لهذا السبب تتمسك إيران بالمفاوضات غير المباشرة مع الولايات المتحدة!

رغم تجديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب التلويح بالخيار العسكري في وجه طهران، والحديث عن أجواء سلبية تحيط بالاجتماع الأميركي ــ الإيراني المقرر غداً في مسقط، فإن كلام الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان العلني عن فتح اقتصاد بلاده أمام الأميركيين، وإعلان «حزب الله» اللبناني والفصائل العراقية استعدادهم للتخلي عن السلاح، تركا الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام انعقاد الاجتماع في موعده.

ونفى مصدر إيراني مطلع لـ «الجريدة» أن يكون المبعوث الأميركي الرئاسي الخاص ستيف ويتكوف، الذي سيمثل واشنطن في لقاء مسقط، قد هدد بنسف الاجتماع، إذا لم يوافق الإيرانيون على عقد مفاوضات مباشرة. وكشف المصدر، وهو مقرب جداً من الرئيس بزشكيان، أن سبب تمسك طهران بالمفاوضات غير المباشرة، هو الهاجس من خطر المتشددين المعارضين للحوار داخل النظام الإيراني. وأوضح أنه لم يكن مقرراً أن يشارك وزير الخارجية عباس عراقجي في المفاوضات، بل نائبه مجيد تخت روانجي، وهو الأمر الذي كانت كشفته «الجريدة» سابقاً، لكن على ضوء حساسية المفاوضات وتجربة عراقجي في المحادثات النووية السابقة، قرر بزشكيان أن يقود عراقجي الوفد بنفسه. وهذا القرار، وفقاً للمصدر، جاء بعد مشاورات أجراها بزشكيان مع الرئيس الوسطي السابق حسن روحاني، ونائبه المستقيل محمد جواد ظريف، وعراقجي، ومستشار المرشد علي لاريجاني، والمسؤول عن الملف النووي في المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني، تم الاتفاق خلالها على ضرورة أن ينسق عراقجي مباشرة مع المرشد وبزشكيان، لتفادي أي عرقلة من المتشددين.

وقال المصدر إن بزشكيان يرى أن أمام حكومته فرصة ذهبية لحل الخلافات المزمنة مع الأميركيين، ولا يريد تفويت الفرصة بأي شكل، وبالتالي يريد أن يمنح الوفد التفويض اللازم للتوصل إلى حلحلة سريعة لبعض العقد. وأضاف أنه بهذا الشكل سيكون هناك فريق جاهز يضم ظريف ولاريجاني وشمخاني في مكتب المرشد، للتنسيق مع عراقجي خطوة بخطوة ولحظة بلحظة، والحصول على إذن خامنئي وبزشكيان عند الحاجة دون أن يكون هناك مجال للأخذ والرد من أي طرف.

وقال المصدر إن خامنئي رفض هذا الاقتراح، وأجبر الخلية الثلاثية على التنسيق مع «الأعلى للأمن القومي» برئاسة علي أكبر أحمديان، وفوّض إلى المجلس مكتملاً التنسيق مع الخلية واتخاذ القرارات اللازمة بالنيابة عنه، والرجوع إليه عند الضرورة فقط. وأشار إلى أن طهران طالبت بضمانات وخطوات تُثبت حسن نية واشنطن في المفاوضات، مضيفاً أنه في حال حمل ويتكوف هذه الضمانات معه إلى مسقط فإن المفاوضات غير المباشرة تتحول فوراً إلى مباشرة. وكانت «الجريدة» كشفت قبل أيام أنه من التعهدات التي أطلقها الإيرانيون والأميركيون وسمحت بتحقيق انفراجة هي تعهد طهران بنوع من فك الارتباط بميليشياتها في المنطقة، ووقف مدها بالمال والسلاح، وهو ما تم عبر إعلان الفصائل العراقية و«حزب الله» استعدادهما لإلقاء السلاح.

ومن بين التعهدات الأخرى أن تفتح طهران اقتصادها أمام الأميركيين، وهو ما أعلنه بزشكيان، أمس الأول، بشكل صريح بعد استشارة خامنئي. وتعتقد إيران أن الاهتمام الاقتصادي لترامب بها قد يكون فرصة، حيث سيكون الكونغرس ملزماً برفع الكثير من العقوبات المفروضة عليها للسماح للشركات الأميركية بالدخول إلى الاقتصاد الإيراني.

وكشفت «الجريدة» سابقاً أن طهران، بنصيحة من إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم والمقرب جداً من الرئيس الأميركي، بعثت إشارات إلى استعدادها لفتح قطاع المعادن الحيوية والنادرة أمام ترامب الذي يُظهر اهتماماً كبيراً بهذا القطاع. ويتحدث محللون استراتيجيون عن اهتمام أميركي محتمل بقطع «مبادرة الحزام والطريق» الصينية التي تمر بإيران للوصول إلى الخليج وتركيا.

وفي تفاصيل الخبر:

عشية انطلاق مفاوضات هي الأولى على هذا المستوى منذ سنوات بين الولايات المتحدة وإيران في العاصمة العمانية، مسقط، تبادل الطرفان اللذان أظهرا رغبة في التفاوض، وحاجة مشتركة للتوصل إلى اتفاق، التهديدات فيما يشبه رمي القنابل الدخانية. وقبل ساعات من المحادثات المقررة غداً، والمتوقع أن تحدد إطاراً عاماً للتفاوض على التوصل إلى اتفاق ينهي أزمة برنامج إيران النووي، ويحل بقية الخلافات المزمنة بين البلدين، جدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب حديثه عن خيار عسكري ضد إيران، مشيراً، هذا المرة بوضوح، الى أن إسرائيل ستقود أي ضربة عسكرية إذا لم ينجح الخيار الدبلوماسي، وهو الأمر الذي ردت عليه طهران ضمناً بالتلويح بطرد المفتشين الدوليين، وإخفاء اليورانيوم المخصب.

ورداً على سؤال عمّا إذا كان سيستخدم الوسائل العسكرية ضد إيران إذا لم توافق على اتفاق نووي جديد، قال ترامب أمس: «إذا تطلب الأمر استخدام القوة العسكرية، فسوف نستخدمها». وأضاف: «من الواضح أن إسرائيل ستكون منخرطة جداً في ذلك، ستكون هي القائدة فيه»، إلا أنه عاد لتأكيد أنه «لا أحد يقودنا. نحن نفعل ما نريد فعله ولدينا جدول زمني لذلك»، في إشارة على ما يبدو إلى التقارير التي تتحدث عن مهلة منحها الرئيس الأميركي لطهران من أجل التوصل إلى اتفاق أو مواجهة تحرك عسكري ضدها.

وأشار ترامب إلى إن الاجتماع المقرر غداً السبت في عُمان، والذي سيمثل المبعوث الخاص ستيف ويتكوف واشنطن فيه، بينما سيمثل وزير الخارجية عباس عراقجي طهران، سيكون بداية لعملية تفاوض. وأوضح: «لدينا بعض الوقت، لكن ليس الكثير، لأننا لن نسمح لهم بامتلاك سلاح نووي. سنسمح لهم بالازدهار. أريد لهم أن يزدهروا. أريد لإيران أن تكون عظيمة. الشيء الوحيد الذي لا يمكنهم امتلاكه هو السلاح النووي. وهم يفهمون ذلك».

وجاء تهديد ترامب في وقت يؤكد هو شخصياً أن الاجتماع سيكون مباشراً بينما يقول قادة طهران إنه سيقتصر على مباحثات غير مباشرة عبر وساطة عمانية.

وقالت مصادر إيرانية لـ»الجريدة» إن إيران لم تغلق باب المحادثات المباشرة، ويمكن لاجتماع مسقط أن يتحول إلى لقاء مباشر بين ويتكوف وعراقجي، في حال كان المبعوث يحمل ضمانات معينة تطالب بها إيران.

في غضون ذلك، صرح وزير الدفاع الأميركي، بيت هيغسيث، بأن إيران هي من يقرر ما إذا كانت الخطوة الأميركية الأخيرة بنشر 6 قاذفات «بي-2» في جزيرة دييغو غارسيا بالمحيط الهندي رسالة لها أم لا، معبراً عن أمله أن تفضي المفاوضات المرتقبة إلى حل سلمي.

وعندما سُئل عما إذا كان الهدف من نشر القاذفات التي تتميز بقدرات التخفي وحمل أثقل القنابل والأسلحة النووية هو توجيه رسالة إلى إيران، قال هيغسيث: «إنها من الأصول العظيمة.

إنها تبعث برسالة للجميع أن الرئيس ترامب واضح. لا ينبغي لإيران امتلاك قنبلة نووية. نأمل بشدة أن يركز الرئيس على تحقيق ذلك سلمياً».

كما جاء التهديد بعد إعلان وزارة الخزانة الأميركية عقوبات جديدة على 5 جهات في إيران وشخص واحد بسبب دعمهم لبرنامج إيران النووي.

رأي إسرائيلي

في موازاة ذلك، ذكر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال اجتماع حكومي أنه كان على علم مسبق بالمحادثات الأميركية مع إيران، وقال إن واشنطن طلبت من إسرائيل رأيها بشأن ما تعتبره اتفاقاً جيداً خلال وجوده في واشنطن.

ونقلت هيئة البث العامة «كان» عن مصدر إسرائيلي أن نتنياهو رد بأن الاقتراح الجيد يجب أن يكون مشابهاً لذلك الذي أدى إلى تفكيك البرنامج النووي الليبي، مضيفاً أن الوقت المتاح للدبلوماسية محدود.

إخفاء وإغراق

ورداً على تهديدات ترامب الجديدة، لوّحت طهران بطرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ونقل اليورانيوم المخصب إلى مواقع سرية في حال تعرضت لهجوم أميركي. وقال مستشار المرشد الإيراني والمشرف الخاص بالمفاوضات النووية، علي شمخاني، إن «استمرار التهديدات الخارجية ووضع إيران تحت طائلة هجوم عسكري محتمل قد يدفع طهران لاتخاذ إجراءات ردعية، أبرزها طرد المفتشين، ووقف التعاون مع الوكالة الدولية، ونقل المواد النووية المخصبة لمواقع داخلية آمنة وسرية».

كما وصف قائد القوة البحرية للجيش الإيراني، الأدميرال شهرام إيراني، قدرات بلده بأنها أقوى من أي وقت مضى، قائلاً: «إن الشيطان يستعد لمواجهة مباشرة في البحر لكننا سنهزم ونغرق العدو المعتدي، ونغرقه مثل آل فرعون».

مواكبة وتقارب

ووسط ترقب إقليمي ودولي لانفتاح نافذة دبلوماسية تجنب المنطقة المزيد من التوتر والصدام العسكري، رحب الاتحاد الأوروبي باللقاء المرتقب في مسقط، بعد أن أجرى نائب وزير الخارجية الإيراني، مجيد تخت روانجي، اجتماعاً مع نائب مسؤول السياسية الخارجية بالاتحاد أولوف سكوغ الذي تم تعيينه خلفاً لإنريكي مورا المسؤول السابق عن ملف الاتفاق النووي المبرم عام 2015، والذي انسحب منه ترامب عام 2018. وفي وقت أرسلت موسكو إشارات إلى أنها لن تقدم الدعم العسكري لطهران بحال تعرضها لهجوم من قبل واشنطن، أكد مستشار المرشد الإيراني علي أكبر ولايتي، أن العلاقات بين إيران والصين ستزداد قوة في المستقبل القريب، فيما أظهرت بيانات أن واردات بكين من النفط الإيراني ارتفعت في مارس الماضي.

في السياق، شدد وزير الخارجية المصري، بدر عبدالعاطي، خلال اتصال هاتفي مع نظيره الإيراني تناول جهود وقف حرب غزة، وتأمين حرية الملاحة بالبحر الأحمر، على ضرورة ضبط النفس خلال المرحلة الدقيقة التي تمر بها المنطقة، وعدم اتخاذ خطوات أو تحركات من شأنها أن تسهم في زيادة التوترات في الإقليم. وفي أنقرة، حذر وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، من أن استخدام القوة العسكرية ضد إيران سيؤدي إلى عدم الاستقرار في المنطقة، مؤكداً أن أنقرة تعول على المفاوضات بين الأطراف.