيتها عن ما تطوره حالياً شركتيّ "بيونتيك" و"موديرنا". ففي عام 2010، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على أول لقاح علاجي للسرطان، يُسمى" Sipuleucel-T"، لعلاج سرطان البروستاتا المتقدم. يستهدف هذا اللقاح مستضد يُسمى "فوسفاتاز حمض البروستات" موجود في خلايا البروستاتا الطبيعية، لكنه يوجد بكمياتٍ أعلى في الخلايا السرطانية. وقد أظهرت التجارب السريرية أن المرضى الذين تم تطعيمهم بهذا اللقاح، عاشوا حوالى أربعة أشهر أطول من التوقعات الطبية، على الرغم من أن أورامهم بقيت بالحجم نفسه.

كما تُعتبر اللقاحات الأخرى التي تمت الموافقة عليها ضد الفيروسات كالتهاب الكبد من النوع B، وفيروس الورم الحليمي البشري، كلقاحاتٍ للسرطان لأنها تمنع العدوى الفيروسية التي يمكن أن تؤدي في يومٍ من الأيام إلى سرطان الكبد وعنق الرحم والرأس والرقبة. وتعمل هذه اللقاحات الوقائية من خلال إنتاج أجسام مضادة ضد الفيروس، لكنها لا تحفز الخلايا التائية، ما يدفع بعض العلماء للقول بأنها غير فعالة لعلاج السرطان.

لقاحات قيد التطوير
إلى جانب لقاح "بيونتيك"، يختبر العلماء عدة لقاحات للسرطان، غالباً بالاشتراك مع علاجات مناعية أخرى. وهم يستهدفون أنواعاً مختلفة من السرطان، ومنها سرطان الجلد والثدي والمثانة والبروستاتا والبنكرياس.

قبل بضعة أسابيع، أعلنت شركة "موديرنا" الأميركية أن لقاحها المعتمد على "الحمض النووي الريبي المرسال"، والمرشح ضد المرحلة الثالثة أو الرابعة من سرطان الجلد، أظهر انخفاضاً بنسبة 44 في المئة في مخاطر تكرار الإصابة بسرطان الجلد، أو الوفاة بين المرضى الذين تلقوا كلاً من اللقاح وعقار شركة "ميرك Merck" للأدوية المُسمى "Keytruda"، والذي يعزز المناعة.. مقارنةً بأولئك الذين تناولوا العقار وحسب. ووفق النتائج الأولية للمرحلة الثانية من التجارب السريرية، يدربّ لقاح "موديرنا" الجهاز المناعي على إنتاج الخلايا التائية ضد 34 مستضداً خاصاً بالسرطان. وإنطلاقاً من ذلك، تخطط الشركة مع "ميرك"، لإجراء تجربة أكبر للمرحلة الثالثة هذا العام لاختبار سلامة اللقاح وفعاليته.

في الموازاة، تختبر اختصاصية مناعة السرطان بجامعة "بيتسبيرغ" الأميركية، أوليفيرا فين، لقاحاً وقائياً يمكن إعطاؤه في مرحلة ما قبل السرطان، عندما يُصاب الفرد بورم حميد يُطلق عليه تسمية "الزوائد اللحمية"، وهي زوائد ليست خطيرة ولكنها يمكن أن تتحول إلى أورام خبيثة داخل القولون. يستهدف اللقاح شكلاً غير طبيعي من بروتين يُسمى "MUC1" تنتجه بعض خلايا سلائل القولون غير الخبيثة. وقد أظهرت التجارب بعد ثلاث سنوات من تطعيم ما يقرب من 50 فرداً يعانون من الأورام الحميدة المتقدمة انخفاضاً بنسبة 38 في المئة في تكرار نمو هذه الأورام. 

تحديات يتوقعها العلماء
لكن رغم الإثارة المتجددة في تطوير واختبار لقاحات السرطان، التي يعود الفضل فيها للتقدم التكنولوجي، يقول بعض العلماء أننا بحاجة للتحلي بالصبر لمعرفة ما إذا كانت اللقاحات ستكون فعالة بما يكفي للتسبب في انكماش الورم بطريقة ذات مغزى سريرياً، وما إذا كانت البدائل مثل هندسة الخلايا التائية للمريض التي تمكّن من التعرف بشكلٍ أفضل على الخلايا السرطانية ستكون استراتيجية فعالة حقاً.

وبهذا الصدد، يقول ستيفن شوينبيرغر، الأستاذ في مختبر المناعة الخلوية في معهد "لاجولا للحساسية والمناعة" في الولايات المتحدة، إن اللقاحات العلاجية غالباً ما يتم اختبارها على مرضى السرطان في المراحل المتقدمة، حين يكونون قد خضعوا لاستئصال أورامهم جراحياً وللعلاج الكيميائي أو الإشعاعي، وهذا ما يُضعف أجهزتهم المناعية. وبرأيه، من المحتمل أن لا تعمل اللقاحات بشكلٍ جيد في هذه المرحلة المتأخرة من المرض. منوهاً بأن الشركات التي بدأت باختبار اللقاحات تدرك هذا الأمر جيداً. 

من جهتها، تحذر عالمة مناعة السرطان في جامعة كاليفورنيا، ليزا باترفلايد، من أن لقاحات السرطان لا تزال في المراحل الأولى من الاختبار والتكرير. مفيدةً بأن هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به، سواء على صعيد اللقاحات الوقائية أو العلاجية.