المصدر: المدن
الكاتب: وليد بركسية
الجمعة 5 تموز 2024 17:32:04
وسرد إعلاميون موالون للنظام، ذكرياتهم مع الشبل (49 عاماً)، بما في ذلك العمل معها في أروقة التلفزيون السوري، إلى إشرافها عليهم بعد النفوذ الكبير الذي نالته تدريجياً، وصولاً إلى ترتيبها لقاءات بين أولئك الإعلاميين والرئيس بشار الأسد شخصياً. وفيما كانت الشبل هدفاً لسخط سوريين في الداخل، بسبب تصريحاتها المستفزة عن ضرورة التسلح بـ"الصمود الإيجابي" في وجه الفقر وضغوط الحياة، بينما تمتلك هي شخصياً ثروات كبيرة، فإن تلك المشاعر ضدها أصبحت في المنشورات الحزينة عليها "جزءاً من المؤامرة الكونية على سوريا".
وبدلاً من السيدة التي تخلت عن المصداقية الإعلامية وعن العمل الصحافي، ولاحقت النفوذ والسلطة بانضوائها النشط والفاعل سياسياً وإعلامياً في نظام دموي متهم بارتكاب أفظع الجرائم والتعديات على حقوق الإنسان، طوال عقود، أصبحت الشبل "التلميذة النجيبة التي تحترم زملاءها الأكبر سناً"، وصاحبة "الجمال الأخاذ" التي "لم تبتذل نفسها ابتذال جواري العصر". أصبحت امرأة "وطنية بامتياز" و"هدفاً للهيستيريا المعارضة" بسبب "ضحكاتها في مؤتمر جنيف 2"، وغيرها من الأوصاف والعبارات التي كشفت بعضاً من تفاصيل عمل الشبل، في تدبير اللقاءات الإعلامية والإطلالات التلفزيونية للعائلة الحاكمة، وتواجدها في كواليس الصور والفيديوهات التي كانت تبثها رئاسة الجمهورية لعائلة الأسد عبر صفحاتها في مواقع التواصل، على سبيل المثال.
والمثير للسخرية في تلك الكتابات التي امتلأت بها مواقع التواصل الاجتماعي الموالية، أن التعاطف مع الشبل في حادثها الأليم، لا يهدف مثلاً إلى تبديد الشائعات المنتشرة عن احتمالية اغتيالها أو تصفيتها من داخل النظام أو الأقاويل الأخرى عن وفاتها أو اعتقالها أو تغييبها عن المشهد العام، بعد إجراءات مماثلة بحق زوجها وشقيقها بتهمة "التخابر مع دولة أجنبية". بل كانت النتيجة الوحيدة المرجوة منها، هي الإشارة إلى "وطنيتها" التي تثير استياء الأعداء، بشكل يظهر حكمة الرئيس الأسد الذي وثق فيها بتعيينها مستشارة له. ذ تشكل هذه الشخصيات ديكورات مسرح يلعب فيه الرئيس وبطانته دور البطولة المطلقة والوحيدة، ويتم فيها استغلال الحوادث التي تثير مشاعر إنسانية، من أجل تقديم دعاية مجانية، وهو ما كان حاضراً عند إصابة السيدة الأولى أسماء الأسد بالسرطان قبل أعوام.
وكانت الشبل كسبت شهرة واسعة عندما كانت مذيعة في قناة "الجزيرة" قبل أن تستقيل من المحطة العام 2011، لتقف إلى جانب النظام السوري وتقود الجهود الإعلامية التي حاولت تزييف حقيقة الثورة السورية، وأدرج اسمها في لوائح العقوبات الاقتصادية الأميركية في وقت سابق من العام 2020. وخلال عملها مستشارة إعلامية للأسد، بدأت الشبل رويداً رويداً في بسط نفوذها وسلطتها في القصر الرئاسي، فيما حظيت بنفوذ واسع في وزارة الإعلام تحديداً، تجلى في تعيينات مختلفة في الوزارة خلال السنوات الماضية.
وتوقفت الشبل عن الظهور الإعلامي طوال عشر سنوات، إلى أن أجرت لقاءات تلفزيونية العام 2021، بما في ذلك لقاء مشين أجرته معها قناة "بي بي سي عربية"، فأثارت انتقادات واسعة بسبب البذخ الكبير الذي أطلت به المستشارة في وقت كانت تطالب فيه السوريين بـ"الصمود الإيجابي" والتوقف عن الشكوى من الفقر وانعدام الخدمات في البلاد. فقد ارتدت ملابس ومجوهرات بقيمة 130 ألف دولار أميركي، بينما يعيش أكثر من 90% من سوريي الداخل في فقر حقيقي، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة، علماً أنها تمتلك مطعم "ناش كراي" الذي يقدم الأطعمة الروسية بأسعار باهظة لا يستطيع السوريون تحمل كلفتها.
وساعدت الشبل في صياغة الصورة العامة لنظام الأسد "باعتبارها المسؤول الصحافي الحكومي الأرفع شأناً" بحسب تعبير صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، كما شوهدت مرات كثيرة ضمن اجتماعات حكومية واجتماعات دولية خاصة بسوريا، وانتشرت صورة شهيرة لها وهي تتحدث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسكرتيره الصحافي ديمتري بيسكوف، في دمشق، ما أعطى لمحى عن أهميتها ضمن النظام لدرجة تخولها الحديث مع رئيس الدولة الحليفة الأقرب لدمشق، منفردة.
والحادث الذي تعرضت له قبل أيام ونقلت بسببه إلى المستشفى لتلقي العلاج، أثار كمية كبيرة من الشائعات. فالبعض قال إنها ماتت، والبعض قال أنها في غيبوبة، وآخرون ذكروا أنها بخير وترد على اتصالاتها الهاتفية، فيما اتهمها البعض الآخر بأنها عميلة مزدوجة، أو ركزوا على زوجها الذي نشر معارضون وثائق تظهر فصله من عدد من المناصب الرسمية التي يتقلدها. فيما قال الموالون ممن ردوا على تلك الأنباء، بأن الرئيس الأسد يقوم بمحاربة الفساد وترتيب البيت الداخلي تمهيداً للمرحلة المقبلة، من دون نفي أو تأكيد أي شيء له علاقة بالشبل مباشرة.
هذا الكم من التناقضات لا يحدث سوى في بلد مثل سوريا تتحكم فيه السلطة بالمعلومات وتمارس فيه تعتيماً على كل ما له علاقة بالشأن العام لدرجة يصبح فيها أي حدث سلبي تحديداً مجرد تكهنات لا حاجة لتأكيدها أو نفيها. وعندما يتعلق الأمر بشخصيات نافذة مثل الشبل، فإن الشائعات الجديدة تفتح باباً لاستعادة شائعات وقصص قديمة لطالما تناقلها السوريون عن مسؤولين سابقين، تعرضوا لحوادث أو أقيلوا من عملهم فجأة أو "انتحروا" بشكل غامض، من رئيس الوزراء السابق محمود الزعبي إلى وزير الداخلية السابق غازي كنعان، ووفاة باسل الأسد، ابن الرئيس حافظ الأسد، وغيرها من الحوادث التي تثير حتى اليوم تكهنات وقصصاً مختلفة.
وفي حالة الشبل، ركزت إحدى الشائعات المتداولة بكثرة في مواقع التواصل، على وجود علاقة بينها وبين الرئيس الأسد بشكل يفسر صعودها السريع في القصر الجمهوري، إلى حد إطلاق لقب "السيدة الثانية" عليها. وكانت تلك الشائعة التي لا يمكن التحقق من صحتها، منطلقاً لشائعات أقرب لمسلسل "باب الحارة"، مثل رغبة أسماء الأسد في التخلص من منافستها على قلب زوجها، على سبيل المثال.
وتذكّر كل القصص المنتشرة بطيف طويل من الشائعات المماثلة التي راجت بعد الثورة السورية، ووصلت إلى الإعلام السوري البديل وصفحات الناشطين الثوريين، من انشقاق نائب الرئيس السابق فاروق الشرع إلى بتر قدمي ماهر الأسد، وغيرها من أخبار يتم نقلها على أنها حصرية وعاجلة وموثوقة من دون أي مهنية صحافية أو اعتماد على مصادر حقيقية أو واضحة. وتلك النوعية من الشائعات في الواقع، خصوصاً التي تستهدف النساء المحيطات بالرئيس والمدافعات عنه، حتى من الممثلات البارزات مثل سلاف فواخرجي، تعطي خطاب الموالين للنظام مدخلاً لنفي وتمييع كل الاتهامات والانتقادات والأسئلة الخاصة بالأداء المهني والوظيفي والفساد والعلاقات الشخصية، من باب أنها مجرد اتهامات رخيصة تروج لها المعارضة "المتشددة" و"المعادية للنساء"، مع إعادة تدوير لمقولات أن النظام السوري "العلماني" يدافع عن النساء ويشركهن في السلطة، بدليل وجود نساء في مراكز قيادية في الوزارات والبرلمان والقصر الجمهوري. ناهيك عن أن التسرّع في تدواول الشائعات يقوّض مصداقية بعض الإعلام المُعارض.
والحال أن تلك القصص عن كواليس الحب والغرام والعلاقات والخيانات في كواليس السلطة، كانت حاضرة دائماً في أحاديث السوريين، وانتقلت إلى المسلسلات التلفزيونية التي تم إنتاجها لتحاكي حياة العائلة الحاكمة. ويشكل ذلك ربما دليلاً على عدم وجود معلومات حقيقية عن أفراد ورموز السلطة في بلاد تحلّ في قاع مؤشرات الشفافية العالمية ذات الصلة، مع الإشارة إلى أن هذا النمط من السرديات يشكل أساساً لقصص وروايات أدبية ناجحة تحضر في أعمال الكاتب الفرنسي إلكسندر دوما الخاصة بالمَلَكية والعائلات النبيلة في فرنسا القديمة على سبيل المثال، وحتى في مسلسلات وأفلام معاصرة مثل "هاوس أوف كاردس" في "نتفليكس"، ولا يعني حضورها الدائم وتكريسها كأساطير شفهية أنها حقيقية، بقدر ما تعني رغبة من الأفراد العاديين في النميمة ومعرفة المزيد عن أولئك الغامضين الذين يحكمونهم من بعيد ويتحكمون في تفاصيل حياتهم، وفي بعض الأحيان لا تتواجد صور لهم أو معلومات مفصلة عنهم، مثل ماهر الأسد، شقيق الرئيس بشار الأسد.
وعزز من تلك الشائعات أيضاً حقيقة أن الشبل عملت مستشارة للأسد من دون أن تكون موظفة بشكل مباشر في القصر الجمهوري حتى العام 2020 عندما صدر قرار بتعيينها رسمياً مستشارة إعلامية خاصة في رئاسة الجمهورية، بالإضافة إلى مهامها كمديرة للمكتب الإعلامي والسياسي في القصر الجمهوري، حيث كانت موظفة في ملاك الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون قبل ذلك التاريخ، علماً أن المنصب المذكور تشغله منذ عهد الرئيس حافظ الأسد المستشارة بثينة شعبان، التي حافظت على عملها، رغم التجديد.
وأثار عمل المستشارتين معاً طوال سنوات تقديرات عن صراع النفوذ بين روسيا وإيران، حليفتي النظام، بشكل ظهر واضحاً في أداء وزارة الإعلام المضطرب منذ العام 2016، حيث صوبت المستشارتان على بعضهما البعض ليس فقط في التعيينات والإقالات ضمن الوزارة بل أيضاً في شن حملات إعلامية على بعضهما. فانتقد المعسكر الموالي للشبل تصريحات شعبان عن الأزمة الاقتصادية في البلاد والتي اعتبرتها مشكلة وهمية، وصولاً إلى القول أن أولادها يحملون جنسيات أجنبية، وليس انتهاء بالحديث عن ثروات عائلتها غير المشروعة. فيما كانت الانتقادات تنصب على الشبل من معسكر شعبان على إطلالات لونا الباذخة تحديداً.