المصدر: النهار
الكاتب: فارس خشان
الخميس 9 كانون الثاني 2025 08:07:05
صُدم جمهور "حزب الله" عندما سمع الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين يقول بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري: "إنّ آلية اتفاق وقف إطلاق النار تعمل بشكل جيّد"!
كان "حزب الله" قد وعد جمهوره بأنّ هوكشتاين سوف يتبلّغ بما تفعله إسرائيل، ويتخذ موقفاً صارماً حيال ذلك، بسبب أنه الأكثر أهلية لتفكيك روحية نص اتفاق وقف إطلاق النار!
لم يصدق هذا الجمهور آذانه. كان يعتقد، وهذا ما دأب الناطقون باسم "حزب الله" على تأكيده، منذ توقيعه في السابع والعشرين من تشرين الثاني الماضي، أنّ إسرائيل تخرق الاتفاق، في حين كان الآخرون يعتبرون أنّ ما تقوم به إسرائيل يدخل ضمن آلية اتفاق وقف إطلاق النار، لأنّ "حزب الله" وافق، بالواقع، على "صك إذعان"، بحيث أعطى الجيش الإسرائيلي كل ما كان يريده مقابل أن تتوقف العمليات العسكرية.
لقد بيّن هوكشتاين أنّ "حزب الله" في كل ما يقوله لجمهوره يجافي الحقيقة، فهو يريد أن يُظهر أنّه خرج منتصراً من حرب الخسائر القصوى، ولا يريد أن يعترف بأنّ سلاحه، أينما كان على امتداد الجغرافيا الوطنية، أصبح من دون شرعية لا لبنانية ولا دولية، ويمكن لإسرائيل أن تستهدفه إن لم يسارع الجيش اللبناني إلى مصادرته، عند انكشاف أمره!
لا يزال "حزب الله" قادراً، نظريّاً، على الانقلاب على هذا الاتفاق، وفق هذا المفهوم المتفق عليه، بالعودة إلى الحرب. وهذا ما يحاول أن يوحي به، ولكن لا يوجد من يأخذ تهديداته على محمل الجد، لأنّه، فعلياً، خسر كل شيء، وباتت قدراته تفتقد إلى الحد الأدنى من الردع، وثمة رغبة إسرائيلية عارمة بالعودة إلى الميدان لتستكمل بالقوة كل ما قد يقصر عنه التوافق!
عندما وافق "حزب الله" على الاتفاق كان يراهن على تغيير الوقائع الميدانية، فالجمهورية الإسلامية في إيران لن تتركه، وقدرته على إعادة تأهيل نفسه كبيرة، بفعل الجسر الذي يوفره لنفسه في سوريا!
لم يكن يُدرك أنّ النظام السوري يعدّ أيّامه الأخيرة، وأنّ "هيئة تحرير الشام" التي لطالما حاربها سوف تهده فوق رأس محور الممانعة وأسلحته، ومصانعه، ومخازنه، وأنفاقه!
لم يكن "حزب الله" يتصوّر أنّ النظام الإيراني نفسه سوف يُحاصر، بعدما خسر عمقه الاستراتيجي، وأن الأشهر التي تواكب مرحلة ترسيخ اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، سوف تتحوّل إلى أخطر مرحلة تعرفها إيران على الإطلاق!
صحيح أنه يشارك "الحرس الثوري الإيراني" المواقف "العنترية"، ولكنّ الأصح أنّ الجهتين تنظران باهتمام بالغ مجبول بخوف كبير، إلى التوصيات التي تضمنها تقرير "لجنة ناجل" التي كانت مكلفة بإعادة صياغة الجيش الإسرائيلي. اللجنة أوصت برفع ميزانية الجيش الإسرائيلي ليواكب التصدي الفعّال، بطريقة هجومية، لمجموعة أخطار تشكلها إيران نفسها وما بقي من أذرعها في المنطقة والاهتمام بما يمكن أن يكون خطراً تركيّاً ناشئاً في ضوء التطورات في سوريا.
وبعد التجربة الأخيرة لـ"حزب الله" مع إسرائيل، لم تعد توصيات اللجان التي تشكلها تل أبيب، مجرد تفصيل، فالخسائر الضخمة التي دفعها "حزب الله"، كانت ثمرة طبيعية لتوصيات لجنة "فينوغراد" التي تمّ تشكيلها، في ضوء إخفاقات حرب تموز/ يوليو 2006.
وتمر إيران بفترة اضطراب داخلي كبير، فالمتشددون فيها، حرصاً على دورهم، يحاولون أن يمنعوا التيار الذي يمثله رئيس الجمهورية مسعود بزشكيان من التقدم نحو حلحلة لا بد منها. ويعرف الإيرانيون أن هذا التيار الذي يحاكي "أحلام" المرشد علي خامنئي سوف يقود النظام إلى كارثة كبيرة.
وهذا التيار المتشدد هو الذي يبذل جهده ليبقي "حزب الله" على أدبياته التصعيدية، بهدف وحيد، وهو الإيحاء للداخل الإيراني بأنّ طهران لم تفقد أوراقها الخارجية ولديها قوى قادرة على الدفاع عنها.
وهذا المفهوم الإسرائيلي- الأميركي للدور الترويجي الذي توليه إيران لـ"حزب الله" يدفع كلاً من تل أبيب وواشنطن إلى شد خناق اتفاق وقف إطلاق النار على الحزب، بحيث يكون تنفيذه صارماً وحاسماً ومانعاً لإعادة التأهيل العسكرية.
ويقول سياسي لبناني على صلة بـ"حزب الله" إنّه في هذه المرحلة لم يعد يستمع إلى ما يقوله مسؤولو الحزب في إطلالاتهم الإعلامية، لأنّهم في الواقع يخاطبون مجموعتين: الأولى تضم متشددي إيران والثانية تُعنى ببيئتهم الشعبية في لبنان.
الهدف من مخاطبة المجموعة الأولى خدمتها في مقابل توفير ما يلزم للحزب من أموال يمكن عبورها إلى لبنان، فيما الهدف من مخاطبة المجموعة الثانية عدم تحوّل الرأي العام في الطائفة الشيعية عن الحزب، بحيث يستعين به من أجل تحسين ما أمكن من مواقعه في الداخل اللبناني لا أكثر ولا أقل.
بالنسبة لهذا السياسي، فإن الجميع يعرفون أن دور "حزب الله" كلاعب إقليمي، قد انتهى حتى زمن آخر!