لهذه الأسباب حزب الله "يتعايش" مع ضربات إسرائيل لكوادره!

لا تلغي مراوحة الوضع الميداني جنوباً احتمالات خروجه من جديد عن سياقه الحالي الى دائرة تصعيد أوسع من جهة الجيش الإسرائيلي.

فبين هدوء نسبي تخرقه بين اليوم والآخر استهدافات جوية لأفراد من حزب الله او منشآت او آليات يستخدمها ، وتصعيد محدود بالغارات الجوية يطاول مناطق جنوبية وفي بعض الأحيان أهدافاً في عمق البقاع، حتى الآن يتكرر المشهد الميداني في أكثر من منطقة جنوب نهر الليطاني وشماله كما عند ضفة النهر، لكن من يتحكم به حتى اليوم، ومن جانب واحد، هو الإسرائيلي، فيما يستمر غياب حزب الله عن أي ردة فعل عسكرية أو ميدانية منذ سريان اتفاق وقف اطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024 .

ويلاحظ مراقبون للوضع أن الغارات الجوية العنيفة التي تشنها الطائرات الحربية الإسرائيلية بين الحين والآخر، تطاول بمعظمها أهدافاً ضربت سابقاً سواء في الجنوب أو في البقاع ، ما يعزز فرضية أن الحزب لا يزال موجوداً عسكرياً في تلك المناطق أو في الحد الأدنى لا يزال يحتفظ فيها بسلاح أو أنفاق أو مراكز، يعتقد الإسرائيلي أنها لا تزال تشكل تهديداً له، حتى لو كان الحزب أخلاها بشرياً وبقي مرابطاً على مقربة منها. فما يشغل الإسرائيلي بحسب مصادر متابعة لما يصدر عن مسؤوليه وإعلامه، هو أن يكون الحزب لا يزال يخفي صواريخ متوسطة او بعيدة المدى يمكن ان يستخدمها عن بعد عشرات الكيلومترات باتجاه "شمال اسرائيل". 

ويرى هؤلاء أن الإسرائيلي لا يريد فقط تجريد الحزب من سلاحه عبر تصفية هذا السلاح بالقوة ، بل يريد تجريده أيضاً من اي فرصة لإعادة بناء قدراته او التسلل الى المناطق الحدودية تحت أي غطاء مدني او بلدي او انساني ولا تحت غطاء اعادة اعمار البلدات الحدودية المدمرة ، حتى لا يتمكن الحزب من استعادة البنية التحتية التي كان بناها سابقاً في هذه البلدات وتم استهدافها في الحرب الأخيرة . ذلك أن الإسرائيلي يعتبر أن سلاح الحزب ليس فقط صواريخ وترسانة عسكرية ، بل هو كل حجر او حبة رمل تنقل جنوباً بهدف أية عملية إعادة بناء يكون للحزب يد بها ، كما حصل سابقاً حين تحولت البيوت والمؤسسات التجارية والمرافق العامة الى واجهة مدنية تخفي تحتها مخازن ومستودعات صواريخ - بحسب ما سبق واتهم الإسرائيلي حزب الله. 

بالمقابل، ورغم ما يتكبده من خسائر بشرية في صفوف مقاتليه بفعل الضربات الجوية الإسرائيلية، نجح الحزب حتى الآن في ابقاء الإسرائيلي بحالة استنفار بري وجوي على مدار اليوم والساعة ، وهو استنفار – بحسب المراقبين– ليس فقط تعبيراً عن الجهوزية الإسرائيلية الدائمة للإعتداء على لبنان وملاحقة واستهداف المقاومين ، بل هو أيضاً شكل من أشكال التأهب والإستعداد الدائم لأي رد او هجوم محتمل يمكن أن يقدم عليه حزب الله بعد طول انقطاع عن الأعمال العسكرية فيباغت به الجيش الاسرائيلي! 

لكن حتى هذا الأمر ، يعتبره حزب الله سلاحاً  – ولو نفسياً – بوجه اسرائيل يضيفه الى سلاحه الذي لا يزال يخفيه ويتمسك به. وهو اي الحزب، لا يريد حالياً اكثر من ذلك ريثما تتاح له الفرصة لتصفية حساب طويل معها!

وحتى ذلك الحين ، ولأن رياح الظروف السياسية والاقليمية كما الميدانية تجري بما لا تشتهي سفنه حالياً،  فإن حزب الله سيبقى مضطراً لـ" التعايش" مع الضربات الإسرائيلية التي تستنزف المزيد من كوادره وعناصره ومقدراته ، لأنه مضطر بطبيعة الحال لأن يبقى حاضراً مع جمهوره ولأن يتحرك في بيئته ولو عرضه ذلك للإستهداف في كل لحظة .. كل ما يستطيع أن يقوم به الحزب حالياً هو استثمار كونه  "في موقع المعتدى عليه من عدو لا يزال يحتل ارضا لبنانية " وأن " يسجل على الدولة اللبنانية عجزها عن حماية لبنان او تحرير الأرض او استعادة الأسرى" ما يفقد المطالية بنزع سلاح الحزب مبررها امام انكشاف لبنان بوجه الخطر الإسرائيلي المستمر .

في المحصلة ، يعتبر الحزب انه دفع اثماناً باهظة قبل وخلال وبعد الحرب ولا يزال.. وهو يرى أن تراكم هذه الأثمان هي رصيد شعبي له لدى بيئته الحاضنة ومن خلال اقناعها ان الدولة قاصرة عن حماية اللبنانيين وان سلاحه هو الذي سيحميهم!