آلية التفرغ ومعضلة التوازن الطائفي بـ"اللبنانية": إلى المماطلة درّ!

لوّح الأساتذة المتعاقدون في الجامعة اللبنانية بالتصعيد حيال المماطلة في البت بملف التفرغ. وصدر بيان عن "لجنة الأساتذة المتعاقدين بالساعة" قالت فيه إنه "رغم انطلاق بعض الإجراءات المتصلة بملف التفرغ، كعملية تحديد الاحتياجات ضمن الكليات، لا تزال الصورة ضبابية". واعتبرت "أن ما أُنجز حتى الآن لا يزال ناقصًا ومفتقرا للوضوح والالتزام الزمني، فيما الوقت يضيق بسرعة مع اقتراب العام الجامعي المقبل". وحذرت من أن أي تأخير إضافي في إقرار الملف سيقابل "بخطوات تصعيدية مفتوحة".

إشكالية تحديد ملاكات الكليات
للمرة الأولى يسلك ملف التفرغ الطرق الإدارية السليمة، أي بمحاضر وتعاميم تحدد احتياجات الجامعة، في انتظار الانتهاء من عرض مرسوم آلية التفرغ الجديدة على مجلس الوزراء. لكن إلى حد الساعة لم تنجز الكليات المطلوب منها تحديد الاحتياجات. فقد سبق وصدر تعميم عن رئيس الجامعة بسام بدران لجميع الكليات لرفع الاحتياجات. والآلية المعتمدة هي أن تقوم مجالس الأقسام برفع الاحتياجات إلى مجالس الفروع ثم الوحدات، ثم مجلس الجامعة (حالياً رئيس الجامعة ووزيرة التربية ريما كرامي). لكن لا تزال العديد من الكليات لم تنجز هذا الأمر، رغم أن المرسوم الذي تعمل عليه وزيرة التربية لاعتماد آلية جديدة للتفرغ في الجامعة يلحظ مهلة زمنية محددة في شهر تشرين الأول المقبل، لإقرار العدد المطلوب تفريغهم في الجامعة.
وفق مصادر "المدن" ثمة إشكالية تعيق إنجاز الكليات تحديد احتياجاتها، متعلقة بعدم احتساب المواد الاختيارية ومواد غير الاختصاص ضمن ملاكات الكلية. وعلى سبيل المثال في كلية إدارة الأعمال توجد مواد إلزامية للطلاب مثل مادة قانون العمل، لكن بحسب الآلية الجديدة لا تُحتسب هذه المادة ضمن ملاكات الكلية. وهذا الأمر ينطبق على كليات أخرى مثل الإعلام والفنون والطب والهندسة وغيرها.

وبعيداً من أن الآلية الجديدة للتفرغ ستقصي أساتذة متعاقدين كثر من التفرغ في كليات مثل الآداب والعلوم الاجتماعية، نظراً للتشعيب فيها وإسناد مواد اختيارية لفئة كبيرة من المتعاقدين، تبقى الإشكالية الأساسية في التفرغ هي العامل الطائفي والتوازن بين المسلمين والمسيحيين.

تتناقض مع قانون الجامعة
ووفق مصادر "المدن"، شهدت آلية التفرغ التي اقترحتها وزيرة التربية الكثير من الأخذ والرد بينها وبين رئيس الجامعة، بسام بدران. فالآلية المتبعة تعطي الدور الأساس لمجالس الأقسام في تحديد حاجات الجامعة وفي تفريغ المتعاقدين.

أما دور مجلس الجامعة، فهو وسيط بين مجلس القسم ومجلس الوزراء. فوفق الآلية، يرفع مجلس القسم الحاجة بالتسلسل إلى مجلس الجامعة، الذي بدوره يرفعها عبر وزارة التربية إلى مجلس الوزراء، الذي له الدور في الموافقة أو رفض العدد المطلوب تفريغهم في الجامعة. بعد الموافقة على العدد، يعود مجلس الجامعة إلى مجالس الأقسام لتحديد الأسماء التي يُفترض تفريغها في كل قسم.
لكن هذه الآلية تتناقض مع قانون الجامعة، الذي يعطي الصلاحية لمجلس الجامعة بالتعاقد والتفرغ.

وتضيف المصادر أن الآلية الجديدة ستصدر بمرسوم عن مجلس الوزراء، وقد أُرسل المرسوم إلى هيئة الاستشارات في وزارة العدل لإبداء الرأي. وسجّلت الهيئة ملاحظات جوهرية على هذه الآلية، من أبرزها أن مرسوم آلية التفرغ يتعارض مع قانون الجامعة. وعليه، يعمل أحد القضاة في وزارة التربية على إجراء تعديلات على المرسوم، قبل عرضه على مجلس شورى الدولة، ثم رفعه لاحقاً إلى مجلس الوزراء لإقراره.

تلزم آلية التفرغ الجديدة الجامعة بتحديد حاجاتها سنوياً في الشهر الخامس من كل عام، حيث ترفع مجالس الأقسام احتياجاتها بالتسلسل الإداري إلى مجلس الجامعة. ونظراً لوجود متعاقدين بلغوا سن التقاعد، تنص الآلية على تفريغ كل متعاقد تجاوز الـ62 عاماً، بغض النظر عمّا إذا كانت المواد التي يدرّسها تندرج ضمن اختصاص الكلية أو لا.

لكن، على المدى البعيد، سيجري التفرغ وفق حاجات الجامعة، مع اعتماد سياسة عدم احتساب المواد الاختيارية ومواد غير الاختصاص ضمن ملاكات الكليات.

معضلة الطائفية مجدداً
بشكل عام، تُعد الآلية إصلاحية، كما يؤكد أساتذة متعاقدون من توجهات سياسية مختلفة. لكن الإشكالية تبقى في التفاصيل الطائفية. فالآلية تقوم على تفريغ المتعاقدين بحسب حاجة الجامعة، من دون الأخذ بمبدأ التوازن الطائفي. وهذا في وقتٍ تتمحور فيه عِلّة النظام اللبناني حول كيفية تأمين هذا التوازن.

فعندما يوافق مجلس الوزراء على العدد الذي تطلبه الجامعة للتفرغ، تقوم مجالس الأقسام بتحديد أسماء الأساتذة المراد تفريغهم، من دون مراعاة مبدأ التوازن الطائفي. ويكتفي مجلس الوزراء بإيراد عبارة تفيد بأن موافقته على العدد تأتي "في سياق الحفاظ على مقتضيات الوفاق الوطني". وهذه العبارة تعني عمليًا العودة إلى المعضلة الطائفية وتأمين التوازن بين المكونات اللبنانية.

وكان رئيس الجامعة قد عمل سابقًا مع الوزير السابق عباس الحلبي، لأكثر من عام ونصف، على إعداد ملف تفرغ يأخذ بعين الاعتبار حاجات الجامعة والتوازن الطائفي، لكنهما لم ينجحا في التوفيق بين الأمرين، إلا من خلال تضخيم عدد المتفرغين إلى أكثر من 1200 متعاقد، أي بما يزيد بمئات المتعاقدين عن حاجة الجامعة الفعلية.

وعليه، فإن الآلية الجديدة مرشحة للاصطدام مجددًا بالاعتبارات الطائفية. بمعنى آخر، قد يُصار إلى حرمان متعاقد شيعي أو سنّي مضى على عمله أكثر من عشر سنوات في الكلية من التفرغ، لصالح متعاقد مسيحي أقل خبرة، فقط لتأمين التوازن الطائفي.

ويُبدي عدد من المتعاقدين مخاوفهم من أن تتحول آلية التفرغ الجديدة إلى عقبة إضافية أمام حصولهم على التفرغ. فالمماطلة في حسم الأمور، وعدم تحديد حاجات الجامعة بدقة، أو عدم إجراء التعديلات المطلوبة على المرسوم قبل عرضه على مجلس الوزراء، ثم الغرق في إشكالية التوازن الطائفي، قد تعني عمليًا ضياع عام إضافي من دون تفرغ.

وهذا كله يرتبط أيضًا بعمر الحكومة الحالية، التي تنتهي ولايتها بعد عام. والسؤال المطروح: هل يعمل بعض الأطراف على تأخير إقرار آلية التفرغ إلى حين انتهاء ولاية الحكومة الحالية؟